و از دعاهاى آن حضرت (ع) است در ذكر توبه و طلب آن از خداى تعالى
شرح:
دعاوه فى ذكر التوبه و طلبها
فى اجواء دعاء التوبه:
للتوبه فى المنهج الاسلامى التربوى، الدور الاساس فى الايحاء المتنوع بالفرصه الدائمه المستمره فى تصحيح الخطا الانسانى، و الرجوع عن الخطيئه العمليه، و الاستقامه على الخط عند الانحراف، و العوده الى الله و الانابه اليه بعد الانحراف عنه، و البعد عن مواقع القرب لديه، فقد خلق الله الانسان فى نظام غرائزى ينفتح على حاجات الانسان الجسديه فى شروط الحياه، فيستثير الشهوه، و يفتح للهوى اكثر من نافذه على مواقع الاغواء و الاغراء، مما يدفع الانسان الى الخطا تاره، و الى الخطيئه اخرى، و الى الانحراف ثالثه، و الى غير ذلك مما لا يلتقى بمواقع رضى الله سبحانه، و هكذا خلق الله الانسان ضعيفا، تتحكم به نقاط ضعفه فتاخذه ذات اليمين و ذات الشمال، و لكن الله الذى جعل من بعد ضعف قوه فى البنيه الجسديه، اعطى الانسان القدره من خلال ما اودعه فيه من نقاط القوه التى تمنحه التوازن بين خط الضعف و خط القوه، و جعل له الحوافز الروحيه التى تدفعه الى ان يتغلب فيه جانب القوه على جانب الضعف، من خلال ترغيبه له بالثواب العظيم عنده، كما وجهه الى النتائج السيئه من خلال تخويفه و ترهيبه من العذاب العظيم، و هكذا كانت التوبه العمل الداخلى بالندم على ما مضى و العمل الخارجى بالعمل على تجاوز اخطاء الماضى فى ما ياتى، و الجسر الذى يربط العبد بربه من جديد، بعد ان كان قد اخل بعلاقته به بسبب الخطيئه.
و فى ضوء ذلك، كانت التوبه حركه الانسان فى روحه و فى قلبه للانفتاح على
الله من جديد، كلما اغلق على نفسه النافذه الايمانيه التى تطل به على الله، حتى لا تكون الخطيئه عقده نفسيه فى ذات الخاطىء، بل تكون حاله طارئه تطوف بالانسان كما يطوف الخيال فى ذهنه كما توحى بذلك الايه الكريمه فى قوله تعالى: (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذاهم مبصرون) (الاعراف: 201)، و التذكر هنا كنايه عن التوبه الناشئه من اراده العوده لله و الاحساس بالذنب من خلال وعى الواقع الخاطىء، لتكون المساله مساله ابصار بعد العمى الطارىء، و قوله تعالى: (و الذين اذا فعلوا فاحشه او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفرو الذنوبهم و من يغفر الذنوب الا الله و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون اولئك جزاوهم مغفره من ربهم و جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها و نعم اجر العاملين) (آل عمران: 136-135)، فالقضيه هى ان الخطيئه تمثل حاله غيبوبه فى الخطا و الخطيئه و الاستغراق فى الذات، و حاله غفله عن الله سبحانه فى وعى الانسان لمسووليته امامه، و ان الانسان المسلم يستفيق فجاه من تلك الغفله ليذكر الله و ليستغفر من ذنوبه و اثقا بان الله وحده هو الذى يغفر الذنوب كلها، و ليعود من جديد الى تقوى الله، فلا يصر على ما فعله و هو يعلم نتائج عمله و طبيعه الالتزامات، الامر الذى يدفعه الى تحويل التزامه الايمانى الى واقع عملى بعيد عن خط الانحراف.
و قد خاطب الله عباده بالتوبه النصوح التى يوكد الانسان فيها لنفسه فى حساباته معها و لربه فى ابتهالاته اليه، بالرفض لكل تاريخ الماضى المثقل بالخطايا و الذنوب و الانحرافات، و الندم عليه فى عمق الشعور الواعى بفظاعه الموقف الخاطىء امام الله، كما يركز الانسان فى خط حياته فى ما يستقبله من الزمن على بدايه جديده لا مكان فيها للخطيئه، و لا موقع فيها للانحراف، ليخطط للمستقبل لطاعه الله فى اقواله و افعاله و مواقفه و مواقعه و كل علاقاته و شوونه. انها التوبه المنطلقه من الثقه بالخط و الاصرار على الالتزام، و التطلع الى المستقبل فى اتجاه الصراط المستقيم.
قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا توبوا الى الله توبه نصوحا عسى ربكم ان
يكفر عنكم سيئاتكم و يدخلكم جنات تجرى من تحتها الانهار يوم لا يخزى الله النبى و الذين آمنوا معه نورهم يسعد بين ايديهم و بايمانهم يقولون ربنا اتمم لنا نورنا و اغفر لنا انك على كل شىء قدير) (التحريم: 8).
و هذه هى التوبه التى تجعل المومنين فى موقع الرعايه الالهيه بتكفير السيئات عنهم و ادخالهم الجنه، و بالبعد عن الخزى و العار يوم القيامه، حيث يعيشون النور الكامل الذى يفيضه عليهم من رحمته و مغفرته، ليكمل لهم نورهم الذى ربما انقصته السيئات، و قال تعالى فى الجانب السلبى من المساله: (و من لم يتب فاولئك هم الظالمون) (الحجرات: 11).
و قد اراد الله للانسان ان تكون توبته فى الحاله الطبيعيه التى يملك فيها الامل الكبير بالحياه بحيث يعيش فى نفسه امكانيه الالتذاذ بشهواتها و التمتع بخيراتها، مما يجعل من التوبه فعل اراده واعيه مختاره متمرده على كل نوازع الشر و اغراءاته، انطلاقا من روح التقوى فى ذاته، و الرغبه فى الحصول على رضى الله و التخفف من سخطه.
اما التوبه التى يمارسها الانسان فى اللحظات الاخيره من حياته عندما يفقد الامل بامتداد عمره لانه يواجه الموت عيانا، فانها لا تمثل الحاله الاختياريه الواعيه التقيه فى عمق الذات، بل تمثل الحاله الضاغطه على الحس التى يلهث الانسان من خلالها نحو الفرصه الاخيره من دون اراده حيه فاعله، بحيث لو امتدت الفرصه امامه لما اختار هذا الموقف، و هذا ما جاء به القرآن الكريم فى سوره النساء فى قوله تعالى:
(انما التوبه على الله للذين يعملون السوء بجهاله ثم يتوبون من قريب فاولئك يتوب الله عليهم و كان الله عليما حكيما و ليست التوبه للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال انى تبت الان و لا الذين يموتون و هم كفار اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما) (النساء: 18-17).
و هذا هو الخط الفاصل بين التوبه المنطلقه من قناعه بعمليه الاختيار للخط الصحيح من موقع اراده حره واعيه، و بين التوبه المنطلقه من حصار نفسى تفرضه مواجهه الموت الذى يمثل نهايه الفرصه المتاحه للانسان، تماما كما هى حاله الانسان بعد الموت عندما يفكر بالتراجع، و يطلب الرجوع الى الدنيا ليعمل- فى الخط المستقيم- من جديد بعد ذهاب الفرصه الوحيده للعوده و العمل، فان التوبه خط عملى يرتبط بالنفس و بالواقع، و لا يقتصر على الحاله النفسيه الخاضعه للانفعالات الخائفه المجرده عن العمل، و قد حدثنا الله عن فرعون انه اعلن الايمان عند ما ادركه الغرق، من دون ان ينفعه ذلك شيئا.
و فى هذا الدعاء حديث تفصيلى عن الجو الداخلى النفسى الذى يعيشه التائب فى اجواء التوبه فى ابتهالاته الروحيه بين يدى الله، حيث يبدا فى النداء لله بصفاته التى لا يبلغ الواصفون حقيقتها، و بمواقع الرجاء منه التى تقف عنده فلا تتجاوزه، لانه غايه الراجين فى ما يرجونه فى كل امورهم، و بحفظ احسان المحسنين فلا يضيع لديه شىء منه، و بمواقع عظمته و عقوبته التى يخافها العابدون و لا يخافون غيره فى شىء من شئوون الحياه لديهم، و بانه غايه خشيه المتقين الذى يخشون عقابه و يخافون غضبه.
و ينطلق الفصل الثانى، ليبدا التائب العابد فى عمليه الاعتراف بخطاياه، فهو الانسان الذى اخذته ذنوبه من كل مكان، فتلاقفته من يد الى اخرى، و من موقع الى موقع آخر، حتى امسكت الخطايا بزمام حياته، فاصبح خاضعا لها بحيث لا يملك ارادته امامها، و استطاع الشيطان ان يتغلب عليه و يوجهه الى ما يريده من اقوال و افعال و علاقات، فكانت النتيجه الطبيعيه لكل ذلك ان يقصر فى امتثال اوامر ربه تضييعا لحقوق الله عليه، و يتعاطى التهجم على ما نهاه عنه مما يودى الى ايقاع نفسه بالخطر، تماما كما لو كان جاهلا بمواقع قدره الله عليه، او منكرا فضل احسانه اليه، مما لو كان و اعياله وعى الشعور العميق، لكانت حساباته العمليه
تختلف عما هو عليه، و لهذا فانه، فى الحاله التى انفتح له فيها بصر القلب بنور البصيره، و زالت عنه كل عناصر الغفله التى تغشى قلبه و فكره، بدا عمليه الحساب بطريقه تفصيليه فى صغائر الامور و كبائرها، و فى مواطن الانحراف الفكرى و العاطفى و العملى، فهالته النتائج السيئه فى دلالاتها، المرهقه فى آثارها، الخطيره فى نهاياتها، و هكذا رجع الى ربه رجوع المومل لمغفرته، المستحيى من ذنوبه، و وجه اليه الرغبه الصادقه من موقع الثقه به، و قصده بطمعه على اساس اليقين بعطائه، و انفتح على خوفه منه اخلاصا ليس له وجهه واحده الا اليه، و لا احساس بالطمع الا نحوه، فلا قيمه لديه للخوف من اى احد فى الكون، فهو الامن منهم جميعا، لانه لا يرى اى اثر لتخويفهم، بل القيمه كل القيمه لديه هى الحذر منه و من عقابه، لانه الرب القوى الذى لا حد لقوته و القادر الذى لا منتهى لقدرته.
و هكذا عاش التضرع بين يديه و الخشوع الذى لا يرفع البصر الى الاعلى بل يخفضه الى الارض، و بدا عمليه الاعتراف باسراره التى يعلمها بواسع علمه، و انطلق فى استحضار كل تاريخه فى الخطايا ليعدد ذنوبه واحدا واحدا، و اطلق صيحه الاستغاثه عند كل هذا التاريخ الاسود الذى يحمل فى داخله الكثير من الفضائح المخزيه التى تجعله وجها لو جه امام خالقه الذى يملك الحكم الصارم عليه، اذا شاء له العقوبه، على تلك الخطايا التى تبقى نتائجها فى عقاب الاخره فى الوقت الذى لم يبق من لذاتها شىء، لانها تمثل احساس اللحظه التى تذوب و تتبخر احاسيسها بسرعه، مما يجعل الانسان الواعى و اعيا لا مثالها فى المستقبل، فلا ينطلق فى عمل خاص او عام انطلاقا من شهوه او لذه جامحه مما تكون نتائجه سيئه على مستوى المستقبل، بحيث يكون ما حصل له من السرور او اللذه لا قيمه له امام احزان النتائج و مشاكلها و تبعاتها فى مصيره فى الحياه، و هكذا يوحى هذا الدعاء بان على الانسان ان يوازن دائما فى حساباته الايجابيه و السلبيه بين ربح الحاضر و خساره المستقبل، فلا يسقط المستقبل امام الاحساسات السريعه للواقع الحاضر. و هذا ما ينبغى للانسان ان يتابعه فى سلوكه العملى مع الله عندما تدفعه وساوس الشيطان لتزين له المعصيه، و تثير فيه الغريزه، و تحسن له القبيح، و تطرد
عن خاطره مخاوف النتائج، او تهونها عليه، او تبعد عنه الشعور بمقام ربه حتى توقعه فى الغفله المطبقه، و الغيبوبه الساهيه، فيسرع الى الخطيئه، و يستهين بالحذر، و يقع فى المحذور، ثم يبدا- بعد ذلك- يندب حظه عند ما يواجه السلبيات القاتله فى حياته.
ثم يوكد الانسان لنفسه، ان لله الحق فى عقاب العصاه من عباده على اساس عدله، لانه اقام الحجه عليهم فى ما امرهم به او نهاهم عنه، و بين لهم العقاب على المعصيه، و الثواب على الطاعه، فى الوقت الذى كانت عقولهم تفرض عليهم الخضوع له فى كل شىء، من موقع انه المالك لهم فى خلقه لهم، و المنعم عليهم فى وجودهم، و فى كل تفاصيله الصغيره و الكبيره، الامر الذى يودى الى ان يشكروه على ذلك كله، و يشعروا بان عبادتهم له هى سر انسانيتهم فى خصائصها الفطريه المنفتحه على كل حركه المسووليه فى الحياه.
و يوكد لها- فى الوقت نفسه- ان عفوه عن عباده ليس هو الشىء العظيم الخارج عن طبيعه الصفات الحسنى لله، فهو الرب الكريم الذى لا يضيق كرمه عن احد، و لا تتعاظمه المغفره لكل الذنوب، مهما كانت عظيمه، لان امتداد كرمه، وسعه رحمته، و انفتاح لطفه، يحتوى الذنوب كلها، فلا يبقى لها لديه اى اثر سيىء، لان العقاب عنده ليس حاله من شوون الذات التى قد تستعظم الاساءه فلا تجد مجالا للتهوين منها او تخفيفها، بل هو حكمه فى تقريره كما يكون حكمه فى ازالته و العفو عنه.
ثم يلتفت الانسان المومن المذنب الى ان الله اذن لعبده فى الدعاء فى ما يهمه من امر دنياه و آخرته، بل امره بذلك و وعده الاجابه، لانه اراد له ان يتعلم كيف يتحدث مع ربه حديث العبد المنفتح عليه، المحب له، الخائف منه، الراجى له فى قضاياه الخاصه و العامه، ليجدد- فى نفسه- احساسه الدائم بحاجته الى ربه، و فقره اليه، الامر الذى يوكد العلاقه بينه و بينه، باعتبار ان الدعاء يمثل النجوى الدائمه مع الله، و العلاقه بين الدعاء و الاجابه تمثل الحوار المنفتح بين العبد و ربه، و هذا ما توكده الايه الكريمه:
(و قال ربكم ادعونى استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين) (غافر: 60) (فانى قريب اجيب دعوه الداع اذا دعان فليستجيبوا لى و ليومنوا بى لعلهم يرشدون) (البقره: 186).
و من خلال هذا الجو، يقف هذا الانسان ليعلن لله اطاعته له فى الاستجابه لامره بالدعاء، فيكون الدعاء طاعه بالاضافه الى انه رغبه و حاجه، و يطالبه بالاجابه من خلال وعده له، و الله لا يخلف وعده.
و هنا يتحرك الاسلوب الاستعطافى الايحائى فى وعى الانسان لموقفه من ربه و موقع ربه منه، فقد اقر له بكل ذنوبه فى شعور بالحاجه الى التخفف منها بالمغفره، لان هناك علاقه بين الاقرار الخاشع بالذنب و مغفره الله، و قد وضع نفسه لله فى موقع التواضع له و الانسحاق امامه و الذوبان بين يديه، فى شعور حى بان ذلك هو الوسيله الفضلى للارتفاع عن مصارع الذنوب التى تصرع فى الانسان احساسه بالطهاره و النقاء لتمرغه فى الوحول. و هذا ما يوكد الحقيقه الايمانيه ان الله يرتفع بالانسان عن كل ما يثقله فيسقطه اذا وقف العبد بين يديه ليرتفع اليه من موقع التواضع له، فان كل ضعه لاى شخص لا تتناسب مع العزه و الكرامه، و لا تنطلق فى خط الارتفاع بل تنزل الى خط الاتضاع، و لكن الامر يختلف عند ما تكون الضعه لله العظيم الاعلى الاكبر لانها تمثل حقيقه الانسان الذى هو عبدالله الذى يمثل الاخلاص فى العبوديه سر الحريه فى الحياه مع الاخرين.
و ها هو يقف من جديد و الحياه مملوءه بالفضائح التى تثيرها الخطايا فتزكم الانوف و تنشر روائحها النتنه بين الناس، ليطلب منه ان يسترها بستره الجميل ثقه منه بذلك بعد ان عرف من كتاب الله ان الله لا ينتقم من عبده فى خطاياه لان رحمته وسعت غضبه.
و هذا هو الفصل الاول من الدعاء الذى عاش فيه الانسان وعى نفسه من خلال وعى ذنوبه، و اكتشافه مقام ربه و موقعه من عباده فى صفات الرحمه و الكرم و العفو و المغفره.
و فى الفصل الثانى، دعاء فى تثبيت النيه على الطاعه، و ذلك بتعميقها فى النفس و تركيزها فى الفكر، لتتحرك الطاعه من وعى الايمان فى العقل على اساس القاعده الفكريه التى يصدر عنها الانسان فى اقواله و افعاله و علاقاته فى الخط المستقيم بشكل طبيعى، فلا يتكلف ذلك من نفسه، بل كل ما هناك ان يقف ضد نوازعه الذاتيه المضاده، ثم يعمل على تقويه بصيرته فى عباده الله و احكامها بحيث لا يتطرق اليها اى خلل او ضعف او فساد، مما يمكن ان يصرف عنها او يضعف الموقف امامها، و فى التوفيق للاعمال الصالحه التى تتفجر منها ينابيع الايمان و التقوى، فتغسل القلوب، و تطهر الارواح، و تحرك الجسد، نحو الطهاره، فتغسل كل رجس الخطيئه من الفكر و الروح و الجسد، لينطلق الانسان نقيا صافيا طاهرا من الخطايا فى ما يستقبل من شوون حياته، و فى التوفيق لان تكون وفاته- فى نهايه حياته- على مله الاسلام و نهجالرسول، حتى تكون خاتمه اموره خيرا، ليلقى ربه كما يحب و كما يحب الله و رسوله.
و فى الفصل الثالث، يرتفع- فى الدعاء- نداء التوبه قويا حاسما شاملا لكل الذنوب الكبيره و الصغيره، الظاهره و الباطنه، الماضيه و الحاضره، من عمق الندم الصارخ الذى يستاصل الخطيئه من الذات فكره و حديثا و ضميرا، و يطردها من الواقع، تماما كما لو كانت شيئا غير موجود، فلا حديث مع النفس بها، و لا تفكير بالعوده اليها، و اذا كانت التوبه حقيقه فى الذات، فان قبولها يصبح وعدا من الله، و العفو عن الخطايا ينطلق التزاما منه، و يتحول التائب الى انسان محبوب لديه بعد ان كان مبغوضا عنده، فذلك هو قوله تعالى:
(و هو الذى يقبل التوبه عن عباده و يعفو عن السيئات و يعلم ما تفعلون) (الشورى: 25) (ان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين) (البقره: 222)
و اذا كان قبول التوبه وعدا فلا بد ان يتحقق، و اذا كان العفو عن السيئات ضمانا، فلا بد ان يصدق، و اذا كانت المحبه شرطا فلا بد ان يحصل، فى مقابل شرط آخر
يلتزمه المومن على نفسه، و هو ان لا يعود من جديد الى ما يكرهه الله و يذمه منه، و عهدا من كل كيانه ان يهجر جميع معاصيه، لتكون المساله فى الدعاء و عدا و ضمانا و شرطا يقابله العبد بمثله ليوكد معنى التوبه فى نفسه.
انه النداء الصارخ الذى ينطلق من ابتهالات روح، و نبضات قلب، ان يغفر الله له كل ما علمه من اعمال الانسان، و كلها فى علم الله، سواء منها ما كان حفظه او ما كان نسيه مما يتعلق بحق الله او بحق الناس، و ان يعوض الناس ما كان لهم، و ان يغفر له ما كان له، و يخفف عنه كل ثقلها، و يعصمه من مقارفه مثلها.
و يمتد الدعاء الى القلق الذى قد يفترس الانسان فى مساله التوبه، فقد تضعف عزيمته و يفقد تماسكه، و ينهار موقفه، فيقترف خطيئه هنا، و ينحرف لحظه هناك، انطلاقا من غفله طارئه، او نزوه عابره، و يكون الموقف امام هذا القلق الطلب الى الله ان يعصمه من ذلك و ان يمنحه قوه من قوته، و عصمه من عصمته، ليكون ذلك هو الاساس فى الوفاء بعهده و شرطه. انه- و هو فى موقف الاخلاص فى التوبه- يريد لتوبته ان تكون التوبه الدائمه المستمره التى لا ذنب معها، فلا يحتاج بعدها الى توبه جديده، اذ لا يبقى فى حياته شىء من سواد الماضى، و لا يكتب فى صفحتها المستقبليه شىء من سواد المستقبل، لتكون توبه محفوفه بالسلامه فى ما بقى انطلاقا من العيش فى رحمه الله و فى ستر عافيته، تفضلا عليه و احسانا اليه.
و اذا كانت التوبه شامله فى عناوينها العامه، فانها تتحرك لتقف مع كل ما خالف اراده الله و زال عن محبته، فى قول بعيد عن الحق و خطرات قلب بعيده عن التوازن، و لحظات عين قريبه من الخيانه، و حركه يد، و خطوات رجل، و شهوات جسد، و رعشات غريزه، لتكون التوبه التزاما عضويا يقف فيه كل عضو من داخل الجسد و ظاهره ليعلن التوبه، فيتمرد على صاحبه اذا اراد خيانه العهد و الانحراف عن الموقف.
و فى الفصل الرابع ابتهال و استرحام و حنين و لهفه و استعطاف و استشفاع بكرم الله و استدرار لعفوه، و استدعاء لتفضله و ستره، و استعاذه من عقوبته، و حديث مع الله حديث الذليل مع العزيز ليرحمه، و الفقير مع الغنى لينعشه، فالله هو الخفير بعزته و لا خفير غيره، و هو- وحده- الشفيع بفضله، و لا شفيع غيره، و هو الذى يمنح العبد الاحساس بالامان امام الخوف من النار، و لا امان الا من عنده.
و يلتفت الدعاء الى ذات الانسان ليدرك انه لا يستحق استجابه دعائه بعد ما اسلف من الخطايا، فكيف يتجرا على النطق بكلمات الاستغفار، و هل ينسى ما تجرا به على ربه، لكنه يستدرك ان السماء و ما فيها قد تسمع صراخه، و ان الارض و من عليها قد تسمع دعاءه، فتعرف ندمه و توبته، فترحمه اشفاقا ورقه، بدعاء خالص، و شفاعه قريبه، مما يكون مقبولا من الله اكثر من دعائه و شفاعته، بحيث يتحقق له الفوز برضاه و النجاه من غضبه.
و ينتهى المطاف فى الدعاء الى التاكيد الروحى اللسانى انه اندم النادمين و اشد التائبين توبه اذا كان الندم توبه، و انه اول المنيبين الى الله اذا كان الترك للمعصيه انابه، و انه من المستغفرين الذين تكون حياتهم كلها تجسيدا للاستغفار اذا كان الاستغفار حطه من الذنوب.
و يصرخ العقل و القلب و اللسان و الكيان طلبا لقبول التوبه، و اجابه للدعاء، فان الله هو التواب على المذنبين، و الرحيم للخاطئين المنيبين اليه، العائدين الى رحاب رحمته و لطفه وجوده و كرمه.
و بعد، فان هذا الدعاء يمثل و ثيقه فكريه روحيه حيه فى اساليب الابتهال، و فى العمق الداخلى الروحى للاحساس بالحاجه الى التصحيح العملى للاخطاء الانسانيه و الخطايا الدينيه، كما يمثل وثيقه تربويه فى رعايه الافكار و تربيه المشاعر، و تاكيد المواقف، و تاصيل الاراده، و توثيق العلاقه بالله فى حركه منفتحه على ابعادا التجربه المستقبله من الوقوع فى اخطاء التجربه الماضيه، حتى يتحول
الانسان الى وعى متعدد الجوانب، منفتح الابعاد، على كل مسووليته امام الله. اللهم يا من لا يصفه نعت الواصفين، و يا من لا يجاوزه رجاء الراجين، و يا من لا يضيع لديه اجر المحسنين، و يا من هو منتهى خوف العابدين، و يا من هو غايه خشيه المتقين.
مع الله فى صفاته:
يا رب، مهما وصفك الواصفون فانهم لا يستطيعون ادراك حقيقه وصفك، لانهم المحدودون فى تصوراتهم و تجاربهم و ادراكهم، فكيف يملكون معرفه المطلق الذى لا حد له و لا نهايه فى اوصاف ذاته.
احاديث مرتبط:
ناتوانى انسان از شناخت و توصيف خدا.
قال الامام الباقر عليهالسلام: هل سمى عالما و قادرا الا لانه وهب العلم للعلماء و القدره للقادرين، و كل ما ميزتموه باوهامكم فى ادق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود اليكم، و البارى تعالى واهب الحياه و مقدر الموت، و لعل النمل الصغار تتوهم ان لله زبانيتين فانهما كمالها، تتوهم ان عدمهما نقصان لمن لا يكونان له، هكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به فيما احسب و الى المفزع. (شرح مساله العلم: ص 43(
شرح نهجالبلاغه لابن ميثم، ج 1، ص 110
وصف خدا.
قال اميرالمومنين عليهالسلام: ليس لصفته حد محدود و لا نعت موجود.
نهجالبلاغه، ص 39، خطبه 1
آيات مرتبط:
عجز از گفتن صفات و كلمات پروردگار:
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (بگو: «اگر دريا براى كلمات پروردگارم مركّب شود، پيش از آنكه كلمات پروردگارم پايان پذيرد، قطعاً دريا پايان مىيابد، هر چند نظيرش را به مدد [آن] بياوريم.») قرآن كريم، سوره مباركه الكهف (18)، آيه 109.
ناتوانى انسان از شناخت قدر و منزلت الهى:
وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَ هُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً وَ عُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَ لا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (و آنگاه كه [يهوديان] گفتند: «خدا چيزى بر بشرى نازل نكرده»، بزرگى خدا را چنانكه بايد نشناختند. بگو: «چه كسى آن كتابى را كه موسى آورده است نازل كرده؟ [همان كتابى كه] براى مردم روشنايى و رهنمود است، [و] آن را به صورت طومارها درمىآوريد. [آنچه را] از آن [مىخواهيد] آشكار و بسيارى را پنهان مىكنيد، در صورتى كه چيزى كه نه شما مىدانستيد و نه پدرانتان، [به وسيلهى آن] به شما آموخته شد.» بگو: «خدا [همه را فرستاده]»؛ آنگاه بگذار تا در ژرفاى [باطل] خود به بازى [سرگرم] شوند.) قرآن كريم، سوره مباركه الانعام (6)، آيه 91.