بازگشت

رحم


الرحمن و الرحيم: صفتان مبنيان للمبالغه كالغضبان من غضب، و العليم من علم، و اضافه كل منهما الي الدنيا و الاخره بمعني (في) كاضافه مالك الي اليوم في (مالك يوم الدين) و المعني يا بالغا من الرحمه غايتها في الدنيا و الاخره كما ان مالك يوم الدين، مالك امور العالمين كلها في يوم الدين.

فان قلت: قد ورد في بعض الادعيه (يا رحمن الدنيا و الاخره) و في بعضها (يا رحمن الدنيا و الاخره و رحيم الدنيا) و ورد في هذا الدعاء (يا رحمن الدنيا و الاخره و رحيمهما) فما وجه الاختلاف في هذه العبارات قلت: اختلاف العبارات باختلاف الاعتبارات فعند اعتبار (الرحمن ابلغ من الرحيم) لدلاله زياده المباني علي زياده المعاني (سياتي ما يتعلق بهذه القاعده). و اعتبار الابلغيه فيه باعتبار الكميه نظرا الي كثره افراد المرحومين عبر برحمن الدنيا و رحيم الاخره، لشمول رحمه الدنيا للمومن و الكافر و اختصاص رحمه الاخره بالمومن.

و عند اعتبار الا بلغيه باعتبار الكيفيه و هي جلاله الرحمه و وقتها بالنسبه الي مجموع كل من الرحمتين عبر برحمن الدنيا و الاخره لجلاله رحمه الاخره باسرها بخلاف رحمه الدنيا.

و باعتبار نسبه بعض افراد كل من رحمه الدنيا و الاخره الي بعض عبر (برحمن الدنيا و الاخره و رحميمهما) لان بعضا من كل منهما اجل من البعض و بعضا من كل منهما ادق. و الله اعلم.

قال العلامه الخوئي مد ظله في البيان في تفسير القرآن:

الرحمن: ماخوذ من الرحمه و معناها معروف و هي ضد القسوه و الشده و هي من الصفات الفعليه، و ليست رقه القلب ماخوذه في مفهومها بل هي من لوازمها في البشر- فالرحمه- دون تجرد عن معناها الحقيقي من صفات الله الفعليه كالخلق و الرزق يوجدها حيث يشاء قال عز و جل (ربكم اعلم بكم ان يشاء يرحمكم او ان يشاء يعذبكم) (الاسري: 54). حسب ما تقتضيه حكمته البالغه.

و قد ورد في الايات طلب الرحمه من الله سبحانه (و قل رب اغفر و ارحم و انت خير الراحمين) (المومنون: 118).

و قال غير واحد من المفسرين و بعض اللغويين: ان صيغه (الرحمن) مبالغه في الرحمه و هو كذلك في خصوص هذه الكلمه، سواء اكانت هيئه (فعلان) مستعمله في المبالغه ام لم تكن فان كلمه (الرحمن) في جميع موارد استعمالها محذوفه المتعلق، فيستفاد منها العموم- و ان رحمته وسعت كل شي ء-.

و مما يدلنا علي ذلك انه لا يقال: ان الله بالناس او بالمومنين لرحمن، كما يقال: ان الله بالناس او بالمومنين لرحيم.

(و كلمه (الرحمن) بمنزله اللقب من الله سبحانه، فلا تطلق علي غيره تعالي و من اجل ذلك استعملت في كثير من الايات الكريمه من دون لحاظ مادتها قال سبحانه (قالوا ما انتم الا بشر مثلنا، و ما انزل الرحمن من شي ء) (يس: 15). (ان يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا و لا ينقذون)- (يس: 23). (هذا ما وعد الرحمن و صدق المرسلون) (يس: 52).- (ما تري في خلق الرحمن من تفاوت). (الملك: 3).

و مما يقرب اختصاص هذا اللفظ به قوله تعالي (رب السموات و الارض و ما بينهما فاعبده و اصطبر لعبادته هل تعلم له سميا) (مريم: 65). فان الملحوظ ان الله تعالي قد اعتني بكلمه (الرحمن) في هذه السوره حتي كررها فيها ست عشره مره.

و هذا يقرب ان المراد بالايه الكريمه انه ليس لله سمي بتلك الكلمه.

الرحيم: صفه مشبهه او صيغه مبالغه. و من خصايص هذه الصيغه انها تستعمل غالبا في الغرائز و اللوازم غير المنفكه عن الذات: كالعليم و القدير و الشريف و الوضيع و السخي و البخيل و العلي و الدني.

فالفارق بين الصفتين: ان (الرحيم) يدل علي لزوم الرحمه للذات و عدم انفكاكها عنها، و (الرحمن) يدل علي ثبوت الرحمه فقط.

و مما يدل علي ان الرحمه في كلمه (رحيم) غريزه و سجيه: ان هذه الكلمه لم ترد في القرآن عند ذكر متعلقها الا متعديه بالباء فقد قال تعالي (ان الله بالناس لرووف رحيم) (البقره: 143).- (و كان بالمومنين رحيما) (الاحزاب: 43).- فكانها عند ذكر متعلقها انسلخت عن التعديه الي اللزوم.

ثم انه قد ورد في بعض الروايات: ان (الرحمن) اسم خاص و معناه عام، و اما لفظ (الرحيم) فهو اسم عام، و معناه خاص و مختص بالاخره او بالمومنين.

الا انه لا مناص من تاويل هذه الروايات او طرحها لمخالفتها الكتاب العزيز، فانه قد استعمل فيه لفظ (الرحيم) من غير اختصاص بالمومنين او بالاخره ففي الكتاب العزيز (فمن تبعني فانه مني و من عصاني فانك غفور رحيم) (ابراهيم: 36).- (نبئي عبادي اني انا الغفور الرحيم) (الحجر: 49).- (ان الله بالناس لرووف رحيم) (البقره: 143). الي غير ذلك من الايات الكريمه، و في بعض الادعيه و الروايات: (رحمن الدنيا و الاخره و رحيمهما).

و يمكن ان يوجه هذا الاختصاص بان الرحمه الالهيه اذا لم تنته الي الرحمه في الاخره فكانها لم تكن رحمه، و ما جدوي رحمه تكون عاقبتها العذاب و الخسران؟ فان الرحمه الزائله تندك امام العذاب الدائم لا محاله. و بلحاظ ذلك صح ان يقال: الرحمه مختصه بالمومنين او بالاخره. (البيان ط 458 :2).

و قال مد ظله في ذيل عنوان (ذكر الرحيم بعد الرحمن) قد عرفت ان هيئه فعيل تدل علي ان المبداء فيها من الغرائز و السجايا غير المنفكه عن الذات و بذلك تظهر نكته تاخير كلمه (الرحيم) عن كلمه (الرحمن) فان هيئه (الرحمن) تدل علي عموم الرحمه وسعتها و لا دلاله لها علي انها لازمه للذات فاتت كلمه (الرحيم) بعدها للدلاله علي هذا المعني.

و قد اقتضت بلاغه القرآن ان تشير الي كلا الهدفين في هذه الايه المباركه، فالله رحمن قد وسعت رحمته كل شي ء و هو رحيم لا تنفك عنه الرحمه.

و قد خفي الامر علي جمله من المفسرين فتخيلوا ان كلمه (الرحمن) اوسع معني من كلمه (الرحيم) بتوهم ان زياده المباني تدل علي زياده المعاني. و هذا التعليل ينبغي ان يعد من المضحكات.

فان دلاله الالفاظ تتبع كيفيه وضعها، و لا صله لها بكثره الحروف و قلتها، و رب لفظ قليل الحروف كثير المعني، بخلافه لفظ آخر فكلمه (حذر) تدل علي المبالغه دون كلمه (حاذر) (قال في فروق اللغات (الحاذر و الحذر) قيل (الحاذر) الفاعل للحذر و (الحذر) المطبوع علي الحذر- مجمع البيان ج 7 ص 190 فهو ابلغ. و ان كثيرا ما يكون الفعل المجرد و المزيد فيه بمعني واحد (كضر) و (اضر).

هذا اذا فرضنا ان يكون استعمال كلمه (الرحمن) استعمالا اشتقاقيا، و اما بناء علي كونها من اسماء الله تعالي و بمنزله اللقب له نقلا عن معناها اللغوي فان في تعقيبها بكلمه (الرحيم) زياده علي ما ذكر اشاره الي سبب النقل و هو اتصافه تعالي بالرحمه الواسعه. (البيان: 266).

- امام الرحمه اي الامام الذي هو الرحمه كانه نفس الرحمه مبالغه و فيه اشاره الي قوله تعالي (و ما ارسلناك الا رحمه للعالمين) (الانبياء: 107). و تفصيل هذه الرحمه من وجوه:

احدها- انه الهادي الي سبيل الرشاد و القائد الي رضوان الله سبحانه و بسبب هدايته يكون وصول الخلق الي المقاصد العاليه و دخول جنات النعيم التي هي غايه الرحمه.

الثاني: ان التكاليف الوارده علي يديه سهل التكاليف و اخفها علي الخلق بالنسبه الي سائر التكاليف الوارده علي ايدي الانبياء السابقين لاممها، و ذلك عنايه من الله تعالي و رحمه اختص بها امته علي يديه.

الثالث- انه ثبت ان الله تعالي يعفو عن عصاه امته و يرحمهم بسبب شفاعته.

الرابع- انه سئل الله ان يرفع عن امته بعده عذاب الاستيصال فاجاب الله دعوته و رفع العذاب رحمه.

الخامس- ان الله وضع في شرعه الرخص تخفيفا و رحمه لامته.

السادس- انه صلي الله عليه و آله و سلم رحم كثيرا من اعدائه كاليهود و النصاري و المجوس برفع السيف عنهم و بذل الامان لهم و قبول الجزيه منهم و قال صلي الله عليه و آله و سلم من آذي ذميا فقد آذاني و لم يقبل احد من الانبياء الجزيه قبله.

السابع- ان الله تعالي اخر عذاب من كذبه الي الموت او القيمه كما قال تعالي (و ما كان الله ليعذبهم و انت فيهم) (الانفال: 33). و كل نبي من الانبياء قبله كان اذا كذب اهلك الله من كذبه، الي غير ذلك التي لا تكاد تحصي كثره.

فان قلت: كيف كان رحمه و قد جاء بالسيف و استباحه الاموال حتي قال في حديث انا نبي الملحمه اي القتال. قلت: انما جاء بالسيف لمن جحد و عاند و اراد خفض كلمه الله و لم يتفكر و لم يتدبر، الاتري؟ انه صلي الله عليه و آله و سلم كان لا يبداء احدا بقتال حتي يدعوه الي الله و ينذره من اسماء الله تعالي الرحمن الرحيم ثم هو المنتقم من العصاه فلا شك انه صلي الله عليه و آله و سلم كان رحمه لجميع الخلق: للمومنين بالهدايه و غيرها، و للمنافقين بالامان و للكافرين بتاخير العذاب فذاته صلي الله عليه و آله و سلم رحمه تعم المومن و الكافر.

- ختم الدعاء عليه السلام بهذا النداء توقعا لحصول المطلب و استعطافا بوصفه الدال علي انه الجواد المطلق الذي لا يرحم لمنفعه تعود اليه و لا لمضره يدفعها عنه.

و كل رحيم سواه فرحمته لغرض من الاغراض: اما ثناء دنيويا او ثوابا اخرويا او للرقه الناشئه من الجنسيه او نحو ذلك، علي ان تلك الرحمه ايضا تتوقف علي داعيه يخلقها الله تعالي فيه.

و الافات و الالام التي تراها في هذا العالم لا تنافي رحمته سبحانه لان كلها مستتبعه لمصالح و غايات لا يعلمها الا هو و انها ضروريه في الوجود لاشتمالها علي خيرات اكثر من الشرور.

ثم اطلاق الراحم عليه تعالي او علي غيره انما هو من باب الاشتراك اللفظي دون المعني اذ لا شركه بينه و بين غيره في المعني فان رحمته تعالي تناسب ذاته المقدسه او هي عباره عن احسانه و لطفه بعباده، و رحمه غيره رقه و انعطاف يقتضي الشفقه و اللطف بالخلق و هو سبحانه منزه عن هذا المعني.

و مما يناسب ايراده هنا: ما رواه اصحاب السير انه اوقف صبي في بعض الغزوات ينادي عليه بمن يريد في يوم صائف شديد الحر فبصرت به امرئه و هو ينادي عليه فعدت مسرعه اليه و اخذته و الصقته الي بطنها ثم القت ظهرها علي البطحاء (البطحاء: مسيل واسع فيه رمل و دقاق الحصي و الجمع بطاح و بطائح و بطحاوات). و اجلسته علي بطنها تقيه الحر و تقول ابني ابني فبكي الناس و تركوا ما هم فيه فاقبل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي وقف عليهم فاخبروه فقال اعجبتم من رحمه هذا ابنها؟ ان الله ارحم بكم جميعا من هذه بابنها فتفرق المسلمون و هم فرحون مستبشرون.

(اللهم انا نسئلك يا ارحم الراحمين برحمتك التي وسعت العالمين ان ترحمنا رحمه تغنينا بها عن رحمه من سواك و ان تجعلنا ممن وسعه رحمتك و رضاك انك اجود مسئول و اكرم مامول).

- استعطاف و ترقب للرحمه بقبول الدعاء اذ خوان مغفرته مبسوط للمذنبين و فيض رحمته معد للعالمين فلا تبلغ اعظم رحمه من غيره ادني رحمه منه كيف و هو الذي سبقت رحمته غضبه، و برحمته نال كل طالب طلبه.

- الارحام: جمع رحم و هي في الاصل: منبت الولد و وعائه في البطن ثم سميت القرابه من جهه الولاده رحما و منها ذو الرحم: خلاف الاجنبي.