بازگشت

ذكر


- ذكر الشي ء: حضوره في النفس و هو تاره يكون بالقلب و تاره باللسان- كما ياتي-.

- قوله عليه السلام (فاذكرهم...) خبر قوله (و اتباع الرسل...) في اول الدعاء، و اصل الذكر في اللغه: التنبيه علي الشي ء و من ذكرك شيئا فقد نبهك عليه، و اذا ذكرته فقد نبهت له، و معني الذكر: حضور المعني في النفس ثم يكون تاره بالقلب و تاره بالقول و ليس شرطه ان يكون بعد نسيان و لما كان الذكر بالمعني المذكور يستلزم تخصيص الشي ء بحضوره في النفس كان المراد بذكر الله تعالي العباد تخصيصهم بما يتعلق بالثواب من باب اطلاق اللازم علي المزوم.

- الذكر يشمل الثناء و الدعاء و الصلوه و قرائه القرآن و الحديث و ذكر الحلال و الحرام و اخبار الانبياء و الاوصياء و الصالحين و هو اعم من ان يكون باللسان او بالجنان او بالاركان:

اما الذكر باللسان فهو ان يحمده و يسبحه و يمجده و يقرء كتابه و نحو ذلك.

و اما بالجنان فهو ان يتفكر في الدلائل علي ذاته و صفاته و في الاجوبه عن شبه الطاعنين فيها و في الدلائل علي كيفيه تكاليفه و احكامه و اوامره و نواهيه و وعده و وعيده ليعمل بمقتضاها ثم يتفكر في اسرار المخلوقات متوصلا من كل ذره الي موجدها.

و اما بالاركان فهو ان تكون مستغرقه في الاعمال المامور بها فارغه عن الاشتغال بالمنهي عنها و بهذا الوجه سمي الصلوه ذكرا في قوله تعالي (فاسعوا الي ذكر الله) (الجمعه: 9). و قال بعضهم: الذكر ثلثه:

ذكر باللسان.

و ذكر بالقلب و هذا نوعان:

احدهما- الفكر في عظمه الله تعالي و جلاله و ملكوته و آيات ارضه و سمائه.

و الثاني- ذكره عند امره و نهيه فيمتثل الامر و يجتنب النهي و يقف عند ما يشكل.

و ارفع الثلاثه: الفكر لدلاله الاحاديث الوارده علي فضل ذكر الخفي و اضعفها: الذكر باللسان و لكن له فضل كثير علي ما جاء في الاثار. و لما كان كل ذكر بالثناء و نحوه علي غير الله سبحانه شرفا للمذكور اشار عليه السلام الي ان ذكره تعالي شرف للذاكرين و فائدته عائده اليه لاستغنائه جل و عز عمن سواه و لعل فيه تلميحا الي قوله تعالي (فاذكروني اذكركم) (البقره: 152). فان ذكر السيد للعبد شرف له و اعلاء لمنزلته.

- مضي ما يتعلق بالذكر آنفا و نورد ايضا ما يتعلق به لتتميم الفائده و تكثير العائده:

اعلم ان للذكر درجات:

الاولي- ان يكون باللسان مع غفله القلب و هذا اضعفها، و ان كان مندوبا اليه ايضا.

قال بعض ارباب القلوب: ذكر اللسان مع خلو القلب عنه لا يخلو من فائده لانه يمنعه من التكلم باللغو، و يجعل لسانه معتادا بالخير، و قد يلقي الشيطان اليه ان حركه اللسان بدون توجه القلب عيب ينبغي تركه (كما يلقي الشيطان لبعض ابناء الزمان ان قرائه القرآن من دون فهم معناه لا فائده فيها، مع ان لها فوائد كثيره ليس هنا موضع ذكرها. فاللائق بحال الذاكر ان يحضر قلبه حينئذ رغما للشيطان و ان لم يحضره فاللائق به ان لا يترك الذكر باللسان رغما لانفه و ان يجيبه بان اللسان آله للذكر كالقلب و لا يترك بترك الاخر فان لكل عضو عباده.

الثانيه- الذكر بالقلب مع عدم استقراره فيه و لا يتوجه اليه الا بالتكلف و الاجتهاد.

الثالثه- ان يكون بالقلب و يستقر فيه بحيث لا يتوجه القلب الي غيره الا بالتكلف.

و الرابعه- ان يكون بالقلب مع استقراره فيه و استيلائه عليه بحيث لا يشغل عنه اصلا و هذه مرتبه المحبه، و الذاكر في هذه المرتبه قد يبلغ مقام الفناء في الله بحيث يغفل عن نفسه و عن غيرها حتي عن الذكر فلا يجد في نفسه الا المذكور. (قال السعدي الشيرازي):

رسد آدمي بجائي كه بجز خدا نه بيند

بنگر كه تا چه حد است امكان آدميت

قال بعض العارفين: اعلم ان الذكر القلبي من اعظم علامات المحبه لان من احب احدا ذكره دائما او غالبا و ان اصل الذكر عند الطاعه و المعصيه سبب لفعل الطاعه و ترك المعصيه و هما سببان لزياده الذكر و رسوخه و هكذا يتبادران (يتبادلان خ ل) الي ان يستولي المذكور و هو الله سبحانه علي القلب و يتجلي فيه فالذاكر حينئذ يحبه حبا شديدا و يغفل عن جميع ما سواه حتي نفسه اذا لحب المفرط يمنع عن مشاهده غير المحبوب.

و هذا المقام يسمي مقام الفناء في الله و الواصل الي هذا المقام لا يري في الوجود الا هو و هذا معني وحده الوجود لا بمعني انه تعالي متحد مع الكل لانه محال و زندقه بل بمعني ان الموجود في نظر الفاني هو لا غيره لانه تجاوز عن عالم الكثره و جعله وراء ظهره و غفل عنه.

اذا عرفت ظهر لك سر قوله عليه السلام: (و اشغل قلوبنا بذكرك عن كل ذكر) فانه طلب لاكمل افراده و ارفع مراتبه التي هي مرتبه المحبه و مقام الفناء.