بازگشت

خوف


- الخوف: تالم النفس من العقاب المتوقع. و لما كان صدق الخوف و الرجاء لا يتحقق الا اذا كان مقرونا بالعمل اضاف الخوف الي العابدين.

- الخوف: توقع مكروه عن اماره مظنونه او معلومه كما ان الطمع: توقع محبوب عن اماره مظنونه او معلومه و اذا علق كل منهما بالذوات كما تقول خفت زيدا و طمعت فيه فمعناه توقع مكروه او محبوب يقع من جهته و الا فالذوات لا يتعلق بها خوف و لا طمع.

قال بعض العلماء: ان خوف الخائفين من الله قد يكون لامور مكروهه لذاتها، و قد يكون لامور مكروهه لادائها الي ما هو مكروه لذاته:

اما القسم الاول فمثل ان يتمثل في نفوسهم ما هو المكروه لذاته كسكرات الموت و شدته او سئوال القبر او عذابه او هول الموقف بين يدي الله تعالي و الحياء من كشف الستر و السئوال عن كل صغيره و كبيره او الخوف من المرور علي الصراط وحدته او من النار و اهوالها و اغلالها، او من حرمان الجنه او من نقصان الدرجات فيها او خوف الحجاب من الله تعالي و كل هذه الاسباب مكروهه في انفسها.

و يختلف حال السالكين الي الله فيها، و اعلاها رتبه خوف الفراق و الحجاب عن الله تعالي و هو خوف العارفين، و ما قبل ذلك فهو خوف العابدين و الصلحاء و الزاهدين.

و اما القسم الثاني فاقسامه كثيره كخوف الموت قبل التوبه او خوف نقض التوبه او خوف الانحراف عن القصد في عباده الله، او خوف استيلاء القوي الشهوانيه بحسب مجري العاده في استعمال الشهوات المالوفه او خوف تبعات النفس عنده، او خوف سوء الخاتمه او خوف سبق الشقاوه في علم الله و كل هذه و نحوها مخاوف عباد الله الصالحين، و اغلبها علي قلوب المتقين خوف الخاتمه فان الامر فيه خطير.

و اعلي الاقسام و اكملها و ادلها علي كمال المعرفه خوف السابقه لكون الخاتمه تبعا لها و مظهره لما سبق في اللوح المحفوظ.

(الخوف و الرجاء كلاهما علي اقسام).

و كما ان الخوف علي اقسام فالرجاء ايضا علي اقسام:

1- رجاء لمغفرته تعالي علي عدم التوبه كما قال سبحانه:

(و ان ربك لذو مغفره للناس علي ظلمهم) (الرعد: 6).

2- و رجاء لقبول التوبه عن السيات.

3- و رجاء لقبول الحسنات.

4- و رجاء للتفضل.

و لما كان حمل النفس علي الخوف دون الرجاء يوهم القنوط كما قيل: من حمل نفسه علي الرجاء تعطل و من حمل نفسه علي الخوف قنط، احترز عليه السلام عن ذلك بقوله: لا ان يكون ياسه قنوطا اي لا لان يكون فحذف لام التعليل لا طراد حذف الجار مع ان المصدريه، اي ليس كون خوفه اكثر من طمعه و ياسه اوكد من رجائه لكون ياسه قنوطا اي ياسا من رحمه الله تعالي فهو اخص من الياس. و لما كان اكثريه الخوف و زيادته علي الطمع واو كديه الياس و رجحانه علي الرجاء يوهم كون الطمع و الرجاء في رحمه الله غرورا اي سكونا الي الباطل و ما لا حقيقه له احترز بقوله عليه السلام او يكون طمعه اغترارا اي ليس كون خوفه اكثر من طمعه و ياسه اوكد من رجائه لكون طمعه طمعا في مالا حقيقه له فيكون اغترارا بل لقله حسناته اي بل هو لاجل قله حسناته.

(تنبيه)

قال بعض الاصحاب: اعترافه عليه السلام بكون خوفه اكثر من طمعه و ياسه اوكد من رجائه ينافي بالظاهر ما رواه في الكافي من جمله حديث انه ليس من عبد مومن الا و في قلبه نوران: نور خيفه و نور رجاء لو وزن هذا لم يزد علي هذا و لو وزن هذا لم يزد علي هذا.

فاما ان يراد به غير المعصوم و ان المقام هنا و هو التذلل و الخضوع يقتضي ذلك. او ان مساوات النورين لا يستلزم مساواه الخوف و الرجاء، و لما ذكره عليه السلام من قله الحسنات بين السيات، او ان الخوف يزيد بمخاطبه المخوف منه و مشاهدته انتهي.

قد علمت آنفا من بيان اقسام الخوف ان اعلاها رتبه خوف الفراق و الحجاب عن الله تعالي و هو خوف العارفين لما كان عليه السلام سيد العارفين و امام الزاهدين وجب حمل خوفه علي هذا القسم من الخوف و هذا غير الخوف الذي يجب ان يكون مساويا للرجاء فان العارف ما دام في هذه النشاه لا يزال متلبسا باحكام البشريه و اوصاف الانسانيه مع ما مزجت به الطينه من النقص و القصور و حفت به الاحوال من الشوائب و النوائب فاذا راي ما هو عليه من ذلك و استشعر عظمه ذي الجلال و تنزهه و تقدسه عن ان يلم بساحه قدسه من يشم رائحه البشريه كما قيل: ما للتراب و رب الارباب.

اشتد خوفه و كثر و قل طمعه و قصر و تاكد ياسه، و ضعف رجائه و تقطعت من الحزن و الجزع احشائه.