بازگشت

حبط


- حبط العمل من باب تعب حبوطا: بطل و فسد، و احبطه الله احباطا: ابطله فلم يوجره عليه. قوله عليه السلام (عما يحبط الحسنات) اي عن الذنب الذي يبطل الحسنات و يفسد بسببه.

فان قلت: هذا يدل علي ان الذنب يحبط العمل، و المعروف من مذهب الاماميه: القول ببطلان الاحباط و هو اسقاط ما تقدم من ثواب المكلف بمعصيته المتاخره.

و استدلوا عليه باستلزامه الظلم لان من اطاع و اساء و كانت اسائته اكثر يكون بمنزله من لم يحسن و بقوله تعالي (فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره) (الزلزال: 7). و الايفاء بوعده واجب فكيف سئل عليه السلام الاقلاع عما يحبط الحسنات؟

قلت: اما الكفر الطاري علي الطاعات فمحبط بالاجماع و لا خلاف في ذلك بين الاماميه.

و اما احباط السيات للحسنات فالذي اكثر الاماميه القول ببطلانه، و تاولوا ما ورد من الايات الداله علي الاحباط كقوله تعالي: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذي) (البقره: 264). و قوله تعالي: (و لا تجهر و اله بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم و انتم لا تشعرون) (الحجرات: 2) و قوله عز و جل (اولئك حبطت اعمالهم) (التوبه: 69). الي غير ذلك بانه من باب المجاز علي ان المعني ان فعل هذه الاشياء لا علي الوجه الذي ينتهض سببا للثواب فاذا فعلت علي هذا الوجه الموجب للذم و العقاب كان مفوتا للثواب فاطلق الاحباط علي هذا التفويت مجازا.

اذا عرفت ذلك فعباره الدعاء وارده علي هذا الاسلوب من الايات فمعني الاقلاع عما يحبط الحسنات: الاقلاع عما يفوت ثواب الحسنات و هو فعلها علي الوجه الذي لا ينتهض سببا للثواب فكانه يحبطها و يبطل ثوابها.

قال الراغب: حبط العمل علي اضرب:

احدها- ان تكون الاعمال دنيويه فلا تغني غناء كما اشار اليه بقوله (و قدمنا الي ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا). (الفرقان: 23).

و الثاني- ان تكون اعمالا اخرويه لكن لم يقصد بها صاحبها وجه الله تعالي كما روي انه يوتي يوم القيمه برجل فيقال له بم كان اشتغالك؟

قال بقرائه القرآن فيقال له قد كنت تقرء ليقال هو قاري، و قد قيل ذلك فيومر به الي النار.

و الثالث- ان تكون اعمالا صالحه و لكن بازائها سيات توفي عليها و ذلك هو المشار اليه بخفه الميزان.

- قد سمعت ما نقلناه في الاحباط فينبغي ان تسمع ايضا ما قيل فيه في شرح هذه الجمله:

المراد بالمعصيه التي تحبط بشوبها الحسنات: ما يفوت ثوابها كالصدقه المشوبه بالرياء و المن و الاذي كما قال (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذي كالذي ينفق ماله رئاء الناس) (البقره: 264). فلا ينافيه قوله تعالي (و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا عسي الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم) (التوبه: 102).

فان المراد بهذا الخلط انهم تعاطوا هذا مره و ذاك مره و لم يشب العمل الصالح ما يفوت ثوابه حتي يحبطه و قد علمت: ان معني احباط الحسنه عندنا فعلها علي الوجه الذي لا ينتهض سببا للثواب لا اسقاط ما تقدم من ثوابها بالمعصيه المتاخره، و لعل هذا هو السر في التعبير بالواو دون الباء في الايه الشريفه فان قولك خلطت الماء باللبن يقتضي ايراد الماء علي اللبن دون العكس و قولك خلطت الماء و اللبن معناه: ايقاع الخلط بينهما من غير اختصاص احدهما بكونه مخلوطا و الاخر بكونه مخلوطا به.

قال العلامه الطبرسي: و في هذه الايه دلاله علي بطلان القول بالاحباط لانه لوصح الاحباط لكان احد العملين اذا طرء علي الاخر احبطه و ابطله فلم يجتمعا فلا يكون لقوله: (خلطوا) معني، قال و قد يستعمل لفظ الخلط في الجمع من غير امتزاج يقال خلطت الدراهم و الدنانير انتهي.

قلت: و من هنا يظهر ايثار التعبير بالشوب دون الخلط في عباره الدعاء اذ لابد في الشوب من الامتزاج و هو الذي يكون سببا للاحباط بمعني تفويته للثواب فالمراد بالشوب في الدعاء غير الخلط في الايه فلا منافاه بينهما.