بازگشت

الباب الثالث


الفصل الأول

الإمام زين العابدين (عليه السلام) من كربلاء الي المدينة





الإمام زين العابدين(عليه السلام) بعد ملحمة عاشوراء :



ذكر المؤرّخون عن شاهد عيان أنّه قال: قدمت الكوفة في المحرّم من سنة احدي وستّين، منصرف عليّ بن الحسين(عليه السلام) بالنسوة من كربلاء ومعه الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر اليهم، فلمّا اُقبل بهم علي الجمال بغير وطاء جعل نساء الكوفة يبكين، ويلتدِمنَ[1]، فسمعت عليّ بن الحسين وهو يقول بصوت ضئيل وقد نهكته العلّة وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة إلي عنقه: «إنّ هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا؟!»[2].



وعندما أدخلوا الإمام السجاد(عليه السلام) علي ابن زياد سأله من أنت؟ فقال: «أنا عليّ بن الحسين»، فقال له: أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين؟ فقال عليّ(عليه السلام): «قد كان لي أخ يسمّي عليّاً قتله الناس، فقال ابن زياد: بل الله قتله، فقال عليّ بن الحسين(عليه السلام): (الله يتوفّي الأنفس حين موتها)، فغضب ابن زياد وقال: وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للردّ عليّ؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه[3].



فتعلّقت به عمّته زينب وقالت: ياابن زياد، حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: لا والله لا اُفارقه فإن قتلته فاقتلني معه، فقال لها عليّ(عليه السلام): اسكتي يا عمّة حتي اُكلّمه، ثمّ أقبل عليه فقال: أبالقتل تهدّدني ياابن زياد؟ أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟ ثمّ أمر ابن زياد بعلي بن الحسين(عليه السلام) وأهل بيته فحملوا إلي دار بجنب المسجد الأعظم، ولمّا أصبح ابن زياد أمر برأس الحسين(عليه السلام) فطيف به في سكك الكوفة كلّها وقبائلها، ولمّا فرغ القوم من الطواف به في الكوفة ردّوه إلي باب القصر[4].



ثمّ إنّ ابن زياد نصب الرؤوس كلّها بالكوفة علي الخشب، كما أنّه كان قد نصب رأس مسلم بن عقيل من قبل بالكوفة.



وكتب ابن زياد إلي يزيد يخبره بقتل الحسين(عليه السلام) وخبر أهل بيته[5]. كما بعث إلي عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة ـ وهو من بني اُمية ـ يخبره بقتل الحسين(عليه السلام).



ولمّا وصل كتاب ابن زياد إلي الشام أمره يزيد بحمل رأس الحسين(عليه السلام) ورؤوس من قتل معه إليه، فأمر ابن زياد بنساء الحسين(عليه السلام) وصبيانه فجُهِّزوا، وأمر بعليّ بن الحسين(عليهما السلام) فغُلّ بغِلٍّ إلي عنقه، ثمّ سرّح بهم في أثر الرؤوس مع مجفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن، وحملهم علي الأقتاب، وساروا بهم كما يسار بسبايا الكفار، فانطلقوا بهم حتي لحقوا بالقوم الذين معهم الرؤوس، فلم يكلّم عليّ بن الحسين(عليه السلام) أحداً منهم في الطريق بكلمة حتي بلغوا الشام[6].

سبايا آل البيت(عليهم السلام) في دمشق :



خضعت الشام منذ فتحها بأيدي المسلمين لحكّام مثل خالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان، فلم يشاهد الشاميّون النبيّ(صلي الله عليه وآله) ولم يسمعوا حديثه الشريف منه مباشرةً، ولم يطّلعوا علي سيرة أصحابه عن كثب ، أمّا النفر القليل من صحابة رسول الله(صلي الله عليه وآله) الذين انتقلوا إلي الشام وأقاموا فيها فلم يكن لهم أثر في الناس، فكانت النتيجة أنّ أهل الشام اعتبروا سلوك معاوية بن أبي سفيان وأصحابه سنّة للمسلمين، ولمّا كانت الشام خاضعة للإمبراطورية الرومية قروناً طويلة، فقد كانت حكومات العصر الإسلاميّ أفضل من سابقاتها بالنسبة للشاميّين.



ومن هنا ليس أمراً عجيباً أن نقرأ في كتب التأريخ أنّ شيخاً شامياً دنا من الإمام السجاد(عليه السلام) عند دخول سبايا آل محمّد(صلي الله عليه وآله) الشام وقال له: الحمد الله الذي أهلككم وأمكن الأمير منكم.



فقال له الإمام(عليه السلام): يا شيخ أقرأت القرآن ؟



فقال الشيخ: بلي.



فقال له الإمام(عليه السلام): أقرأت (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي)؟



فقال الشيخ : بلي.



فقال له الإمام(عليه السلام): فنحن القربي، يا شيخ!



ثمّ قال له: فهل قرأت (وآتِ ذا القربي حقّه)؟



قال: قد قرأت ذلك.



قال(عليه السلام): فنحن القربي يا شيخ، فهل قرأت هذه الآية: (واعلموا أنّما غنمتم من شيء فإنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربي)؟



قال: نعم.



قال الإمام(عليه السلام): نحن القربي.



يا شيخ! هل قرأت (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)؟



قال الشيخ: بلي.



قال له الإمام(عليه السلام): نحن أهل البيت الذين اختصّنا الله بآية الطهارة.



قال الشيخ: بالله إنّكم هم؟!



قال الإمام(عليه السلام): تالله إنّا لنحن هم من غير شكٍّ وحقِّ جدِّنا رسول الله(صلي الله عليه وآله) إنّا لنحن هم.



فبكي الشيخ ورمي عمامته، ثمّ رفع رأسه إلي السماء وقال: اللهمّ إنّي أبرأ اليك من عدوّ آل محمّد[7].



وذكر المؤرّخون أنّه لمّا قدم عليّ بن الحسين(عليه السلام) وقد قُتل الحسين بن عليّ(عليه السلام) استقبله ابراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقال: يا عليّ بن الحسين، من غلب؟ وهو مغطٍّ رأسه وهو في المحمل، فقال له عليّ بن الحسين: إذا أردت أن تعلم من غلب ودخل وقت الصلاة فأذّن ثمّ أقم[8].



لقد كان جواب عليّ بن الحسين(عليه السلام) أنّ الصراع إنّما هو علي الأذان وتكبير الله تعالي والإقرار بوحدانيّته وليس علي رئاسة بني هاشم، وأنّ استشهاد الحسين والصفوة من أهل بيته وأصحابه هو سبب بقاء الإسلام المحمّدي وثباته أمام جاهلية بني اُميّة ومن حذا حذوهم ممّن لم يذوقوا حلاوة الإيمان والإسلام.

پاورقي





[1] التدمت المرأة: ضربت صدرها في النياحة، وقيل : ضربت وجهها في المآتم.



[2] الأمالي للطوسي: 91.



[3] الإرشاد للمفيد: 244، ووقعة الطف : 262، 263 .



[4] مقتل الخوارزمي : 2/43 مرسلاً، واللهوف علي قتلي الطفوف : 145.



[5] الكامل في التاريخ للجزري : 4/83، وإنّ أوّل رأس حمل في الإسلام هو رأس عمر بن الحِمق الخزاعي الي معاوية.



[6] عن طبقات ابن سعد في ذيل تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام) : 131، وأنساب الأشراف: 214، والطبري : 5/460 و 463 ، والإرشاد : 2/119 واللفظ للأخير.



[7] مقتل الخوارزمي 2: 61 ، واللهوف علي قتلي الطفوف : 100، ومقتل المقرم : 449 عن تفسير ابن كثير والآلوسي.



[8] أمالي الطوسي: 677.