بازگشت

الفصل الثالث


الإمام زين العابدين (عليه السلام) من الولادة الي الإمامة







وتتضمّن استعراض عصر الإمام(عليه السلام) وحياته قبل كربلاء، أي من الولادة حتي استشهاد أبيه(عليه السلام) من سنة (38 أو 36 هـ ) إلي سنة (61 هـ ) .



لقد عاصر الإمام زين العابدين(عليه السلام) في مرحلتي الطفولة والفتوّة حكم معاوية بن أبي سفيان الذي تميّز بالاضطراب أولاً، ثمّ تلاه القمع في العراق، والتأزّم في الحجاز، وإقصاء السُنّة وظهور البدعة.



ولقد استشهد الإمام أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) في الكوفة في شهر رمضان من سنة أربعين للهجرة، فيما كان يعبّئ الناس لحرب جديدة مع معاوية، وإثر استشهاده(عليه السلام) بايع أهل العراق ولده الإمام الحسن المجتبي(عليه السلام) خليفة عليهم، إلاّ أنّ قلوب أغلب المبايعين لم تكن تصدّق ألسنتهم، فلا ينتظر من المتظاهرين بالتشيّع في الكوفة وفي جيش الإمام عليٍّ(عليه السلام) ـ الذين آذوه إلي الدرجة التي تمنّي فيها غير مرّة الموت ـ أن يكون سلوكهم مع ولده الحسن(عليه السلام) أفضل ممّا كان معه.



وكانت الكوفة في السنوات الأخيرة من عمر الإمام عليّ(عليه السلام) تضمّ مختلف الاتجاهات والجماعات، فكان هنالك اللاهثون وراء السلطة، الطامعون في أن يوليهم الخليفة الجديد منصباً ما والمسلمون الجدد الذين دفعتهم الآمال الكبيرة إلي الإعراض عن مدنهم والتوجّه إلي عاصمة الخلافة علي أمل الحصول علي عمل يحقّق رغباتهم، والانتهازيون من الموالي الذين تحالفوا مع هذه القبيلة العربية أو تلك لتغطّي علي تآمرهم إذ لا يجرؤون علي التحرّك دون غطاء عروبي.



لقد تقوّم المجتمع الكوفي وقتذاك بهذه الجماعات التي وجّهت قدرتها لإيجاد العراقيل والعقبات أمام حركة الإمام الحسن السبط(عليه السلام) عندما اشترط قيس بن سعد بن عبادة بيعته للإمام الحسن(عليه السلام) بمحاربة أهل الشام، لكنّ الإمام اضطرّ إلي الصلح مع معاوية بعد أن كشفت أكثر قوات الإمام ما كانت تضمر من أهداف تآمرية علي شخص الإمام، والمخلصين من أصحابه بإنضواء بعضهم تحت لواء معاوية، وبثّهم الإشاعات التي أسفرت عن التخاذل المقيت، حتي كتب من كتب منهم إلي معاوية بتسليمهم إمامهم وقائدهم إلي معاوية.



لقد امتازت الفترة الواقعة بين سنة (41 هـ ) وسنة (60 هـ ) بتشديد القهر والقمع علي أتباع أهل البيت(عليهم السلام) في العراق، ويتبيّن من خلال تعامل معاوية مع زعماء هذه المنطقة ـ الذين كانوا يلتقونه بين الحين والآخر ـ الدرجة التي بلغها سخطه علي أهل العراق. وقد انكفأ السياسيون العراقيون ـ الذين خدعوا في حرب صفّين وسلّطوا أهل الشام علي مقدراتهم ـ في بيوتهم إبّان حكم معاوية، لكنّهم كانوا ينتظرون أن تسنح لهم فرصة جديدة للتحرك.



ومن جهة اُخري لحق بالمسلمين المخلصين ـ الذين نشأوا علي التربية الإسلامية النقية وارتفعوا عن المنظار القومي والقبلي أو نظروا من خلاله بالشكل الذي لم يضرّ بدينهم ـ أذيً أكبر ممّا لحق بالطائفة الاُولي، إذ كانوا يرون في عهد معاوية ـ الذي امتدّ نحو عشرين عاماً ـ اندراس سنّة النبيّ(صلي الله عليه وآله).



لقد ظهرت البدعة وساد النظام الملكي عوضاً عن الخلافة، واستلم مقاليد اُمور المسلمين أفراد اُسرة قامت بكلّ ما بوسعها من أجل القضاء علي الإسلام والمسلمين، حتي أنّ ولداً غير شرعيّ من آل ثقيف يصبح ـ وبشهادة بائع خمر ـ أخاً لمعاوية[1].



وخلافاً لصريح القرآن الكريم لقد بثّ معاوية الجواسيس بين الناس ليحصوا عليهم أنفاسهم، ونسخ الوفاء بالعهد والإيمان، فقتلوا حجر بن عديٍّ بعد كلّ الضمانات التي أعطوها له، وبمؤامرة نسج خيوطها معاوية دسّت جعدة بنت الأشعث بن قيس السمّ لزوجها الإمام الحسن المجتبي سبط رسول الله(صلي الله عليه وآله).



إلي عشرات الممارسات الاُخري المخالفة لصريح القرآن وسنّة النبيّ(صلي الله عليه وآله) التي كان يتّسم بها ذلك العهد.



فكانت النتيجة أنّه لم يبقَ أيّ مظهر اسلاميٍّ للحكومة الإسلامية في الشام والعراق اللّذين كانا يمثّلان أخطر مركزين في الدولة آنذاك، كما اقتصر فقه المسلمين علي الصلاة والصوم والحجّ والزكاة وما يسمّي بالجهاد، وكان المتديّنون المخلصون يتألّمون بشدّة لتفشّي البدع، فكانوا يتربّصون الفرص التي تتيح لهم إقصاء ما ابتدعه معاوية في عصره باسم الإسلام.

الوضع السياسي في العراق عند موت معاوية :



وعندما مات معاوية اعتبر الفريقان المتنفّذان في العراق أنّ الفرصة باتت مؤاتية :



أ ـ فريق أهل الدين الذين عاشوا آلام المسلمين وأحزنهم غياب سُنة النبيّ(صلي الله عليه وآله)، وكانوا يستهدفون القضاء علي النظام الملكي وإعادة الحكومة الإسلامية كما كانت في عصر الخلفاء السابقين علي الأقل.



ب ـ السياسيون المحترفون اللاهثون وراء السلطة الذين كانوا يرومون وضع حدّ لتحكّم الشام بالعراق.



وفي الأيام التي كان العراق فيها يغصّ بالأحداث الخطيرة كان للأجواء في الشام طابع آخر.



كان يزيد في قرية حوارين[2] عندما هلك والده معاوية، فعاد بمساعي والي الشام «الضحّاك بن قيس» إلي دمشق ليعلن نفسه خليفة للمسلمين، وأسرع إلي محاولة تبديد مخاوفه من الأشخاص الذين سيعارضونه، فكتب في الأيام الاُولي من خلافته رسالة إلي حاكم المدينة طلب منه فيها أن يأخذ البيعة له من الحسين بن عليّ(عليه السلام) وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، وكان واضحاً من البداية أنّ الحسين(عليه السلام) لن يبايع يزيد، واعتبر ابن الزبير نفسه خليفة، إلاّ أنّ الناس تجاهلوه، ولم يكن لابن عمر أيّ دور في الأوضاع، فلن تحقّق بيعته أو عدمها أيّ ضرر بخلافة يزيد، من هنا فإنّ يزيد لا يخشي إلاّ الحسين بن عليّ(عليه السلام) ويتعجّل أن يتبيّن موقفه.



وفي تلك الفترة كان من الطبيعي أن يختار العراق ـ الذي كان يتحيّن الفرص ـ ابن بنت النبيّ(صلي الله عليه وآله) قائداً له ليحقّق أهداف المؤمنين المخلصين والسياسيين المحترفين في آن واحد، باعتباره الشخص الوحيد الذي يمكنه إحياء سنّة النبيّ(صلي الله عليه وآله) والقضاء علي البدع، وأنّه الوحيد القادر علي استقطاب قلوب الناس بشرافة نسبه وجلالة قدره وكرامة نفسه وتقواه، وهو الأشدّ رفضاً للظلم، ولهذا السبب رفض مبايعة يزيد.



ومن هنا تشكّلت المجالس وانعقدت الجماعات في الكوفة فكانت النتيجة أن وُجّهت الدعوة إلي الحسين بن عليّ ابن بنت النبيّ(صلي الله عليه وآله) في الحجاز لينتقل إلي العراق، وتضمّنت الدعوة المؤكدة بأنّ أهل الكوفة علي اُهبة الاستعداد لقتال الأمويّين الذين غصبوا الحكم تحت راية الحسين(عليه السلام).



وقد بعث الحسين(عليه السلام) ابن عمّه مسلم بن عقيل إلي الكوفة ومعه إجابات الإمام الحسين(عليه السلام) علي رسائل الكوفيين. وقد التف الكوفيّون حول ابن عقيل ورحّبوا به وأكّدوا له مرّةً اُخري استعدادهم لخوض الحرب ضدّ طُغاة الشام تحت قيادة الحسين، فأرسل إلي الحسين(عليه السلام) رسالة أوضح فيها أنّ في الكوفة مئة ألف رجل يتعهّدون بمناصرة الإمام مشدّداً علي ضرورة إسراع الإمام في التحرّك إلي العراق.



والمدهش أنّ رسائل بعثت في تلك الأيام من الكوفة إلي الشام تؤكّد ليزيد أنّه إذا أراد الكوفة فإنّ عليه أن يبعث عليها حاكماً مقتدراً، لأنّ حاكمها النعمان بن بشير أظهر ضعفاً في تعاطيه مع الأحداث.



وقد تباحث يزيد في هذا الأمر مع مستشاره الرومي السيرجون، الذي أشار عليه بتعيين عبيد الله بن زياد حاكماً علي الكوفة، وبوصول ابن زياد الي الكوفة تخلّي أهلها عن مسلم، وأتاحوا لابن زياد قتله مع مضيّفه هانئ بن عروة، ومن جهة اُخري كان الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) وعدد من أنصاره في الطريق إلي العراق، والإمام زين العابدين (عليه السلام) يرافق والده في كل هذه الظروف العصيبة حتي وصلوا العراق[3].

پاورقي





[1] راجع: ترجمة سُمّية أم زياد في هامش وقعة الطف : 211 و 212.



[2] قرية تقع بين تدمر ودمشق.



[3] اقرأ أخبار هذه الأحداث مسندة موثقة في : وقعة الطف لأبي مخنف: 70 ـ 141، تحقيق محمد هادي اليوسفي الغروي.