بازگشت

الباب الثاني


الفصل الأول

نشأة الإمام زين العابدين(عليه السلام)







لقد توفّرت للإمام زين العابدين(عليه السلام) جميع المكوّنات التربوية الرفيعة التي لم يظفر بها أحد سواه، وقد عملت علي تكوينه وبناء شخصيّته بصورة متميّزة، جعلته في الرعيل الأول من أئمّة المسلمين الذين منحهم الرسول(صلي الله عليه وآله) ثقته، وجعلهم قادة لاُمّته واُمناء علي أداء رسالته.



نشأ الامام في أرفع بيت وأسماه ألا وهو بيت النبوّة والإمامة الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه[1]، ومنذ الأيام الاُولي من حياته كان جده الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) يتعاهده بالرعاية ويشعّ عليه من أنوار روحه التي طبّق شذاها العالم بأسره، فكان الحفيد ـ بحقٍّ ـ صورة صادقة عن جدّه، يحاكيه ويضاهيه في شخصيّته ومكوّناته النفسية.



كما عاش الإمام(عليه السلام) في كنف عمّه الزكي الإمام الحسن المجتبي(عليه السلام) سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله(صلي الله عليه وآله) وسبطه الأول، إذ كان يغدق عليه من عطفه وحنانه، ويغرس في نفسه مُثُلَه العظيمة وخصاله السامية، وكان الإمام(عليه السلام) طوال هذه السنين تحت ظلّ والده العظيم أبي الأحرار وسيّد الشهداء الإمام الحسين بن عليّ(عليهما السلام) الذي رأي في ولده علي زين العابدين(عليه السلام) امتداداً ذاتيّاً ومشرقاً لروحانيّة النبوّة ومُثُل الإمامة، فأولاه المزيد من رعايته وعنايته، وقدّمه علي بقية أبنائه، وصاحَبَه في أكثر أوقاته.



لقد ولد الإمام زين العابدين(عليه السلام) في المدينة في اليوم الخامس من شعبان سنة (36 هـ )[2] يوم فتح البصرة، حيث إنّ الإمام علي(عليه السلام) لم ينتقل بعد بعاصمته من المدينة الي الكوفة. وتوفّي بالمدينة سنة (94 أو 95 هـ ).



وهناك من المؤرخين ذكر أنّه ولد في سنة (38 هـ ) وفي مدينة الكوفة حيث كان جدّه الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) قد اتّخذها عاصمة لدولته بعد حرب الجمل، فمن الطبيعي أن يكون الحسين السبط(عليه السلام) مع أهله عن أبيه(عليه السلام) في هذه الفترة بشكل خاص[3]

اُمّـهُ :



اسمها «شهربانو» أو «شهر بانويه» أو «شاه زنان» بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس[4]، وذكر البعض أنّ اُمه قد أجابت نداء ربّها أيّام نفاسها فلم تلد سواه[5].

كُـناه :



أبو الحسن، أبو محمّد، أبو الحسين، أبو عبد الله[6].

ألقابـه:



«زين العابدين» و «ذو الثفنات» و «سيّد العابدين» و «قدوة الزاهدين» و «سيّد المتّقين» و «إمام المؤمنين» و «الأمين» و «السجّاد» و «الزكي» و «زين الصالحين» و «منار القانتين» و «العدل» و «إمام الاُمّة» و «البكّاء»، وقد اشتهر بلقبي «السجاد» و «زين العابدين» أكثر من غيرهما.



إنّ هذه الألقاب قد منحها الناس للإمام عندما وجدوه التجسيد الحيّ لها، والمصداق الكامل لـ : (وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)[7]، وبعض الذين منحوه هذه الألقاب لم يكونوا من شيعته، ولم يكونوا يعتبرونه إماماً من قبل الله تعالي، لكنّهم ما استطاعوا أن يتجاهلوا الحقائق التي رأوها فيه.



لقد ذكر المؤرّخون ما يبيّن لنا بعض العلل التأريخية لجملة من هذه الألقاب المباركة:



1 ـ روي عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري أنّه قال: كنت جالساً عند رسول الله(صلي الله عليه وآله) والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال(صلي الله عليه وآله): «يا جابر، يولد له مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادي مناد ليقم (سيّد العابدين) فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمّد، فإن أنت أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام»[8].



2 ـ كان الزهري إذا حدّث عن عليّ بن الحسين(عليه السلام) قال: حدّثني «زين العابدين» عليّ بن الحسين، فقال له سفيان بن عيينة: ولِمَ تقول له زين العابدين؟ قال: لأنّي سمعت سعيد بن المسيب يحدّث عن ابن عباس أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين؟ فكأنـّي أنظر إلي ولدي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب يخطر (يخطو) بين الصفوف»[9]؟



3 ـ وجاء عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام) أنّه قال: «كان لأبي في مواضع سجوده آثار ناتئة، وكان يقطعها في السنة مرتّين، في كلّ مرة خمس ثفنات، فسمّي ذا الثفنات لذلك»[10].



4 ـ كما جاء عنه عن كثرة سجود أبيه: ما ذكر لله عزّوجلّ نعمة عليه إلاّ وسجد، ولا دفع الله عنه سوءً إلاّ وسجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ وسجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي بالسجّاد[11].

پاورقي





[1] إشارة لقوله تعالي: (في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار). النور (24) : 36 ـ 37.



[2] الإرشاد : 2/137، ومناقب آل أبي طالب : 4/189، والإقبال : 621 ، ومصباح الكفعمي: 511 ، والأنوار البهية: 107 قال: سنة 36 يوم فتح البصرة.



[3] تاريخ أهل البيت، لابن أبي الثلج البغدادي م 325 : 77.



[4] رغم أنّ أغلب المؤرخين متفقون علي أنّ اُم الإمام السجاد (عليه السلام) هي ابنة الملك يزدجرد إلاّ أن هناك من يعتبر ذلك مجرد اُسطورة، راجع زندگاني علي بن الحسين(عليه السلام) للسيد جعفر الشهيدي. والإسلام وايران للشهيد مطهري: 100 ـ 109 وحول السيدة شهر بانو للشيخ اليوسفي الغروي في مجلة رسالة الحسين(عليه السلام): 24/14 ـ 39 ، والثابت أن اُمّ الإمام السجاد(عليه السلام) سبيّة من سبايا الفرس، ولا يثبت أكثر من هذا.



[5] سيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) : 2 / 189، المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) الطبعة الاُولي 1414 هـ .



[6] حياة الإمام زين العابدين، دراسة وتحليل: 390.



[7] الفرقان (25) : 63.



[8] إحقاق الحق : 12 / 13 ـ 16، والبداية والنهاية لابن كثير : 9 / 106.



[9] علل الشرائع : 1/269، والأمالي : 331 وعنهما في بحار الأنوار : 46 / 2 الحديث 1 و 2.



[10] علل الشرائع : 1/273 ومعاني الأخبار : 65 وعنهما في بحار الأنوار : 46 / 6.



[11] علل الشرائع : 1/272 وعنه في بحار الأنوار: 46/6 ح 10.