بازگشت

مواجهة الفرزدق ويحيي


للإمام أشعار لم استطع العثور عليها، ولكن مما لا شك أنها موجودة وهي في غاية القوة والتحدي والثورة. ويمكن اعتبار شعر الفرزدق نموذجاً آخر. وقد نقل المؤرخون والمحدثون هذه القصة وخلاصتها:



عندما قدم هشام بن عبدالملك قبل فترة خلافته إلي الحج وأثناء الطواف أراد أن يتقدم لاستلام الحجر الأسود، ولكن العدد الهائل والازدحام الكبير منعه من الوصول، وكلما حاول أن يوصل نفسه مع أنه كان ابن الخليفة ومحاطاً بالمرافقين والحواشي، ولكن الناس كانوا يمرّون من حوله بدون اكتراث فيئس من استلام الحجر وقعد جانباً منتظراً انصراف الناس، وكان أصحابه جالسين حوله. وفي هذه الاثناء يمر رجل يعلوه الوقار والهيبة، سيماه سيماء الزاهدين ووجهه وجه الملكوتيين، يسطع من بين الحجاج كالشمس، فتنحي الناس له جانباً ليمرّ من بينهم ويصل إلي الحجر الأسود، فقبلّه ثم رجع للطواف مجدّداً.



فصعب ذلك علي هشام كثيراً، وهو يري نفسه ابن الخليفة ولا أحد يعطيه أية قيمة، بل يبعدونه بالركل والمطاحنة، ثمّ من جانب آخر يظهر رجل يصل إلي الحجر الاسود بكل هدوء. فسأل غاضباً: من هذا؟ وكان حواشيه يعرفون أنه علي بن الحسين (ع)، ولكن لئلاّ يغضب منهم، لم يقولوا شيئاً، لأنهم يعلمون وجود العداوة ما بين بني أمية وبني هاشم، فلم يريدوا ان يقولوا أن هذا كبير العائلة المعادية لكم، والناس يظهرون له كل هذا الحب والاحترام، لأنهم اعتبروا ذلك نوعاً من الإهانة لهشام.



كان الشاعر الفرزدق من المحبيّن لأهل البيت حاضراً هناك، وقد رأي تجاهلهم من إظهارهم لعدم معرفة علي بن الحسين(ع) فتقدم قائلاً: أيها الأمير، لو تسمح لي بأن أعرفه لك.



فقال هشام: قل. فانطلق لسان الفرزدق بقصيدة من أشهر القصائد الشعرية التي قيلت بحق أهل البيت، وبدأها بهذا البيت:



هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم



هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد خُتموا



وكانت أبيات هذه القصيدة كوقع السيوف علي قلب هشام فغضب منه وطرده، وأرسل إليه الإمام علي بن الحسين (ع) مالاً فلم يقبله وقال: “ما قلته إلاّ لله ولا أريد مالاً”.



وهكذا نشاهد مثل هذه المواجهات من بين أصحاب الإمام.



ونموذج آخر ما قام به يحيي ابن أم الطويل وهو ليس شعراً.



كان يحيي ابن أم الطويل من الشباب الشديدي الشجاعة والمخلصين لأهل البيت، وكان يذهب دائماً إلي الكوفة ويجمع الناس ويصرخ: فيهم أيها الناس، إنني كافر بكم، ولا أقبل بكم حتي تؤمنوا بالله. وهو يقصد أولئك الذين كانوا يتبعون بني أمية.