بازگشت

أمثلة من مواجهة الإمام (ع)


كانت تلك المواجهات تظهر بعدة أشكال. وأحد أشكالها هو ما لاحظناه في تعامل الإمام السجاد (ع) مع محمد بن شهاب الزهري. والشكل الآخر يظهر من خلال بيان موقف ومكانة الخلفاء الأمويين علي ضوء التعاليم والإشارات الدينية العادية. ويوجد حديث عن الإمام الصادق (ع) يقول فيه: "إن بني أمية أطلقوا للناس الإيمان ولم يطلقوا الشرك حتي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه".



فبنو أمية كانوا يسمحون للعلماء وأهل الدين، ومن جملتهم الأئمة عليهم السلام، بالتحدث حول الصلاة والحج والزكاة والصيام والعبادات، وكذلك حول التوحيد والنبوة والأحكام الإلهية. لكنهم لم يسمحوا بالبحث في مفهوم الشرك ومصاديقه وأمثلته في المجتمع، تلك التعاليم المرتبطة بالشرك لو درّست للناس، لفهموا مباشرة من هم المشركون، وأن ما يحملهم عليه بنو أمية ليس إلاّ الشرك، ولعلموا فوراً أن عبد الملك والخلفاء الباقين من بني أمية هم طواغيت يبارزون الله، وأن إطاعتهم تعد شركاً بالله. ولهذا لم يكونوا ليسمحوا للناس بتعلّم هذه المفاهيم.



نحن عندما نبحث في الدين الإسلامي حول التوحيد، فإن قسماً مهماً من هذا البحث يرتبط بمعرفة الشرك. ما هو الصنم، ومن هو المشرك؟



وللمرحوم العلامة المجلسي (ره) في بحار الأنوار، الجزء 48، نص رائع يقول فيه: (إن آيات الشرك ظاهرها في الأصنام الظاهرة وباطنها في خلفاء الجور الذين أشركوا مع أئمة الحق ونصبوا مكانهم).



فأئمة الحق هم خلفاء الله، وهم ينطقون عن الله، ولأن خلفاء الجور قد نصبوا أنفسهم مكانهم وادّعوا الإمامة، فقد أصبحوا أصناماً وطواغيت، وكل من يطيعهم فهو في الحقيقة مشرك بالله.



وللعلامة بعد هذه شرح قيّم؛ فهو يبيّن أن الآيات القرآنية ليست مختصة بعصر الرسول الأكرم صلّي الله عليه وآله، بل هي سارية وجارية في كل العصور والأزمان، يقول (ره):



(فهو يجري في أقوام تركوا طاعة أئمة الحق واتّبعوا أئمة الجور لعدولهم عن الأدلة العقلية والنقلية واتّباعهم الأهواء، وعدولهم عن النصوص الجلية).



ومن هنا نري أن الأئمة (ع) إذا أرادوا أن يبيّنوا حقيقة الشرك فإنهم بذلك يقومون بما يشبه المواجهة مع نظام الحكم، وهذا ما يظهر في كلمات الإمام السجاد (ع).



ونموذج آخر من تلك الأمثلة في المواجهة ما نشاهده في المكاتبات والرسائل بين الإمام السجاد (ع) وعبد الملك (الخليفة الأموي المتجبّر)، أشير إلي اثنين منهما هنا:



1ــ في إحدي المرات يكتب عبد الملك رسالة إلي الإمام السجاد (ع) يلومه فيها علي زواجه من إحدي جواريه. وكان للإمام جارية أعتقها ثم تزوّجها. فشمت منه عبد الملك. وكان عمل الإمام عملاً إنسانياً وإسلامياً صرفاً. ولكن دافع عبد الملك من تلك الرسالة هو التعرض للإمام، وإفهامه بأنه مطلع علي مسائله الخاصة، موجّهاً له بذلك تهديداً ضمنياً. فأجابه الإمام عليه السلام برسالة بدأها بتوجيه أمر الزواج وأن العظام يفعلون مثل هذا الأمر، وأن رسول الله (ص) قد قام به: "فلا لؤم علي امرئ مسلم، إنما اللؤم لؤم الجاهلية". وهو يريد أن يذكره بسوابق أجداده في الجاهلية (من كفرهم وعنادهم)..



عندما وصلت الرسالة إلي عبد الملك، كان ابنه سليمان حاضراً. وعندما قرأها سمعه، وسمع ذمّ الإمام وأحسّ به مثل أبيه، فالتفت إليه قائلاً: يا أمير المؤمنين! أتري كيف يتفاخر عليك علي بن الحسين؟ يريد بذلك أن يحرض والده علي رد فعل قاس. ولكن عبد الملك كان أعقل من ولده، فقال له: لا تقل شيئاً يا ولدي! فهذا لسان بني هاشم الذي يفلق الصخر. (أي أن استدلالهم قوي وقاس).



2ــ النموذج الثاني: المراسلة الأخري التي تمت بين الإمام وعبد الملك، ومجرياتها:



علم عبد الملك أن سيف رسول الله (ص) موجود عند الإمام. وكان هذا أمراً ملفتاً وباعثاً علي التفاخر. وكذلك فإن وجوده يعد خطراً علي الخليفة. لأنه يجلب أنظار الناس إليه، فكتب إليه يطلب منه تسليم السيف، ووعده بإنجاز ما يريد.



وردّ عليه الإمام، فأعاد عبد الملك مرة ثانية تهديده بوقف حصة الإمام من بيت المال إن لم يرسل السيف. فأجابه الإمام:



"أما بعد، فإن الله تعالي وعد عباده المتقين بنجاتهم من المحن {ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}، وقال: {إن الله لا يحب كل خوّان كفور}. فانظر أيّنا ينطبق عليه الكلام".



وهذه لهجة قاسية جداً أمام الخليفة، لأن تلك الرسالة إذا وقعت بيد أي إنسان فسوف يعلم أولاً: أن الإمام لا يعد نفسه خواناً.



ثانياً: لا يتصور أحد هذا الأمر بحق هذا الإنسان الجليل الذي تربي في بيت آل الرسول وهذا يعني: أنك أنت الخليفة خوّان وكفور. وإلي هذا الحد كان الإمام شديداً مقابل التهديد.



كانت هذه نماذج من مواجهة الإمام للحكم، وإذا أردنا أن نضيف نموذجاً آخر ينبغي أن ننظر إلي الأشعار التي نقلت عن الإمام السجاد أو عن أصحابه ومحبّيه، فهي تمثل نوعاً آخر من المواجهة.