بازگشت

بعض الاحاديث المختلقة من محمد الزهري


يوجد هنا نموذج يبين كيفية مواجهة الإمام السجاد (ع) لهذا الوضع:



تربط هذه المواجهة بمواجهة الإمام لمحمد بن شهاب الزهري.



كان محمد بن شهاب الزهري في البداية أحد تلامذة الإمام السجاد (ع) المقربين، أي أنه من جملة الذين تعلموا علومهم ونقلوا الاحاديث عن الإمام، ولكن بالتدريج ــ بسبب التجرؤ الذي كان فيه ــ اقترب من نظام الحكم حتي صار أحد أعوانه وتحوّل إلي واحدٍ من الذين واجهوا الإمام.



ولأجل أن نطلع أكثر علي وضع الزهري،ننقل عدة أحاديث بشأنه:



أحد هذه الأحاديث، ما جاء عنه: (كنا نكره كتابة العلم حتي أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء فرأينا أن لا يمنعه أحد من المسلمين).



ويفهم من هذا الحديث أنه حتي ذلك الزمان لم يكن متعارفاً بين هذه الطائفة من المحدثين بأن كل ما يعلمونه من الاحاديث ينبغي ان يكتبوه، وكذلك يتضح ان محمد بن شهاب الزهري كان في خدمة الامراء وأنه كان يُحمل علي كتابة الاحاديث التي تناسبهم.



أحدهم ويدعي (معمر) كان يقول: كنا نظن اننا قد نقلنا من الزهري أحاديث كثيرةً إلي ان قتل الوليد. فعندها رأينا كتباً كثيرةً تحمل علي ظهور الدواب وتخرج من خزائن الوليد ويقال: هذا علم الزهري: أي أن الزهري وضع من الاحاديث التي تناسب الوليد وأهواءه ما عجزت عن حمله الرجال. ماذا تتصورون ان تكون تلك الاحاديث؟ مما لا شك فيه أنها لا تدين الوليد وإنما تؤيد أعماله وتصحّحها.



ويوجد حديث آخر يتعلق بفترة ارتباط الزهري بالنظام الحاكم. فقد روي اليعقوبي في تاريخه:



“ان الزهري نسب إلي رسول الله (ص) أنه قال: لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الاقصي. وأن الصخرة التي وضع رسول الله قدمه عليها تقوم مقام الكعبة”.



ويعود هذا الحديث إلي ذلك الزمان الذي كان عبدالله بن الزبير حاكماً علي مكة، والناس الذين يريدون الحج بطبيعة الحال لابد وأن يدخلوا مكة ــ وهي تحت نفوذ ابن الزبير ــ وكانت تلك الايام فرصة مناسبة له للتبليغ ضد أعدائه ــ وخاصة عبدالملك بن مروان ــ، ومن جانب آخر بما ان عبدالملك كان يدرك خطورة هذا الأمر، ولكي يمنع الناس من الذهاب إلي مكة، رأي أن أفضل الطرق هو وضع أحاديث تبيّن أن شرافة القدس بمنزلة شرافة مكة. ونحن نعلم ــ في العرف والثقافة الإسلامية ــ أنه لا توجد منطقة في العالم توازي الكعبة شرفاً ومكانة ولا يوجد حجر في الدنيا يضاهي الحجر الاسود. فكانت تلك الاحاديث المجعولة وسيلة لعبد عبدالملك لكي يدفع الناس للذهاب إلي المسجد الاقصي الذي كان تحت نفوذه بدلاً من مكة المكرمة.



فإلي أي مدي كان لهذه الاحاديث تأثير في نفوس الناس وأفعالهم؟! وهل حدث في زمن ما أن الناس حجوا إلي بيت المقدس بدلاً من مكة ام لا؟! ولو حدث ذلك لكان ينبغي أن نعد المجرم الاصلي أو أحد المجرمين (محمد بن شهاب الزهري) الذي حرف الأمر في أذهان الناس لأجل مآرب عبدالملك السياسية.



وعندما يصبح الزهري تابعاً لجهاز الخلافة، فلم يمنعه شيء من وضع الأحاديث ضد الإمام السجاد (ع) والتنظيمات العلوية. منها ما وجدته في كتاب “اجوبة مسائل جار الله” ــ تأليف المرحوم السيد عبدالحسين شرف الدين ــ حيث يدعي الزهري في رواية أن أمير المؤمنين كان جبرياً، ونسب إلي الرسول (ص) انه قال في معني الإنسان في الآية: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً} انه أمير المؤمنين (ع) (والعياذ بالله).



وفي رواية أخري ينقل أن حمزة سيد الشهداء كان شارب خمر. وانما جعل هاتين الروايتين لدعم الجبهة السياسية ــ لعبدالملك وبني أمية ــ مقابل أئمة الهدي (عليهم السلام)، وبالتالي لنسف صورتهم بعنوان أنهم المسلمون الاوائل، ويعرفهم علي أنهم مثل غيرهم من العوام والمقصرين في تطبيق احكام الدين.



وهذه الرواية تشير إلي وضعية محمد بن شهاب الزهري في مرحلة التبعية والارتباط ببلاط الحكم. ومن يطالع في اوضاعه الاجتماعية والفكرية يتبين له شخصيته بشكل واضح. وانا أترك هذا الأمر إلي كتب الرجال.



حسناً، مثل هذا الشخص الذي يتمتع بنفوذٍ ومنزلة عالية في جهاز الحكم وبين الناس، لا شك أنه موجود خطِر علي الثورة الإسلامية، وينبغي أن يُتخذ موقف بشأنه.



الموقف الشديد للإمام السجاد (ع) من علماء البلاط



بالنسبة للزهري وأمثاله فقد وقف الإمام السجاد (ع) موقفاً حازماً وقاسياً جداً حيث يلحظ هذا من خلال الرسالة التي وجّهها إليه.



وقد يتساءل البعض إلي أي مدي يمكن أن تعكس (رسالة) هذا الموقف الشديد، ولكن بالالتفات إلي شدة اللهجة في مضمون هذه الرسالة الموجّهة إلي نفس الزهري، وكذلك بالنسبة للجهاز الحاكم وأنها لا تنحصر بمحمد بن شهاب بل كانت تقع في أيدي الآخرين وتتنقل عبر الألسن وتبقي عبر التاريخ ــ كما حصل فاليوم بعد أكثر من1300 سنة نحن نتناولها بالبحث ــ بالالتفات إلي هذه الأمور، يمكن أن ندرك مدي حجم الضربة التي وجهت للقداسة الشيطانية والاصطناعية لمثل أولئك العلماء. لقد كانت الرسالة خطاباً لمحمد بن شهاب ولكنها نالت من أشخاص آخرين علي شاكلته.



ومن المعلوم أن هذه الرسالة عندما تقع بأيدي المسلمين وبالأخص شيعة ذلك العصر وتتنقل عبر الأيدي، فأي سقوط لهيبة هؤلاء ومكانتهم في الأعين!!



وهنا ننقل مقاطع من هذه الرسالة:



في البداية يقول (ع): "كفانا الله وإيّاك من الفتن ورحمك من النار".



في الجزء الثاني من هذه الجملة نجده يخصه بالخطاب، لماذا؟ لأن كل إنسان يتعرض للفتن حتي الإمام السجاد (ع) بدون أن يسقط فيها، ومحمد بن شهاب يتعرض للفتنة ولكنه سقط، أما بالنسبة لنار جهنم فإنها لا تقترب من الإمام زين العابدين (ع)، ولهذا خصّ الكلام هنا بالزهري. وابتداء الرسالة بمثل هذه اللهجة دليل علي تعامل الإمام معه بطريقة تحقير ومعاداة.



ثم يقول (ع): "فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك".



ودققوا هنا في هذه الجملة، لمن الخطاب فيها؟



إنما موجّهة لشخص يغبطه الجميع علي حاله، فهو أحد العلماء الكبار المقربين للنظام الحاكم، بينما نجد الإمام عليه السلام يبيّنه ضعيفاً ووضيعاً.



بعد ذلك يشير الإمام إلي النعم التي حباه الله بها والحجج التي أتمها عليه ثم يقول أنه مع وجود تلك النعم من الله، هل تستطيع أن تقول كيف قد أدّيت شكرها؟



ويذكر جملة من آيات القرآن ويقول أن الله تعالي لن يرضي أبداً عن قصورك وتقصيرك، لأنه سبحانه قد أمر العلماء بتبيين الحقائق للناس: "لتبيّننه للناس ولا تكتمونه".



وبعد هذه المقدمة يحمل عليه بطريقة قاسية جداً بقوله (ع):



"واعلم أن أدني ما كتمت، وأخف ما احتملت، أن آنست وحشة الظالم، وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت وأجابتك له حين دعيت".



ويظهر هذا الكلام الذي يطرحه الإمام بشكل واضح من ارتباطه بجهاز السلطة كالسوط الذي ينهال علي رأسه.



"إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك، ودنوت ممن لم يردّ علي أحد حقاً ولم تردّ باطلاً حين أدناك".



(وهو الخليفة الظالم) فبأي عذر تبرر عدم إرجاعك للحقوق الضائعة وإزالة المظالم الكثيرة. (وأحببت من حاد الله).



والجملة الشديد التأثير للإمام ما نقرأها في هذه الفقرة، حيث يقول (ع):



"أوليس بدعائه إياك ــ حين دعاك ــ جعلوك قطباً أداروا بك رحي مظالمهم، وجسراً يعبرون عليه إلي بلاياهم، وسلماً إلي ضلالتهم داعياً إلي غيّهم سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك علي العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم".



ثم يقول:



"فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوي أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم".



وفي هذه الرسالة الشديدة اللهجة والكبيرة المضمون يفضح الإمام السجاد تلك الحركة السياسية التي استغلت الفكر والعلم. وأولئك الذين قبلوا مهادنة النظام أصبحوا مطالبين بالإجابة عن السؤال الذي بقي في المجتمع الإسلامي وسوف يبقي عبر التاريخ.



إنني أعتبر هذا أحد مراحل حياة الإمام السجاد (ع) المهمة، وأشعر بأنه عليه السلام لم يكتف بتحرك علمي وتربوي محدودين بين جماعة خاصة بل قام بحركة سياسية. وبالطبع يوجد قسم آخر في هذا المجال يتعلق بالشعر والشعراء سوف نتعرض له فيما بعد.



أحد مفاصل حياة الإمام السجاد عليه السلام هو ما يتعلق بمواجهته للنظام الحاكم.



وقد أشرت بشكل مختصر في الأبحاث السابقة إلي هذا الأمر وهنا أقدم شرحاً إضافياً: