بازگشت

فلسفة الإمامة عند الإمام


من جملة الأشياء التي أراها جليّة وشديدة الأهمية في هذا القسم من بيانات الإمام السجاد (ع)، تلك الكلمات التي يذكّر فيها بتجارب أهل البيت (ع) الماضية. ففي هذا القسم يشير الإمام (ع) إلي تلك الأيام التي مرت علي الشيعة من قبل الحكام الجائرين مثل معاوية ويزيد ومروان، ووقائع مثل الحرة وعاشوراء وشهادة حجر بن عدي المهمة، ويريد الإمام أن يحث أولئك المخاطبين من خلال ذكر تلك الحوادث الشديدة، علي التحرك والثورة.



والتفتوا الآن إلي هذه الجملة:



"فقد لعمري استدبرتم من الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيها ما تستدلون به علي تجنب الغواة و..".



أي إنكم تستحضرون تلك التجارب وتعلمون ماذا سيفعل بكم أهل البغي والفساد ــ أي حكام الجور ــ عندما يتسلطون عليكم! ولذلك يجب عليكم أن تتجنبوهم وتواجهوهم.



وفي هذا الخطاب يطرح الإمام مسألة الإمامة بصورة صريحة. أي قضية الخلافة والولاية علي المسلمين والحكومة علي الناس وإدارة النظام الإسلامي، وهذا الخطاب لم يكن بمقدور الإمام في ذلك الوقت أن يوجهه لعامة الناس. فيقول (ع):



"فقدّموا أمر الله وطاعته وطاعة من أوجب الله طاعته".



وهنا يعيّن الإمام فلسفة الإمامة عند الشيعة، وأي إنسان يجب أن يطاع بعد الله، من هو ذلك الإنسان الذي أوجب الله طاعته. ولو فكر الناس في ذلك الوقت بهذه المسألة لعلموا بوضوح أنه لا يجب طاعة عبد الملك، لأنه من غير الجائز أن يوجب الله طاعة عبد الملك، ذلك الحاكم الجائر بكل فساده وبغيه.



وبعد أن يقدّم الإمام هذه المسألة يتعرض لرد شبهة مقّدرة فيقول:



"ولا تقدّموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت وفتنة زهرة الدنيا بين يدي أمر الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم".



ففي هذا الخطاب والخطاب السابق يركّز الإمام علي مسألتين من المسائل الثلاث التي أشرنا إليها سابقاً، الأولي: تدوين الفكر الإسلامي وإحياؤه في أذهان الناس والحثّ علي تعلمه. والأخري: مسألة الولاية السياسية أي الحكومة والقيادة للنظام الإسلامي. وعندما يعرّف الإمام هاتين المسألتين فإنّه يقوم في الواقع بتعريف النظام العلوي والنظام الإسلامي الإلهي.