بازگشت

لفظة "إمام" تعني المتقدم والقائد


فالإمام الصادق (ع) عندما كان يلفت الناس في مني أو عرفات بقوله: "يا أيها الناس، إن رسول الله هو الإمام"، كان يشير إلي أن الإمام هو ذلك الإنسان الذي يتولي أمور الناس الدينية والدنيوية.



في المجتمع الإسلامي أيام حكم عبدالملك بن مروان وفي عصر الإمام السجاد (ع) كان هذا المعني يفهم بشكل خاطئ، لأن إمامة المجتمع، وهي إدارة شؤون حياة الناس، قد أخذت من أهلها وأعطيت إلي من لا أهلية لهم بها، حيث كانوا يسمون أنفسهم بالأئمة ويعرفهم الناس بذلك، فالناس كانوا يطلقون لقب الإمام علي عبدالملك ومن قبله علي أبيه وقبلهما علي يزيد وغيره، وقد قبلوهم علي أساس أنهم قادة المجتمع وحكام الناس.



وهكذا عندما كان الإمام السجاد (ع) يقول: إنك ستُسأل عن إمامك في القبر، كان يشير إلي أنك هل انتخبت الإمام المناسب والصحيح؟ وهل ذلك الشخص الذي كان يحكمك، ويقود المجتمع الذي تعيش فيه هو حقاً إمام؟ وهل هو ممن رضي الله عنه؟ لقد كان الإمام بهذا الكلام يوقظ الناس ليجعل هذه القضية في نفوسهم حساسة.



بهذه الطريقة كان الإمام يحيي قضية الإمامة التي لم يكن الجهاز الأموي الحاكم يرضي أبداً بالتطرق إليها في المواعظ وفي الخطابات العامة. (كانت هذه من إحدي الوسائل الهادئة التي استخدمها الإمام في هذا المجال، وسوف نشير لاحقاً إلي أساليب أكثر حدّية).



بناءاً علي هذا ففي البيان العام الموجه إلي عامة الناس نجد أن الإمام وبلغة الموعظة كان يحيي المعارف الإسلامية، وخاصة تلك المعارف الحساسة في ذهن الناس، ويسعي لأجل أن يتعرف الناس عليها ويتذكروها. ويمكن الالتفات في هذا النوع من الخطاب إلي نقطتين:



* الأولي: إن هذا النوع من البيان للإمام لم يكن تعليماً، بل من نوع التذكير. أي إن الإمام لم يكن يجلس ليبين للناس دقائق التوحيد، أو يفسر لهم مسألة النبوة. وإنما يذكرهم بها. لماذا؟ لأن المجتمع الذي كان يعيش فيه الإمام لم تكن تفصله عن مرحلة النبي (ص) مسافة زمنية كبيرة حتي ينحرف كلياً عن العقائد الإسلامية، بل كان هناك الكثير من الأشخاص الذين عايشوا رسول الله (ص) ومرت عليهم مرحلة الخلفاء الراشدين وقد عاصروا أئمتنا العظام من أمير المؤمنين (ع) إلي الإمام الحسن (ع) إلي الإمام الحسين (ع). ومن الناحية الاجتماعية لم يكن الوضع قد وصل إلي مرحلة يعاني فيها المجتمع الإسلامي من الانحراف العقائدي والاصولي بالنسبة لمسألة التوحيد والنبوة والمعاد والقرآن.



نعم، كانت هذه المسائل تدريجياً تخرج من ذاكرتهم، وكانت الحياة المادية تحيط بهم إلي درجة نسيان الفكر الإسلامي وفكر الاعتقاد بالإسلام.



فلقد كانت الحوادث الدنيوية والمادية في المجتمع تجري بحيث لا تبقي في أذهان الناس، اي توجه للتسابق في مضمار المعنويات والخيرات. وفي حال حصول هذا الأمر فإنه لم يكن يتعدي القشور والسطوح.



أما بالنسبة للمفهوم الذي كان الناس يحملونه في زمن رسول الله (ص) والعصر المتصل به عن التوحيد والحساسية المتميزة تجاهه، فلم يكن الناس في عصر الإمام يحملونه. هنا كان الأمر يحتاج إلي التذكير حتي يرجع الأمر إلي سابق عهده، لا أن هناك أشياء محرفة ينبغي أن تصحح. وهذا بخلاف المراحل اللاحقة، كمرحلة الإمام الصادق (ع)، لأن المسألة حينها لم تكن بهذا الشكل؛ فقد ظهر في ذلك الوقت الكثير من المتكلمين والمتفلسفين والمفكرين، وتحت عناوين متعددة كانوا يجلسون في المساجد الكبري، مثل مسجد المدينة وحتي المسجد الحرام ومسجد الشام ويدرّسون العقائد المنحرفة والباطلة. لقد برز حينها أناس مثل “ابن أبي العوجاء” يدرسون عقائد الزنادقة والالحاد. لهذا، إذا تأملتم أحاديث وكلمات الإمام الصادق(ع) تجدون بيان التوحيد والنبوة وأمثالها بصورة استدلالية.



فالحاجة إلي الاستدلال ضرورية لمواجهة استدلال الخصم. وهذا ما لا نجده في بيانات الإمام السجاد (ع) التي كانت تعتمد علي الوجدان حتي لا تنسي القضايا الأساسية.



باختصار لم يكن عصر الإمام السجاد (ع) يحكي عن خروج عن الفكر الإسلامي حتي عند الحكام. نعم قد يظهر لي أن هناك مورداً حدث فيه مثل هذا الأمر وذلك عندما ألقي يزيد اللعين تلك الابيات الشعرية في حالة السكر عندما أحضر أسري أهل البيت (ع) فقال:



لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل



ولكن إذا شئنا أن نقول، فإن هذا الكلام كان تحت تأثير السكر. وإلاّ حتي أمثال عبدالملك أو الحجاج لم يكونوا يجرؤون علي إعلان مخالفتهم لفكرة التوحيد أو النبوة. لقد كان عبدالملك بن مروان يقرأ القرآن إلي درجة أنه عرف كأحد قرّاء القرآن. غاية الأمر أنه عندما وصل إليه خبر تنصيبه خليفة قبّل القرآن وقال: “هذا فراق بيني وبينك”. إن هذا ما حدث فعلاً. والحجاج بن يوسف الذي سمعتم عن ظلمه (وباليقين إن الذي سمعتموه هو أقل بكثير مما فعله) كان عندما يخطب في الناس يأمرهم بالتقوي. وهكذا نفهم أن ما كان في حياة الإمام السجاد (ع) هو التذكير بالأفكار الإسلامية لإخراج الناس من مستنقع الدنيا والدوافع المادية إلي ساحة معرفة الله والدين والقرآن.



* ثانية: وهي ما أشرنا إليه سابقاً من أن الإمام من خلال بيانه العام الذي اتخذ أسلوب الموعظة كان يأتي علي ذكر مسألة الإمامة. كما كان يحدث في النظام الشاهنشاهي البائد عندما كان البعض يتحدث إليكم ويذكّركم قائلاً: أيها الناس فكروا بالله وبالتوحيد والنبوة وبقضية الحكومة.. فانظروا هنا كيف يمكن أن نفهم مسألة الإمامة وكيف كانت هذه الكلمة في النظام السابق كلمة خطرة. فحينها لم يكن الإتيان علي ذكر الحكومة بالأمر السهل، أما إذا جاء ذلك بلغة الوعظ وعلي لسان رجل زاهد وعابد فإنه يمكن أن يقبل. وبتعبير آخر لا يثير الحساسيات.



هذا نوع من بيانات الإمام السجاد (ع)، أما النوع الثاني فهو ذلك الخطاب الموجه إلي مجموعة خاصة وليس مشخصاً فيها لمن، ولكنه موجه إلي مجموعة من الذين يخالفون النظام الحاكم. فمن يمكن أن يكون هؤلاء؟