بازگشت

الصورة العامة لحياة الإمام السجاد (ع)


كان الإمام السجّاد (ع) ما بين استلامه للإمامة في عاشوراء 61 هــ واستشهاده مسموماً في سنة 95 هــ يتابع إنجاز هدف إقامة حكومة أهل البيت. لذلك ينبغي أن نفسّر جزئيات عمل الإمام والمراحل التي مرّ بها والاساليب التي اتبعها والتوفيقات التي حصلت وكل الكلمات التي بينها وكل التحركات التي قام بها والأدعية والمناجاة التي جاءت بصورة الصحيفة السجادية.. كل هذه ينبغي أن تفسّر بالنظر إلي الخط العام. كذلك المواقف التي اتخذها طوال مدة الإمامة:



1 ــ موقفه من عبيد الله بن زياد ويزيد الذي تميز بالبطولة والشجاعة والفداء.



2 ــ موقفه الذي تميز بالهدوء من مسرف بن عقبة، هذا الذي قام بتدمير المدينة واستباح أموالها بأمر من يزيد في السنة الثالثة من حكمه.



3 ــ حركة الإمام مقابل عبدالملك بن مروان أقوي خلفاء بني أمية وأمكرهم، حيث تميز موقفه بالشدّة حيناً والاعتدال حيناً آخر.



4 ــ موقف الإمام (ع) من عمر بن عبدالعزيز.



5 ــ تعامل الإمام مع أصحابه وأتباعه ووصاياه لأصدقائه.



6 ــ موقف الإمام من وعّاظ السلاطين وأعوان الظلمة.



كل هذه المواقف والتحركات ينبغي أن تدرس بدقة. ووفق تصوري أري أنه بالالفتات إلي النهج العام، فإن كل هذه الجزئيات والحوادث سوف تصبح لها معانٍ مناسبة وواضحة. وسوف تجد عندها أن هذا الإنسان العظيم قد قضي كل حياته وسعيه في طريق الهدف المقدس وهو إقامة حكومة الله علي الأرض وتحقيق الإسلام، وقد استفاد من أنضج وأفضل الوسائل، وتقدّم بالقافلة الإسلامية التي كانت بعد واقعة عاشوراء في تشرذم وتفرّق مهول، وأنجز مهمته العظمي ومسؤوليته الأصيلة (التي سوف نشير إليها بالتفصيل لاحقاً)، والتي قام بها كل الأئمة وجميع الأنبياء والرجال الصالحون، مراعياً السياسة والشجاعة والدقّة في الأعمال. وبعد 35 سنة من الجهاد الذي لم يعرف الراحة رحل عن الدنيا كريماً مرفوع الرأس وقد حمل ثقل الرسالة ليَكِل هذا الأمر من بعده إلي الإمام الباقر(ع).



إن انتقال الإمامة إلي الإمام الباقر (ع) ومعها مهمة إقامة حكومة الله علي الأرض تظهر بصورة واضحة في الروايات. ففي رواية نجد أن الإمام السجاد (ع) يجمع أبناءه مشيراً إلي محمد بن علي، أي الباقر (ع)، ويقول:



"احمل هذا الصندوق وخذ هذا السلاح وهذه الأمانة بيدك".



وحينما فتح الصندوق كان فيه القرآن والكتاب.



تصوري أن ذلك السلاح يرمز إلي القيادة الثورية وذلك الكتاب يرمز إلي الفكر والعقيدة الإسلامية، وقد أودعهما الإمام السجاد (ع) ذلك الإنسان الواعي إلي الإمام الذي سيأتي من بعده مودعاً الدنيا راحلاً إلي عتبة الرحمة الإلهية بذهن مرتاح ووجدان هادئ ورأس مرفوع.



كانت هذه الصورة الكلية لحياة الإمام السجاد (ع). ولكننا لو أردنا أن ندرس جزئيات الأحداث ينبغي، علينا أولاً أن نمهّد بالوضع السابق لها إذ يوجد في حياة الإمام السجاد فصل قصير ومحدّّد نذكره أولاً ثم نقوم بعدها بشرح السير العادي لحياة الإمام وتفصيل الأوضاع وأحوال الزمان والظروف التي كانت موجودة.



الفصل المصيري القصير هو مرحلة ما بعد كربلاء، أي فصل الاسر الذي كان قصيراً ولكنه كان مؤثراً جداً ومعبّراً، حيث نجد في عين الأسر الصلابة والقوة. لقد كان الإمام السجاد (ع) يرسم ملحمة بطولية عظيمة بأقواله وأفعاله خلال فترة الاسر والمرض هذه، والتي تعتبر فترة مختلفة تماماً عن المرحلة الاصلية من حياته، حيث اصبح الإمام يعمل علي البنية التحتية باعتدال ودقة وهدوء، حتي إنه أحياناً كان يجلس مع عبد الملك بن مروان في مجلس واحد ويتصرف معه تصرفاً معتدلاً. أمّا في هذا الفصل فإننا نشاهد الإمام بصورة ثورية هادرة بحيث انه لم يكن يسكت علي أي حديث صغير، وكان أمام الملأ يردّ بأجوبة تزلزل أركان العدو.



في سوق الكوفة أيضاً وبصوت واحد وزمان واحد يخطب الإمام هو وعمته زينب وأخته سكينة فيثورون الناس ويفشون الحقائق.



وفي الشام، في مجلس يزيد أو في المسجد المقابل لجميع الناس يبيّن الإمام الحقائق بأبلغ بيان، بحيث تضمّنت خطبه وكلماته حقانية أهل البيت بالخلافة وأفشت جرائم النظام الحاكم وبينت مدي التخدير الشديد الذي يمارسه النظام ضد الناس الغافلين. ولا يوجد مجال هنا لذكر الخطبة وإماطة جزء من اللثام عن معانيها، لأن هذا عمل مستقل ومنفصل عن موضوعنا، ولكن ينبغي لكل من يريد أن يفسر هذه الخطبة أن يدرسها كلمة كلمة بالالتفات إلي هذه الأصول. تلك كانت حالة الإمام السجاد (ع) في مرحلة الأسر العصيبة.