بازگشت

أنوار من تعاليمه


أدلي الإمام زين العابدين (عليه السّلام) بالكثير من التعاليم القيمة الرفيعة التي تدل علي خبرة كاملة لواقع الحياة وعمق بعيد في شؤونها وشجونها؛ كما يرشح من تعاليمه الحكيمة خبرته الواسعة بأحوال الناس وأمورهم ومعاشهم وكل ما يتعرضون له من أمراض نفسية وسياسية ودينية وفيما يلي بعض ما أثر عنه:



1 - ذم التكبر:



التكبر ظاهرة سيئة لأنها باب لكل شر ومصدر لكل رذيلة لذلك ذم الإمام (عليه السّلام) التكبر ونعي علي المتكبر الذي لا يري غيره يستحق الحياة، ومن ثم يقوم بالظلم والاعتداء علي الناس. يقول (عليه السّلام): (عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غداً جيفة).



فالمتكبر علي الناس الفخور بنفسه، لو تأمل ذاته قليلاً ونظر إلي بداية تكوينه نطفة، ثم إلي نهاية مصيره، جيفة، لما تكبر علي الناس بماله أو بنيه! ليته تذكر قول الإمام علي (عليه السّلام): (إن لم يكونوا إخوة لك في الدين فهم أسوة لك في الخلق) أو تذكر قول الله عز وجل: (ولا تخزني



يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون)(1).



المتكبرون صموا آذانهم عن قول الله تعالي رب العرش العظيم: (ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً)(2). أي لا تمشِ في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض بدوسك وشدة وطئك مهما شمخت بأنفك، فإنك ضعيف ضعيف وقصير قصير لن تبلغ الجبال طولاً!



فاعرف نفسك، وقدر قدرك وزن الأمور بميزان العقل المتنور بنور الإيمان وزيت الحكمة وعبق الرحمة وحسن الإدراك والتقدير. فالله تعال فاطر السماوات والأرض هو العزيز الحكيم ولا يحب كل مختال فخور قال تعالي: (ولا تصعّر خدك للناس ولا تمشي في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور)(3).



فالمتكبر يكرهه عباد الله في الدنيا ويكرهه الله في الآخرة، فهو خاسر الدارين لذلك عد التكبر في الإسلام من الصفات الذميمة التي تفسد المجتمع الإنساني وتورث الفرقة والبغضاء.



2 - الابتهاج بالذنب:



قال (عليه السّلام): (إياك والابتهاج بالذنب، فإن الابتهاج بالذنب أعظم من ركوبه).



بعض الناس يخطئون مع الآخرين من أهلهم أو أصحابهم أو جيرانهم لكنهم بعد وقوع الخطأ تؤنبهم نفسهم فيتراجعون عن خطئهم ويعتذرون لسوء فعلتهم.



والبعض الآخر يرتكبون الأخطاء الكبيرة والذنوب الفادحة ثم يفتخرون بما كسبت أيديهم من الآثام ويتباهون بذنوبهم بلا خجل ولا حياء.



هؤلاء قد يكونون من أصحاب السلطة أو الجاه أو أصحاب الثروات الطائلة فلا يأبهون لانتقاد الناس لهم ولا يحترمون حقوق غيرهم، لأنهم يتوهمون أن الجميع بحاجة إليهم وإلي خدماتهم. وإننا نجد منهم الكثير في حياتنا اليوم من الذين خدمهم الحظ وتسلموا مناصب عالية في هذا الزمان البائس. وقد نجد حولهم أنصاراً يحفون بهم ويسترون عليهم عيوبهم، وهم من طينتهم لا يهمهم سوي مصالحهم الشخصية ولذاتهم القريبة المنال.



هؤلاء الفئة المخربة في المجتمع، حذرهم الإمام من الابتهاج بذنوبهم لأن الابتهاج بالذنب أعظم من ركوبه, وبعد هذا التحذير عمد (عليه السّلام) إلي تعداد الذنوب التي توجب سخط الله وعذابه فحذر منها ليكون الإنسان في سلامة من دينه وآخرته. قال (عليه السّلام): (الذنوب التي تغير النعم البغي علي الناس، والزوال عن العادة في الخير، واصطناع المعروف، وكفران النعم وترك الشكر، قال الله تعالي: (إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم)(4). فالبغي علي الناس من الذنوب التي تغير النعم والذنوب التي تورث الندم، قتل النفس التي حرم الله، قال تعالي في قصة قتل قابيل لأخيه هابيل وعجزه عن دفنه: (فأصبح من النادمين)(5).



لقد ترك صلة القرابة والرحم طمعاً بهذه الدنيا الفانية وترك الوصية ورد المظالم وترك الصلاة ومنع الزكاة حتي يحضر الموت (فلات ساعة مندم).



والذنوب التي تنزل النقم: عصيان العارف، والتطاول علي الناس، والاستهزاء بهم، والسخر بهم، والذنوب التي تدفع النعم إظهار الافتقار، والنوم علي العتمة(6)، وعن صلاة الغداة واستحقار النعم وشكوي المعبود.



والذنوب التي تهتك العصم: شرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب.



والذنوب التي تنزل البلاء: ترك إغاثة الملهوف، وترك معونة المظلوم، وتضييع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. والذنوب التي تديل الأعداء: المجاهرة بالظلم، وإعلان الفجور، وإباحة المحظور، وعصيان الأخيار، واتباع الأشرار. والذنوب التي تعجل الفناء: قطيعة الرحم، واليمين الفاجرة، والأقوال الكاذبة والزنا، وسد طرق المسلمين، وادعاء الإمامة بغير حق.



والذنوب التي تقطع الرجاء: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله، والتكذيب بوعد الله.



والذنوب التي تظلم الهواء السحر والكهانة، والإيمان بالنجوم والتكذيب بالقدر، وعقوق الوالدين.



والذنوب التي تكشف الغطاء: الاستدانة بغير نية الأداء، والإسراف في النفقة علي الباطل، والبخل علي الأهل والولد وذوي الأرحام وسوء الخلق، وقلة الصبر، واستعمال الضجر والاستهانة بأهل الدين.



والذنوب التي ترد الدعاء: سوء النية وخبث السريرة والنفاق مع الإخوان، وترك الصديق بالإجابة وتأخير الصلوات المفروضات حتي تذهب أوقاتها، وترك التقرب إلي الله عز وجل بالبر والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول الزور، وكتمان الشهادة، ومنع الزكاة والقرض والماعون وقساوة القلوب علي أهل الفقر والفاقة وظلم اليتيم والأرملة وانتهار السائل ورده بالليل..)(7).



لقد حذر الإمام (عليه السّلام) من اقتراف هذه الذنوب علي اختلاف أنواعها ودرجاتها، والجرائم التي توجب انحراف الإنسان في سلوكه وتبعده عن خالقه، وما ينتج عن ذلك من آثار وضيعة ومضاعفات سيئة في الدنيا والآخرة.



والحقيقة أن هذا الحديث وأمثاله هو من المناجم الخصبة في التربية النفسية والسلوك الاجتماعي وتنظيم الحياة في توازنها وعدالتها. ثم استكمال الموضوع في شتي جوانبه وإصابة الهدف الذي يرمي إليه وتحقيق الغاية في إصلاح الفرد وإصلاح المجتمع، سيما وأن الإمام عاش في عصر تسوده الانحرافات في الدين والأخلاق والآداب، ويسوسه حكام ظالمون طغاة لا يفقهون من الدين إلا اسمه ولا يعرفون من الحق إلا رسمه فكان من واجب الإمام السجاد أن يقوم بدوره الإصلاحي ليقوم الإعوجاج ويصلح ما أفسده الأمويون في رسالة جده يريد أم يكمل الطريق الذي رسمه والده سيد الشهداء (عليه السّلام).



3 - العدالة:



إن اكتشاف المؤمنين أمر لازم وضروري في نظر الإمام السجاد وفي أيامنا هذه يري الإنسان نفسه في خضم معارك طاحنة تخوضها الحركات والتيارات السياسية والاجتماعية متآمرة علي الإسلام حيث تسيَّر بطرق خبيثة أقل ما تتصف به اللؤم والدهاء.



في هذا العالم اليوم تفتقد الشخصية الإنسانية صفاءها ونقاءها وطهرها، فقد كثر الرياء وتغشي النفاق، وذهبت نصيحة الرسول الأكرم (صلّي الله عليه وآله وسلّم) (طوبي لمن تساوت سريرته وعلانيته) أدراج الرياح.



في أيامنا هذه أصبحت المسؤولية ثقيلة علي عاتق المؤمنين الرساليين حيث أضحي أول همهم معرفة من يحيطون بهم معرفة كاملة حتي تتوافر الثقة فيما بينهم ثم بعد ذلك يستطيعون أن يعملوا ويجاهدوا في سبيل الله بكل ثقة وطمأنينة وإخلاص...



فكيف يمكن أن نتعرف علي المؤمنين المخلصين؟ وكيف نكتشف المندسين المشبوهين؟ هذا ما يبينه لنا الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في حديثه التالي حيث يوضح لنا فيه العلامات المميزة لمن آمن واعتقد بالإسلام.



قال عليه السلام:



(إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته، وهديه، وتمادي في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويداً لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا، وركوب الحرام منها، لضعف بنيته ومهانته، وجبن قلبه، فنصب الدين فخاً له، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره فإن تمكن من حرام اقتحمه، وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويداً لا يغرنكم، فإن شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من يتأبي عن الحرام وإن كثر، ويحمل نفسه علي شوهاء قبيحة فيأتي منها محرماً، فإذا رأيتموه كذلك فرويداً لا يغرنكم حتي تنظروا عقدة عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع إلي عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله... فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرنكم حتي تنظروا أيكون هواه علي عقله أم يكون عقله علي هواه؟ وكيف محبته للرياسة الباطلة وزهده فيها؟ فإن في الناس من يترك الدنيا للدنيا! ويري أن لذة الرياسة الباطلة أفضل من رياسة الأموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلباً للرياسة، حتي إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد، فهو يخبط خبط عشواء، يقوده أول باطله إلي أبعد غايات الخسارة، ويمد به بعد طلبه لما لا يقدر في طغيانه، فهو يحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرياسة التي قد شقي من أجلها فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدلهم عذاباً أليماً.



ولكن الرجل كل الرجل الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله، وقواه مبذولة في قضاء الله، يري الذل مع الحق أقرب إلي عز الأبد مع العز في الباطل، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤدي إلي دوام النعيم في دار لا تبيد، ولا تنفد، وإن كثيراً ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤدي به إلي عذاب لا انقطاع له، ولا زوال، فذلك الرجل تمسكوا به، واتقدوا بسنته، وإلي ربكم توسلوا به، فإنه لا ترد له دعوة، ولا يخيب من طلبه..).



استهدف هذا الحديث معرفة العدالة التي تعد من أجل الملكات النفسية لأن بها يتحرر الإنسان من أوضار المادة ومغريات النفس وشهواتها، ويسمو فوق الطين إلي أعلي الدرجات وأنبلها، وبذلك لم يعد عليه أي سلطان من النزاعات الفاسدة كما يستهدف أيضاً أن معرفة الرجل العادل الكامل في ورعه وتقواه ينبغي أن تستند إلي امتحان دقيق وخبرة شاملة لا إلي نظرة خاطفة ورأي سريع. من هذه الصفات التي نستشفها من خلال هذا الحديث:



أ - حسن السمت: ليس دليلاً كافياً علي العدالة والتقوي والأناقة في المظهر ليست دليلاً علي حسن الجوهر.



ب - إظهار الإصلاح: وهذا لا يعد دليلاً كافياً علي عدالة المسلم. لأنه قد يكون خداعاً ورياءً، واتخذ الدين وسيلة لنيل مآربه وتحقيق أطماعه وشهواته بعد أن عجز عن الظفر بها بسائر الوسائل الأخري.



ج - الامتناع عن المال الحرام: وهذا أيضاً ليس دليلاً علي التقوي، فقد يرغم نفسه علي ذلك ويحملها علي تحقيق أغراضه الشخصية التي لا صلة لها بالدين أصلاً(8).



أما الوسائل التي يستكشف بها كمال الورع والثقة في الدين فهي:



أ - اتباع أوامر الله، والانقياد الكامل لطاعته تعالي حيث توجه جميع طاقات المؤمن للحصول علي مرضاة الله والتقرب إليه، فالرجل العادل هو العبد الصالح التقي الذي تنبعث عدالته عن فكر وتأمل وإيمان.



ب - الزهد في طلب الإمارات الباطلة لأن ذلك من أوثق الدلالات علي العدالة والتقوي.



ج - أن يغلب عقل الإنسان شهواته وهواه.



يعتبر هذا الحديث من أرقي مراتب العدالة في الفقه والمرجعية(9).



فما هي صفات المؤمن وما هي صفات المنافق؟



لقد بين الإمام زين العابدين (عليه السّلام) صفات المؤمنين وصفات المنافقين بالحديث التالي، قال:



(المنافق ينهي ولا ينتهي، ويأمر ولا يأتي، إذا قام للصلاة اعتراض، وإذا ركع ربض، وإذا سجد نقر، يمسي وهمه العشاء، ولم يصم، ويصبح وهمه النوم ولم يسهر.



والمؤمن خلط علمه بحلمه، يجلس ليعلم، وينصت ليسلم لا يحدث بالأمانة للأصدقاء، ولا يكتم الشهادة للبعداء، ولا يعمل شيئاً من الحق رياءاً، ولا يتركه حياءاً، إذا زكّي خاف مما يقولون: ويستغفر الله لما لا يعلمون، ولا يضره جهل من جهله)(10).



نستنتج من هذا الحديث أموراً عدّة عن المنافق وعن المؤمن، فمن صفات المنافقين:



أ - المنافق يأمر بالمعروف ولا يأتي به، وينهي عن المنكر ولا ينتهي عنه، لأنه لم يكن يؤمن بذلك من أعماق نفسه، فهو يأمر وينهي للخداع والنفاق ليوهم الناس بأنه من خيارهم.



ب - إذا قام للصلاة اعترض علي تشريعها، كما أنه إذا ركع في صلاته هوي إلي الأرض، ربض، كالحيوان وأما سجوده فهو غير مستقر فيه، فمثله كمثل الطائر عند نقره الطعام.



ج - أشبه ما يكون بالبهيمة التي همها علفها، طعام ونوم وهو كذلك يصبح ويمسي ولا هم له سوي الطعام يعيش ليأكل وينام.



أما عن شخصية المؤمن وما تتحلي به من صفات فهي:



أ - تتحلي شخصية المؤمن بعنصرين أساسيين: العلم والحلم، فهو عالم وحليم، ومن اجتمعت فيه هاتان الصفتان بلغ أعلي مراتب الكمال في حياته الشخصية والاجتماعية.



ب - إذا جالس الناس يتعلم منهم العلم والحكمة، ولا يجلس في مجالس اللهو والبطالة التي تحط من كرامته وتضيع وقته هدراً بلا فائدة.



ج - يحفظ لسانه، فإذا نصت لأحد فإنما ليسلم منه، ويأمن شره والاعتداء عليه. فلا يخوض في كل حديث؛ ولا يدخل في مواطن الشبهات متجنباً مجالسة الفاسقين.



د - يحفظ السر ولا يفشيه لأحد حتي لأقرب الناس إليه إذا استؤمن علي شيء كتمه.



هـ - يعمل باقتناع وإيمان، فإذا قام بعمل لا يعمله رياءً وإنما خالصاً لوجه الله العلي القدير.



و - إذا تحمل الشهادة يدلي بها ولا يكتمها مهما كانت النتائج.



ز - إذا نعت ببعض الأوصاف الشريفة فلا يغتر ولا يتعالي ولا يخاف أن لا يكون قد اتصف بذلك، بل يستغفر الله لمن أطلق عليه تلك الأوصاف.



ح - لا يهتم بمن جهله ولا يقيم له وزناً، لأن الحقيقة سوف تبان وتظهر للعيان.



هذه الصفات التي يتحلي بها المؤمن تدل علي سمو ذاته، وكمال شخصيته، وعلو مكانته في الدنيا والآخرة.



5 - أفضل الأعمال عند الله:



سئل الإمام (عليه السّلام) عن أفضل الأعمال عند الله، فقال: (ما من عمل أفضل عند الله تعالي بعد معرفة الله، ومعرفة رسوله أفضل من بغض الدنيا، وإن لذلك شعباً كثيرة، وإن للمعاصي شعباً، فأول ما عصي الله به:



الكبر: وهو معصية إبليس حيث أبي، واستكبر، وكان من الكافرين.



والحسد: وهو معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء، وحب الدنيا، وحب الرياسة، وحب الراحة، وحب الكلام، وحب العلو، وحب الثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك... حب الدنيا رأس كل خطيئة، والدنيا دنيا بلاء..)(11).



الحقيقة التي تحف بنا وتتملكنا حبنا للدنيا وتهالكنا علي مفاتنها ومغرياتها. فالأخطار التي يمني بها الإنسان من سبب تهالكه علي الدنيا التي تجر له الكثير من المعاصي والآثام، فنتخبط في شر عظيم، وفتن كبيرة وبلاء خطير. لذلك حذرنا الإمام (عليه السّلام) من حب الدنيا وآفاتها الكثيرة التي منها:



1 - التكبر، 2 - الحسد، 3 - حب النساء، 4 - حب الرياسة، 5 - حب الراحة، 6 - حب الكلام: ويعني الكلام فيما لا يعني الإنسان ولا يهمه، 7 - حب العلو: يعني العلو علي الآخرين والتكبر، 8 - حب الثروة: تجميع المال وتكديسه بأي طريقة.



هذه الآفات الفردية والاجتماعية قد جعلت الإنسان يسلك طرقات خطرة، ومنعطفات أغرقته في بؤرة من الآثام، وأعمت بصيرته عن رؤية الحق، فبات غريباً عن الإسلام، منبوذاً في مجتمعه وبين قومه.



6 - حقيقة الموت:



وصفه الإمام (عليه السّلام) بالنسبة للمؤمنين والكافرين فقال: (الموت للمؤمن كنزع ثياب وسخة، وفك أغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب وأوطأ المراكب.



وللكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل من منازل أنيسة والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها، وأوحش المنازل وأعظمها..)(12).



وردت أحاديث كثيرة متواترة عن الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فإذا حل الموت بالمؤمن فإنه يري الأمر طبيعياً، ويجد بذلك الراحة الكبري لأنه ينتقل إلي نعيم الآخرة، إلي جنة عدن، يتبوأ الفردوس حيث يشاء.



وأما الكافر فإذا حل الموت به فإنه يري نفسه في ضيق شديد ويواجه الموت بحسرات وآلام وخوف لأنه ينتقل من الجنة إلي سجن موحش وعذاب دائم.



7 - الزهد:



سئل الإمام زين العابدين (عليه السّلام) عن الزهد فأجاب: (الزهد عشرة أشياء، فأعلي درجة الزهد أدني درجة الورع، وأعلي درجة الورع أدني درجة اليقين، وأعلي درجة اليقين أدني درجة الرضا(13)، ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله قوله تعالي: (لكيلا تأسوا علي ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)(14).



حفل هذا الحديث بحقائق هامة من المعرفة التي تنور عقل الإنسان وتشرح صدره للتلقي وفهم معاني الحياة علي حقيقتها، بعض هذه الحقائق العرفانية:



أ - إن أسمي درجة الزهد لا تعادل أدني درجة من الورع عن محارم الله الناشئ عن ضبط النفس، والسيطرة عليها.



ب - وأرقي درجة من الورع هي أدني درجة من اليقين بالله تعالي الذي هو من أسمي مراحل الإيمان.



ج - وأعلي مرتبة من اليقين هي أدني درجة من الرضا بما قسم الله تعالي فإنه جوهر الإيمان.



د - حقيقة الزهد حوته الآية الكريمة التي حذرت من الحسرة والأسي علي ما يفوت الإنسان من المنافع في دار الدنيا، كما حذرت من الفرح والابتهاج بما يكسبه الإنسان ويظفر من ملذات هذه الحياة ومفاتنها المادية، التي تؤول إلي تراب.



8 - الحب في الله:



دعا الإمام (عليه السّلام) المسلمين عامة إلي التحاب والمودة فيما بينهم خالصة لوجه الله تعالي لا يشوبها شائبة من شؤون المادة التي لا تلبث أن تزول وتتلاشي بوقت قريب. قال(عليه السّلام):



(إذا جمع الله الأولين والآخرين نادي مناد يسمعه الناس يقول: أين المتحابون في الله؟ فيقوم عنق من الناس، فيقال لهم: إذهبوا إلي الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم عن العمل الذي جازوا به إلي الجنة، فيقولون: نحن المتحابون في الله، فيقولون: وأي شيء كان أعمالهم؟ فيقولون: كنا نحب في الله ونبغض في الله فيقولون لهم: نعم أجر العاملين).



إن الحب في الله هو الحب الأصيل وهدفه في الحياة هو الهدف الشريف والمحب في الله عبد صالح يحب في الإنسان العمل الصالح فلا يأبه لمصلحة دنيوية رخيصة ولا لغاية شخصية دنيئة يهدف من ورائها تحقيق أطماعه الخاصة.



والبغض في الله هو كذلك، بغض للانحراف عن الحق وبغض للجهل والضلالة، وبغض للظلم والظلامة. والمبغض في الله غايته التقويم والإصلاح حتي تستقيم الأمور المحقة وتنشر العدالة رايتها علي كافة الربوع الإسلامية.



من هنا كان الحب في الله عاملاً موحداً يجمع بين قلوب المؤمنين ويوحد صفوفهم ضد أعداء الله، ويجمعون أمرهم حول هدف واحد يجمع ولا يشتت، ويوحد ولا يفرق لأنه ناشئ عن الإيمان العميق بالله تعالي الذي (يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو علي كل شيء قدير).

پاورقي

1 - سورة الشعراء: الآية88.



2 - سورة الإسراء: الآية37.



3 - سورة لقمان: الآية18.



4 - سورة الرعد: الآية11.



5 - سورة المائدة: الآية31.



6 - العتمة هي وقت صلاة العشاء.



7 - معاني الأخبار للصدوق، ص78.



8 - زين العابدين للقرشي، ص75 عن الاحتجاج، ج2، ص175.



9 - زين العابدين للقرشي، ص75 عن سفينة النجاة.



10 - بحار الأنوار، ج17، ص315. وسائل الشيعة، ج11، ص272. وتحف العقول، ص280.



11 - أصول الكافي: باب ذم الدنيا.



12 - معاني الأخبار للصدوق، باب136.



13 - أصول الكافي، باب ذم الدنيا.



14 - سورة الحديد: الآية57.