بازگشت

سيرة الإمام زين العابدين (عليه السّلام)


النسب:



هو الإمام المعصوم الرابع علي ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. والمعروف بين المحدثين بابن الخيرتين فأبوه: الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه من بنات ملوك الفرس. جاء ربيع الأبرار للزمخشري (إن لله من عباده خيرتين فخيرته من العرب بنو هاشم. ومن العجم فارس).



أمه:



اتفقت الروايات علي أن أمه من أشراف الفرس، ولكنها اختلفت في تاريخ الاستيلاء عليها من قبل المسلمين. هي: شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن كسري. قال فيه أبو الأسود الدؤلي:



وإن غـلاماً بين كسري وهاشم***لأكرم من نـيطت عليه التمائم



ولادته:



جاء في بعض الروايات أن ولادة علي بن الحسين (عليهما السلام) يوم الجمعة ويقال يوم الخميس(1) بين الخامس والعاشر من شهر شعبان(2) سنة ثمان وثلاثين أو سبع وثلاثين من الهجرة(3).



كنيته:



أبو محمد ويكني بـ(أبي الحسن) أيضاً.



ألقابه:



زين العابدين والسجاد وذو الثفنات والبكاء والعابد ومن أشهرها زين العابدين وبه كان يعرف كما يعرف باسمه. جاء في المرويات عن الزهري أنه كان يقول: (ينادي مناد يوم القيامة ليقيم سيد العابدين في زمانه فيقوم علي بن الحسين (عليه السّلام) ولقب بذي الثفنات لأن موضع السجود منه كانت كثفنة البعير من كثرة السجود عليه(4).



أما عن تسميته بالبكاء يروي الرواة عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) أنه قال: (بكي علي بن الحسين علي أبيه عشرين سنة ما وضع خلالها بين يديه طعام إلا بكي. وقال له بعض مواليه: جعلت فداك يا بن رسول الله، إني أخاف أن تكون من الهالكين، فقال: إنما أشكوا بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني لم أذكر مصرع أبي وإخوتي وبني عمومتي إلا خنقتني العبرة.



وقد روي الرواة كثيراً عن حزنه وبكائه فكان كلما قدم له طعام وشراب يقول: كيف آكل وقد قتل أبو عبد الله جائعاً، وكيف أشرب وقد قتل أبو عبد الله عطشاناًَ. وكان كلما اجتمع إليه جماعة أو وفد يردد (عليهم) تلك المأساة ويقص عليهم من أخبارها. وأحياناً يخرج إلي السوق فإذا رأي جزاراً يريد أن يذبح شاة أو غيرها يدنو منه ويقول: هل سقيتها الماء؟ فيقول له: نعم يا بن رسول الله إنا لا نذبح حيواناً حتي نسقيه ولو قليلاً من الماء، فيبكي عند ذلك ويقول: لقد ذبح أبو عبد الله عطشاناً. كان يحاول في أكثر مواقفه هذه أن يشحن النفوس ويهيئها للثورة علي الظالمين الذين استباحوا محارم الله واستهزأوا بالقيم الإنسانية والدعوة الإسلامية من أجل عروشهم وأطماعهم وقد أعطت هذه المواقف المحقة ثمارها وهيأت الجماهير الإسلامية في الحجاز والعراق وغيرها للثورة.



إمامته:



روي الكليني بإسناده عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (إن الحسين بن علي (عليهما السلام) لما حضره الذي حضره دعا ابنته الكبري فاطمة بنت الحسين (عليه السّلام) فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرة، وكان علي بن الحسين (عليهما السّلام) مبطوناً معهم لا يرون إلا أنه لما به فدفعت فاطمة الكتاب إلي علي بن الحسين (عليه السّلام) ثم صار ذلك الكتاب إلينا يا زياد‍! قال: قلت: ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟ قال: فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق الله آدم إلي أن تفني الدنيا والله إن فيه الحدود حتي إن فيه أرش الخدش(5) كما روي المجلسي بإسناده عن محمد بن مسلم قال:



(سألت الصادق جعفر بن محمد (عليه السّلام) عن خاتم الحسين بن علي (عليهم السلام) إلي من صار، وذكرت له إني سمعت أنه أخذ من إصبعه فيما أخذ قال (عليه السّلام): ليس كما قالوا، إن الحسين أوصي إلي ابنه علي بن الحسين (عليه السّلام) وجعل خاتمه في إصبعه وفوّض إليه أمره كما فعله رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بأمير المؤمنين (عليه السّلام) وفعله أمير المؤمنين بالحسن (عليهما السلام)، وفعله الحسن بالحسين (عليهما السلام)، ثم صار ذلك الخاتم إلي أبي بعد أبيه، ومنه صار إلي فهو عندي، وإلي لألبسه كل جمعة وأصلي به، قال محمد بن مسلم: فدخلت إليه يوم الجمعة وهو يصلي فلما فرغ من الصلاة مد إلي يده فرأيت في إصبعه خاتماً نقشه: لا إله إلا الله عدة للقاء الله. فقال: هذا خاتم جدي أبي عبد الله الحسين بن علي(6).



أولاده:



روي الشيخ المفيد أن أولاد علي زين العابدين (عليه السّلام) خمسة عشر بين ذكر وأنثي. أحد عشر ذكراً وأربع بنات(7). أكبرهم سناً وقدراً الإمام محمد بن علي الملقب بـ(الباقر). أمه فاطمة بنت الإمام الحسن (عليه السّلام) أولدت له أربعة هم: الحسن والحسين ومحمد الباقر وعبد الله وبه كانت تكني.



ومما يبدو أن أكبر أولاده محمد الباقر ولد له سنة سبع وخمسين هجرية وكان له من العمر عندما استشهد جده الحسين (عليه السّلام) في كربلاء ثلاث سنوات.



وله من الذكور أيضاً زيد وعمر وأمهما أم ولد.



والحسين الأصغر. وعبد الرحمن وسليمان أمهما أم ولد.



ومحمد الأصغر وعلي الأصغر وكان أصغر أولاده الذكور.



وخديجة وفاطمة وعليّة وأم كلثوم أمهن أم ولد.



وأما زيد بن علي الشهيد فقد نشأ في بيت الإمام زين العابدين حفيد الإمام علي بن أبي طالب باب مدينة العلم. هذا البيت الذي يعد مهد العلم والحكمة. تعلم فيه القرآن الكريم فحفظه واتجه إلي الحديث الشريف فتلقاه عن أبيه حتي أصبح بعد فترة واسع العلم والمعرفة. وبعد أن تركه والده في حدود الرابعة عشرة من عمره تعهده أخوه الإمام الباقر فزوده بكل ما يحتاج من الفقه والحديث والتفسير حتي أصبح من مشاهير علماء عصره ومرجعاً معروفاً لرواد العلم والحديث والحكمة والمعرفة. سافر إلي البصرة عدة مرات وناظر علماءها ومنهم واصل بن عطاء رأس المعتزلة يوم ذاك، ناظره في أصول العقائد.



وقد طلبه هشام بن عبد الملك إلي الشام وكان مجلسه حافلاً بأعيان أهل الشام وخاصته، فقال له: بلغني أنك تؤهل نفسك للخلافة وأنت ابن أمة، فأجابه زيد بن علي علي الفور:



ويلك يا هشام أمكان أمي يضعني؟ والله لقد كان اسحق ابن حرة وإسماعيل ابن أمة ولم يمنعه ذلك من أن بعثه الله نبياً وجعل من نسله سيد العرب والعجم محمد بن عبد الله، إن الأمهات يا هشام لا يقعدن بالرجال عن الغايات, اتق الله في ذرية نبيك.



فغضب هشام وقال: ومثلك يا زيد يأمر مثلي بتقوي الله؟



فرد عليه زيد بقوله: إنه لا يكبر أحد فوق أن يوصي بتقوي الله ولا يصغر دون أن يوصي بتقوي الله.



ومضي زيد في طريقه إلي الكوفة ثم إلي البصرة وأرسل رسائله ورسله إلي المدائن والموصل وغيرهما وانتشرت دعوته في سواد العراق ومدنه ولما بلغ أمره هشام بن عبد الملك أرسل إلي واليه علي العراق يوسف بن عمر يأمره بمضايقة زيد ومطاردته وحدثت معركة أصيب فيها زيد فدفنه أصحابه في مجري ماء حتي لا يصلب أو يحرق، لكن ذلك لم يفده. أحدث قتله استياءً عاماً في جميع المناطق الإسلامية وتجدد البكاء علي أهل البيت ولف الحزن كل من يحبهم ويسير علي خطاهم.



وممن تحدثت عنهم كتب الأنساب من أولاد الإمام علي زين العابدين عبد الله بن علي الملقب بالباهر:



كان فاضلاً فقيهاً روي عن آبائه وأجداده أحاديث كثيرة. روي بعضهم قال: سألت أبا جعفر الباقر: أي إخوانك أحب إليك وأفضل؟ فقال: أما عبد الله فيدي التي أبطش بها، وأما عمر فبصري الذي أبصر به. وأما زيد فلساني الذي أنطق به، وأما الحسين فحليم يمشي علي الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً وكان عبد الله يلي صدقات رسول الله وصدقات أمير المؤمنين(8). وأما عمر فقد كان ورعاً جليلاً وسخياً كريماً تولي صدقات جده (عليه السّلام) واشترط علي كل من يبتاع ثمارها أن يثلم في الحائط ثلمة لكي تأكل منها المارة ولا يرد أحداً عنها، ويروي عنه أنه قال:



المفرط في حبنا كالمفرط في بغضنا أنزلونا بالمنزل الذي أنزلنا الله به ولا تقولوا فينا ما ليس بنا إن يعذبنا الله فبذنوبنا وإن يرحمنا فبرحمته وفضله علينا.



وأما الحسين بن علي (عليه السّلام) فإنه كان فاضلاً ورعاً يروي عن أبيه علي بن الحسين وعمته فاطمة بنت الحسين (عليه السّلام) التي أودعها الحسين عند خروجه من المدينة إلي كربلاء وصيته، كما روي عن أخيه أبي جعفر الباقر. وقد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السّلام)(9).



والإمام محمد بن علي زين العابدين المعروف بالباقر عاش سبعة وخمسين عاماً أدرك فيها جده الحسين (عليه السّلام) ولزمه نحواً من أربع سنوات وعاش مع أبيه السجاد بعد جده خمساً وثلاثين سنة وفي طفولته كانت المحنة الكبري التي حلت بأهل البيت في كربلاء واستشهد فيها جده الحسين ومن معه من إخوته وبني عمه وأصحابه (عليهم السّلام) جميعاً وتجرع هو مرارتها وشاهد بعدها جميع الرزايا والمصائب التي توالت علي أهل بيته من قبل الحكام الطغاة الذين تنكروا للقيم والأخلاق وجميع المبادئ الإسلامية وعاثوا فساداً في البلاد ولم يتركوا رذيلة واحدة إلا مارسوها بشتي أشكالها ومظاهرها، في قصورهم الفخمة الأنيقة ونواديهم القذرة الفاجرة.



في هذا الجو المشحون بالظلم والقهر والفساد وجد الإمام الباقر (عليه السّلام) وقد علمته الأحداث الماضية مع آبائه وأجداده خذلان الناس له في ساعات المحنة أن ينصرف عن السياسة ومشاكل السياسيين ومؤامراتهم إلي خدمة الإسلام ورعاية شؤون المسلمين عن طريق الدفاع عن أصول الدين الحنيف ونشر تعاليمه وأحكامه فناظر الفرق التي انحرفت في تفكيرها واتجاهاتها عن الخط الإسلامي الصحيح كمسألة الجبر والإرجاء التي روّجها الحكام لمصالحهم الشخصية. لقد فرضت عليه مصلحة الإسلام العليا أن ينصرف إلي الدفاع عن العقيدة الإسلامية فالتف حوله العديد من العلماء والكثير من طلاب العلم والحديث من الشيعة وغيرهم.



كان عالماً عابداً تقياً ثقة عند جميع المسلمين، روي عنه أبو حنيفة وغيره من أئمة المذاهب المعروفة(10).



جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: لقد أخبرني رسول الله بأني سأبقي حتي أري رجلاً من ولده أشبه الناس به وأمرني أن أقرأه السلام واسمه محمد يبقر العلم بقراً، ويقول الرواة إن جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله، وفي آخر أيامه كان يصيح في مسجد رسول الله يا باقر علم آل بيت محمد، فلما رآه وقع عليه يقبل يديه وأبلغه تحية رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم)(11).



وقال فيه محمد بن طلحة القرشي الشافعي: محمد بن علي الباقر هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورفعه، صفا قلبه وزكا عمله وطهرت نفسه وشرفت أخلاقه وعمرت بطاعة الله أوقاته ورسخت في مقام التقوي قدمه، فالمناقب تسبق إليه والصفات تشرف به له ألقاب ثلاثة: باقر العلم، والشاكر والهادي وأشهرها الباقر وسمي كذلك لتبقره العلم وتوسعه فيه.



إخوته:



كان للإمام علي بن الحسين (عليهما السّلام) أخوان علي الأكبر، وعبد الله الرضيع. وقد قتل علي الأكبر مع أبيه في كربلاء، ولا بقية له، وأمه كانت آمنة بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمها بنت أبي سفيان بن حرب.



أما عبد الله الرضيع فأمه الرباب بنت امرئ القيس وقد قتل أيضاً مع أبيه وأخيه يوم الطف(12).



أخواته:



وكان له أختان أيضاً: سكينة وفاطمة، فسكينة أمها الرباب بنت امرئ القيس، وأما فاطمة فأمها أم اسحاق بن طلحة بن عبيد الله.



فيكفي في جلالتها كلام الإمام الحسين (عليه السّلام) مع ابن أخيه الحسن بن الإمام الحسن (عليه السّلام) لما جاء إليه خاطباً إحدي ابنتيه: أما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله، فلا تصلح لرجل(13) كانت وفاتها في المدينة سنة 117هـ.



أمّا أختها فاطمة فيكفي في فضلها كلام الإمام الحسين (عليه السّلام) مع ابن أخيه الحسن بن الإمام الحسن: أختار لك فاطمة فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم): أمّا في الديــن فتقوم الليــــل كله وتصوم النهار(14) وفاتها في المدينة سنة 117هـ عن أكثر من سبعين سنة.

پاورقي

1 - إعلام الوري للشيخ الطبرسي، ص256.



2 - مطالب المسؤول لمحمد بن طلحة الشافعي، ص203.



3 - الإرشاد للشيخ المفيد، ص237.



4 - أعلام الوري، ص256.



5 - الكافي، ج1، ص241 وما بعد.



6 - البحار، ج11، ص6.



7 - الإرشاد، ص244، قارن بالفصول المهمة لابن الصباغ والطبقات لابن سعد.



8 - الإرشاد للمفيد.



9 - المصدر نفسه.



10 - راجع طبقات ابن سعد.



11 - سيرة الأئمة الاثني عشر، ص198.



12 - ولد حمله الحسين (عليه السّلام) نحو جماعة عمر بن سعد قائلاً لهم: لم يبق لي سوي هذا الطفل الرضيع فاسقوه، فقد جف اللبن من ثدي أمه، فاختلف الجند فيما بينهم، منهم من قال: اسقوه، ومنهم من قال: لا تسقوه فقال ابن سعد لحرملة بن كاهل الأسدي: اقطع نزاع القوم، فرماه حرملة بسهم بنحره فذبحه، فبسط الحسين سيد الشهداء كفه تحت نحر الطفل، فلما امتلأت دماً رمي به نحو السماء وقال: رب هون علي ما نزل بي أنه بعين الله. اللهم لا يكن عليك أهون من فصيل ناقة صالح. ثم عاد به إلي المخيم وقيل طرحه بين القتلي من أهل بيته.



13 - اسعاف الراغبين: 21.



14 - ادب الطف 1 / 164.