بازگشت

تصاعد النفوذ


غير انّه قد رأي تصاعد النفوذ الشعبي لزين العابدين(عليه السلام)، وقوة جماهيريته فامتلا حقداً عليه وتربّصاً به، وخصوصاً عندما حج هشام بن عبدالملك، فاراد ان يستلم الحجر الاسود فلم يستطع لشدة ازدحام الناس فبقي ينتظر الفرصة.



ولمّا اقبل الامام زين العابدين صلوات الله عليه انفرج الناس له هيبة واجلالاً واكباراً لشخصه الكريم فاستلم الحجر الاسود.



ويسأل بعض اصحاب هشام عن هذا الرجل الذي لقي كل حفاوة وتكريم، ومحاولة لتغطية الموقف، ولئلاّ يرغب بزين العابدين يجيب هشام بالنفي عن معرفة مثل هذا الشخص.



وكان الفرزدق حاضراً، مستمعاً للسؤال وللتجاهل في الجواب، فقال: انا اعرفه.. وانطلق ينشد رائعته التاريخيّة:



هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم



هذا ابن خير عباد الله كلّهم هذا التقي النقي الطاهر العلم



اذا رأته قريش قال قائلها الي مكارم هذا ينتهي الكرم



ينمي الي ذروة العز التي قصرت عن نيلها عرب الاسلام والعجم



يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم



يغضي حياءً ويغضي من مهابته فلا يكلّم الاّ حين يبتسم



في كفّه خيزران ريحه عبق من كف اروع في عرنينه شمم



ينشق نور الهدي من نور غرتّه كالشمس تنجاب عن اشراقهاالظلم



منشقّة من رسول الله نبعته طابت عناصره والخيم والشيم



هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله بجدّه انبياء الله قد ختموا



الله شرّفه قدماً وعظّمه جري بذاك له في لوحه القلم



وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من انكرت والعجم



كلتا يديه غياث عمّ نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم



سهل الخليقة لا تخشي بوادره يزينه اثنان حسن الخلق والشيم



حمّال اثقال اقوام اذا فدحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعم



لا يخلف الوعد ميمون نقيبته رحب الفناء اريب حين يعتزم



عم البرية بالاحسان فانقشعت عنها العماية والاملاق والعدم



ما قال لا قط الاّ في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعم



من معشر حبّهم دين وبغضهم كفر وقربهم منجيً ومعتصم



لا يستطيع جواد بعد غايتهم ولا يدانيهم قوم وان كرموا



هم الغيوث اذا ما ازمة ازمت والاسد اسد الشري والبأسُ محتدم



لا ينقص العسر بسطاً من اكفّهم سيّان ذلك ان اثروا وان عدموا



مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم في كل بدء ومختوم به الكلم



يأبي لهم ان يحل الذم ساحتهم خيم كريم وايد بالندي هضم



أي الخلائق ليست في رقابهم لاولية هذا او له نعم



من يعرف الله يعرف اولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الامم(312)



فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب، ثمّ انّه اخذ الفرزدق وحبسه ما بين مكة والمدينة، وبلغ علي بن الحسين امتداحه فبعث اليه بعشرة آلاف درهم فردّها وقال: والله ما مدحته إلاّ لله تعالي لا للعطاء، فقال علي بن الحسين: قد عرف الله له ذلك، ولكنّا اهل بيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده، فقبلها منه.



وقال الفرزدق يهجو هشاماً لحبسه ايّاه:



ايحبسني بين المدينة والتي اليها قلوب الناس يهوي منيبها



يقلّب راساً لم يكن راس سيد وعينا له حولاء باد عيوبها



وبقي الفرزدق في الحبس اربعة اشهر، فبذل فيه الامام زين العابدين(عليه السلام)اربعمائة دينار حمراء، واطلقه من الحبس.

پاورقي

(312) ديوان الفرزدق 2/ 178، ابن عساكر / تاريخ دمشق، نسخة مصوّرة، ابو نعيم الاصفهاني، حلية الاولياء 3/ 139، ابن الصباغ المالكي، الفصول المهمة / ص 207 ـ 208 و المصادر كثيرة جداً.