بازگشت

عبدالله بن الزبير


كان عبدالله بن الزبير من النفر الذين يحذرهم معاوية بن ابي سفيان، ويحذر ولده يزيد منهم.



وما ان ولي يزيد الخلافة حتي رفض ابن الزبير بيعته، واشتد عليه معتصماً بمكة.



وبعد موت يزيد اشتد امره وقوي سلطانه. وابن الزبير عدو لدود وخصيم مارد ضد آل محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم).



ولقد كان ابوه سنداً قوياً للامام علي(عليه السلام) فاستطاع الولد ان يصرفه عن توجّهه العلوي وفي ذلك يقول الامام علي صلوات الله عليه: «كان الزبير رجلاً منا اهل البيت حتي شبّ ولده المشؤوم عبدالله».



واشترك ابن الزبير في الجمل محارباً لعلي(عليه السلام) وصنع ما صنع قبيل الحرب وابّانها حتي اطفأ مالك الاشتر جمرته. وبعد الانتصار صفح عنه الامام واعرض.



غير ان ابن الزبير ممّن لا يقابل الاحسان بالاحسان، وكان يسب الامام علياً(عليه السلام) في خطبته.



قال المسعودي: خطب ابن الزبير فنال من علي فبلغ ذلك ابنه محمّد بن الحنفية فجاء حتي وضع له كرسي قدامه فعلاه وقال: يا معشر قريش شاهت الوجوه اينتقص علي وانتم حضور؟ ان علياً كان سهماً صادقاً احد مرامي الله علي اعدائه(307)...



ويسجن ابن الزبير محمد بن الحنفية(عليه السلام) ومجموعة من بني هاشم في شعب ويريد احراقهم، فيرسل المختار الثقفي وحدة عسكرية في سبيل انقاذهم.



فما شعر ابن الزبير إلاّ والرايات تخفق علي رأسه.



قال الديّال بن حرملة: فجئنا الي بني هاشم فاذا هم في الشعب، فاستخرجناهم فقال لنا ابن الحنفية لاتقاتلوا إلاّ من قاتلكم، فلمّا رآي ابن الزبير تنمّرنا له وإقدامنا عليه لاذ بأستار الكعبة وقال: أنا عائذ بالله(308).



لقد كان عبدالله بن الزبير يحسن التمثيل ويجيد التلوّن، فان شاءت الظروف كان جبّاراً عصيّاً، وان شاءت الظروف كان عبداً تقيّاً، رافعاً كف الخشوع للرب عزّوجلّ، مستجيراً بالبيت العتيق، عائذاً بالله.



ولقد كان الامام زين العابدين(عليه السلام) كثير الحذر من قيادة ابن الزبير، شديد التخوف من فتنتها، تساوره الاشجان وتعتريه الاحزان، ولا نحسب ان تفكيره وآلامه من بلاء القيادة الاموية اقل من تفكيره وآلامه من بلاء القيادة الزبيرية، إذ ان القيادتين معا تجتهدان بان تأتيا علي بنيان اهل البيت من القواعد، وتشيّدا صروح الاهواء والجاهلية والنزوات الرخيصة.



قال ابو حمزة الثمالي رضوان الله عليه: اتيت باب علي بن الحسين(عليهما السلام)فكرهت ان انادي، فقعدت علي الباب الي ان خرج فسلّمت عليه ودعوت له فردّ عليّ ثم انتهي بي الي حائط، فقال: يا ابا حمزة الا تري هذا الحائط؟ فقلت بلي يا سيدي فقال: فاني متكئ عليه يوماً وانا حزين مفكر، اذ دخل علي رجل حسن الوجه، حسن الثياب طيّب الرائحة فنظر في تجاه وجهي ثم قال لي: يا علي بن الحسين مالي اراك كئيباً حزيناً علي الدنيا فهو رزق حاضر يأكل منه البر والفاجر، فقلت: ما عليها احزن وانّها كما تقول، فقال: علي الاخرة فهي وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر، فقلت: ما علي هذا احزن وانّها كما تقول، قال: فعلام حزنك؟ قلت: الخوف من فتنة ابن الزبير، قال: فضحك، ثم قال: يا علي هل رأيت احداً سأل الله تعالي فلم يعطه قلت: لا، ثم نظرت فاذا ليس قدامي احد(309).



ينبغي ان يكون واضحاً ان تخوّف الامام زين العابدين(عليه السلام) ـ وهو الشجاع المقدام ـ من فتنة ابن الزبير ليس تخوفاً علي شخصه ولا علي المآرب الذاتية لانّه كان في الدرجة العليا من الايثار والتضحية، وانّما كان متخوفاً علي الاسلام والمصلحة العامة.



ولقد ظلّ عبدالله بن الزبير في الحكم ـ خليفة ـ تسع سنين ثم قتله اهل الشام سنة ثلاث وسبعين في خلافة عبدالملك بن مروان، وبذلك تخلّص عبدالملك بن مروان من منافس خطير وعدو شديد.

پاورقي





(307) مروج الذهب 3 : 76 ـ 77.



(308) المصدر السابق.



(309) ابو الفداء بن كثير الدمشقي ت (774 هـ) البداية والنهاية 5/ 119 ـ 120، وابن عساكر / تاريخ دمشق / مصوّرة، وذكرها الشيخ المفيد في الارشاد / ص 258 وفي الامالي، وابن الصباغ المالكي، الفصول المهمّة / ص 203.