بازگشت

الامام زين العابدين (عليه السلام) وسياسة الحكم القائم


يحدد الفقه السياسي في الاسلام جملة من المرتكزات لمنح الشرعية للحاكم الاسلامي. وسوف لا نأخذ بنظر الاعتبار نظرية خاصة دون اخري بل سنشير باختصار الي مختلف النظريات العامة حول ذلك.



اولاً : يستند الحاكم الاسلامي في الشرعية الي الدليل اللفظي، اي الي وجود النص عليه من قبل الله ورسوله(صلي الله عليه وآله وسلم).



وهذا ما كان يعتمده اهل البيت وعامة الشيعة. واما غير الشيعة من المسلمين فانهم لا ينكرون ذلك بل يقدمونه علي كل المستندات الشرعية الاخري، ولكنهم يذهبون الي ان الرسول(صلي الله عليه وآله وسلم) لم ينص علي شخص معين بالفصل وانما ترك ذلك للمسلمين. نعم ان قسماً قليلاً منهم ـ لا سيما من المعاصرين ـ يذهبون الي انه(صلي الله عليه وآله وسلم) قد نص علي الامام علي(عليه السلام).



ثانياً: تعيين اهل الحلِّ والعقد والشوري، للحاكم.



وهذا مورد اتفاق بين المسلمين اعتماداً علي صريح الكتاب والسنة. الا انه قد وقعت بعض الاختلافات حول التفصيلات في ذلك.



ثالثاً : تعيين الحاكم السابق للحاكم اللاحق، فيما اذا كان الاول يمتلك الاساس الشرعي في الحكم.



وهذا مما اجمع عليه المسلمون قاطبة.



رابعاً : قد جعل بعض الفقهاء الانتخاب الجماهيري وسيلة من الوسائل الشرعية لتعيين الخليفة او الرئيس.



اقول :



وهو نعم الرأي، فيما اذا كانت الجماهير تتسم بالشرائط التالية :



أ ـ امتلاك الروح الدينية.



ب ـ امتلاك الوعي السياسي.



ج ـ ان يكون اهل الحل والعقد او قسم منهم في جملة المنتخبين.



خامساً : ويري بعضهم ان الحاكم قد لا يكون مستنداً الي الشرعية في الحكم، ولكنه اذا حكم بالعدل واقام السنة وامات البدعة فانه يستحق الحكم بهذه المسوغات كعمر بن عبدالعزيز فانه لم يحكم ارتكازاً الي قاعدة شرعية وانما عينه الخليفة قبله وهذا الاخير فاقد للشرعية وفاقد الشيء لا يعطيه اذ يكون حكم عمر بن عبدالعزيز عن طريق القوة بصورة أو بأخري. وهذا لا يكفي مسوِّغاً للحكم. ولكن حكمه بالعدل والكتاب والسُّنة اضفي عليه طابع الشرعية.



اقول:



وهذا الرأي يشبه الي حد بعيد ما قاله جان جاك روسو Jean jaquesRousseau: «يستحيل علي القوي ان يظل سيد الموقف الا اذا استطاع ان يحوّل قوته الي حق، وطاعته الي واجب».



ولكن لا يخفي علي القارئ الكريم ان من آفات الرأي الاخير انه يفتح الباب علي مصراعيه لمختلف السياسيين، بما فيهم من ازدواجيين ونفعيين للاشتياق الي الحصول علي عرش الحكم بذريعة اقامة العدالة لو حكموا، وانهم يطبقون حكم الله ورسوله(صلي الله عليه وآله وسلم) . سواء من السياسيين من يصدق لو استلم أزمَّة الحكم، ومن يكذب (وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين).



وهكذا نعرف بوضوح ان القوة وحدها في التغلب علي الحكم ليست مبرراً للحاكم في التسلط علي الرقاب، لان نظرية القوة ليست من نظريات الفقه السياسي في الاسلام.



نعم ان نظرية القوة في ا لاستيلاء علي الحكم تتمتع بانصار كثيرين قديماً وحديثاً، سواء ممن زاولوا الحكم عن طريقها فحسب، او من انصار السياسة الاستبدادية أو من الكتاب والفلاسفة الذين يتجهون الي هذا التفكير في فلسفة الحكم ونشوء الدولة. ومن هذا المنطلق فإن الدولة سوف تكون تنينا كبيرا يضم مختلف افراد المجتمع علي حد تعبير توماس هوبز Thomas Hobbes.



لا يقّر الاسلام ان كل من تسلّم مقاليد الحكم، وتسنّم دفة الدولة اصبح حاكما اسلامياً، او خليفة اسلامياً، أو اميرالمؤمنين، أو غير ذلك من الاصطلاحات السياسية الصادقة والكاذبة، اذ ان ادّعاء الاسلام فحسب ليس يكفي لان يندرج الانسان في الاسلاميين ـ رعيةً ـ فضلاً عن ان يكون خليفة اسلامياً وراعياً للامة يحكم الناس باسم القرآن والسنّة.



ان الادّعاء وحده يفتقر الي الادلّة العملية التي تثبت صدقه، وتبرهن علي واقعيته.



وهنا نود ان نعرف ومن منطلق النظرية السياسية لدي الامام زين العابدين(عليه السلام) هل كان الحكم الاموي قائماً علي اساس النظرية الاسلامية في السياسة والحكم ام لا؟.



جاء في الصحيفة السجادية الكاملة من دعائه(عليه السلام) يوم الاضحي ويوم الجمعة: «اللهم ان هذا المقام لخلفائك واصفيائك ومواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها و انت المقدّر لذلك لا يغالب امرك ولا يجاوز المحتوم من تدبيرك كيف شئت وانّي شئت ولما انت اعلم به غير متّهم علي خلقك ولا لارادتك حتي عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدّلاً، وكتابك منبوذاً وفرائضك محرّفة عن جهات اشراعك وسنن نبيّك متروكة.



اللّهم العن اعداءهم من الاولين والاخرين ومن رضي بفعالهم واشياعهم واتباعهم».



اعلمت من خلفاء الله واصفياؤه وامناؤه علي رسالته؟



ومن يعني الامام زين العابدين بهذه الكلمات؟



انّه يعني اهل البيت النبوي، وانّه لمنهم في الصميم.



اما القيادة السياسية الحاكمة في عصره فانها وان تسمّت بالخلافة وتظاهرت بتطبيق المبادئ الاسلامية لكنّها قد بدلت حكم الله، ونبذت كتابه، وحرمت فرائضه، وتركت سنن نبيه حسب ما جاء عن الامام زين العابدين(عليه السلام)في الدعاء المذكور.



ولسنا هنا بصدد تفصيل حياه القادة السياسيين في الدولة الاموية وتبيان خطّهم السياسي وتوسعة البحث عن سلوكهم واعمالهم، فذلك موكول الي مظانّه، ولكنّا هنا نحاول ان نستلهم جوانب من مواقف زين العابدين تجاه تلك القيادة، ونريد ان نطّلع علي مواقفهم منه(عليه السلام) مع اشارات سريعة الي شخصياتهم، ونعني بذلك من ناحية التاريخ السياسي المدة الواقعة بين تسلّم الامام زين العابدين(عليه السلام)للزمام القيادي حتي مصيره الي ربه (61 ـ 94).



ان اول خليفة معاصر للامام زين العابدين(عليه السلام) في هذه المدة: