بازگشت

المناظرات


مقدمة



هي في الاصل المجادلات التي تستند علي ادلة منطقية يهدف فيها الطرفان الي اثبات صحة عقيدة او فلسفة او سياسة... او تفنيد ذلك غير ان ابتغاء الباطل في الناس كثير و ما اكثره، ولهذا يعتمد الكثيرون علي ادلة ايهامية او سوفسطائية من اجل مساندة موقف او رأي مهما كان مرتكزه.



ولا بد للمناظر ـ في الاساس ـ من ان يمتلك وضوحاً في الرؤية، لئلا يتلكأ في المناظرة او يقع في المتناقضات.



وكان الفيلسوف النمساوي لودفيج يوهان فتجنشتين ( 1889 ـ 1951م ) يعتقد أن كل ما يمكن التفكير فيه علي الاطلاق يمكن التفكير فيه بوضوح، وكل ما يمكن ان يقال يمكن قوله بوضوح(272).



كما ان المناظر في حاجة الي قوة الارتجال، ونشاط عقلي فعّال، وقدرة متمكنة علي اقتناص نقاط الضعف عند المقابل، وقد تكون المناظرات من اجل المناظرات، او في سبيل اثبات القدرة الجدلية، كالذي يستخدمه بعض عشّاق السفاسف. فكأنما يلهون بادوات الشطرنج، او كالذي يريد ان يهتف في وسط مفرّغ من الهواء.



وهكذا تضيع الحقائق، ويهدر رونق الواقع. وما اشبه هؤلاء بقوم عاطلين وفارغين في اليونان، كانوا يعبثون بالالفاظ، ويقلّبون المعاني علي غير وجوهها، ويتّخذون المناظرات وسيلة للّهو العابث مما حدا بالفيلسوف الكبير ارسطو طاليس ان يضع موازين خاصّة للمناظرات، وقوانين لمعرفة صحة الكلام من فساده ـ حسب رأيه ـ في كتاب يعرف بالمنطق.



وعلي هذا الاساس لا يمكن ان نعتبر المناظرات او مطلق الكلام افضل من الصمت في جميع الاحوال، بل لكل من الصمت والكلام محاسن ومساوئ، والحكيم من استطاع دقة التمييز ما بينهما، وتجنب ما لا ينفع.



ولقد سئل الامام زين العابدين(عليه السلام): ايّهما افضل السكوت ام الكلام؟ فقال(عليه السلام): لكل واحد منهما آفات، فاذا سلما من الافات فالكلام افضل.



قيل فكيف ذلك يا بن رسول الله؟



فقال: ان الله سبحانه لم يبعث الانبياء والاوصياء بالسكوت، انما بعثهم بالكلام.. ولا استحقت الجنة بالسكوت.. ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت.. ولا توقيت النار بالسكوت.. ولا تجنب سخط الله بالسكوت. انما ذلك كله بالكلام. وما كنت لاعدل القمر بالشمس، وانّك تصف فضل السكوت علي الكلام، ولست تصف فضل الكلام علي السكوت.



وقال(عليه السلام) ايضاً علي لسان حال الجوارح واللسان كما في رواية ابي حمزة الثمالي: ان لسان ابن آدم يشرف علي جوارحه كل صباح فيقول: كيف اصبحتم؟ فيقولون: بخير ان تركتنا.. ثم يقولون : الله فينا، ويناشدونه ويقولون: انما نثاب ونعاقب بك.