بازگشت

اطلالة اخري


ويطل الامام زين العابدين(عليه السلام) مرة اخري علينا بهذه الخطبة من خطبه السياسية الرائعة التي لم نذكرها الي حد الان.



لقد حدد الامام(عليه السلام) في هذه الخطبة الشخصية الاسلامية الحقة التي تعتبر المثل الاعلي للمجتمع والقوة للجميع. كما يؤكد فيها علي الدقة والتحقيق في الهوية العقائدية والمنحي الواقعي لانماط اجتماعية كثيرة تتظاهر بالورع والزهد والتقوي، بينما تفصح حقيقة انفسهم انهم علي خلاف ذلك. وانما يصنعون من ذلك ما يصنعون تستّرا علي نواياهم الخبيثة واغراضهم الدنيئة.



يقول الامام زين العابدين(عليه السلام):



«اذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه، وتمارث في منطقه، وتخاضع في حركاته فرويدا لايغرنكم، فما اكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب المحارم فيها، لضعف بنيته ومهانته وجبن قلبه، فنصب الدين فخاً لها، فهو لايزال يختل الناس بظاهره، فان تمكن من حرام اقتحمه. فاذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام.. فرويداً لا يغرنكم، فان شهوات الخلق مختلفة، فما اكثر من ينبو عن المال الحرام وان كثر، ويحمل نفسه علي شوهاء قبيحة فيأتي منها محرّما.



فاذا وجدتموه يعفّ عن ذلك.. فرويدا لا يغرنّكم حتي تنظروا ما عقده عقله. فما اكثر من يترك ذلك اجمع ثم لا يرجع الي عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله اكثر ممّا يصلحه بعقله.



فاذا وجدتم عقله متينا.. فرويدا لايغرنكم حتي تنظروا مع هواه يكون علي عقله؟ او يكون مع عقله علي هواه؟ وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها؟ فان في الناس من خسر الدنيا والاخرة بترك الدنيا للدنيا، ويري ان لذة الرئاسة الباطلة افضل من لذة الاموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك اجمع طلبا للرئاسة، حتي: (اذا قيل له اتّق الله اخذته العزّة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد )(270).



فهو يخبط خبط عشواء.. يقوده اول باطل الي ابعد غايات الخسارة، ويمدّ به يده بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه.. فهو يحلّ ما حرّم الله، ويحرّم ما احلّ الله. لا يبالي ما فات من دينه اذا سلمت له الرئاسة التي قد شقي من اجلها، فاولئك مع الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاباً مهينا.



ولكنّ الرجل.. كلّ الرجل.. نعم الرجل : هو الذي جعل هواه تبعا لامر الله، وقواه مبذولة في رضاء الله تعالي، يري الذل مع الحق اقرب الي عز الابد من العز في الباطل ويعلم ان قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤديه الي دوام النعم في دار لا تبيد ولا تنفد، وان كثير ما يلحقه من سرّائها ـ ان اتبع هواه ـ يؤديه الي عذاب لا انقطاع له ولا زوال، فذلكم الرجل نعم الرجل، فبه فتمسّكوا، وبسنّته فاقتدوا، والي ربكم فيه فتوسلوا، فانه لا ترد له دعوة، ولا تخيب له طلبة»(271).

پاورقي





(270) البقرة / الاية 206.



(271) نسخة خطية من التفسير المنسوب للامام الحسن العسكري (عليه السلام).