بازگشت

من الفلسفة السياسية للزهد


حقاً ان هذا منعطف مهم جداً في فلسفة الزهد. فاذا كان المتبادر الي الاذهان من معني الزهد، الزهد في الطعام والشراب والملبس، فهذا صحيح لا سيما اذا كان المجتمع بحاجة الي هذا اللون. ولكنّ الذي هو اهم ان يزهد الانسان في الركون الي القوي الشريرة، والطغيان والاستبداد، او كما قال الامام زين العابدين(عليه السلام) « ولا تركنوا الي الدنيا فان الله قال لمحمد(صلي الله عليه وآله وسلم): (ولا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار)» انّ الله تعالي لم يتوعّد بالنار من لم يزهد بالمطعم والمشرب والملبس ونحوها. وان كان الزهد فيها في اكثر الحالات يشير الي الرفعة، وسمو الذات. ولكن الله تعالي توعّد بالنار اولئك الذين لم يزهدوا بالركون الي الظالمين (ولا تركنوا....) اذا كان الزهد في الافراط بالمشتهيات مستحبا، فان الزهد في الركون الي الظالمين واجب لا ريب فيه.



وعلي ضوء مقولة الامام زين العابدين(عليه السلام): «ولا تركنوا الي الدنيا...» حول هذا الزهد الناهض، والمتضمن بقوة للوعي السياسي نستطيع ان نعي الكثير من الاحاديث الداعية للزهد والمرغّبة فيه.



ان قول الامام زين العابدين(عليه السلام): «ولا تركنوا الي الدنيا...» لا يعني بالضرورة ان الزهد يقتصر علي حالة عدم الركون للظالمين، اذ من الواضح ان الزهد في الافراط بالمشتهيات قد ورد في روايات كثيرة غير قابلة للتأويل. ولكنه(عليه السلام) يؤكد علي اهم فرد من افراد الزهد واعظم مصداق من مصاديقه الا وهو الزهد في الركون الي الظالمين .



ومن خطب الامام زين العابدين(عليه السلام) السياسية : الخطبة التي ادلي بها في دمشق امام يزيد بن معاوية، وبحضور حشد جماهيري من اهل الشام. وكذا الخطبة التي القاها علي اهل المدينة المنورة، بعد توجهه من الشام اليها. وقد اوردنا الخطبتين معا ضمن هذا الكتاب