بازگشت

وجهة التعامل:


قبل التوغل في وجهة التعامل لابد لنا ان نعرف الاصناف التي نتعامل معها لان المجتمع لم يكن طبقة واحدة من حيث السلوك والتوجّه، ولو أنه كذلك اذن يصح الاتيان بصيغ من نمط واحد نطبقها علي الطبقة الواحدة، بل يختلف اختلافاً بيّناً واختلافه علي نحوين:



النحو الاول: اختلاف بين الانحراف وعدم الانحراف.



النحو الثاني: اختلاف في نفس ظروف الانحراف من حيث المسار.



يقول الامام زين العابدين(عليه السلام) في طبقات المجتمع وهو ينعت عصره إلاّ انه ليس ثمَّ فارق كبير بين طبقات عصره وطبقات العصر الراهن. يقول: الناس في زماننا علي ست طبقات: اسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير وشاة.



فاما الاسد فملوك الدنيا يحب كل واحد ان يغلب فلا يغلب. واما الذئب فتجاركم، يذمّون اذا اشتروا، ويمدحون اذا باعوا. واما الثعلب فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم ولا يكون في قلوبهم ما يصفون بالسنتهم. واما الكلب فيهرّ علي الناس بلسانه، ويكرمه الناس من شر لسانه. واما الخنزير فهؤلاء المخنثون وأشباههم لايُدعون الي فاحشة إلا اجابوا. واما الشاة فهم المؤمنون الذين تُجز شعورهم، وتؤكل لحومهم، ويُكسر عظمهم، فكيف تضع الشاة بين اسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير؟(81).



ان التعامل مع هؤلاء يكون تارة باعتبارهم مسلمين واخري بما لهم من حقوق وثالثة بكونهم بشراً لهم القابلية للانحراف.



فاما الخط العام للتعامل معهم بالاعتبار الاول أي أنهم مسلمون فهذا الذي يستعرض الامام زين العابدين(عليه السلام) جوانبه بكلماته:



فأما حق اهل ملتك فإضمار السلامة، ونشر جناح الرحمة، والرفق بمسيئهم، وتألفهم واستصلاحهم، وشكر محسنهم الي نفسه واليك فان احسانه الي نفسه احسانه اليك اذا كف عنك، وكفاك مؤونته وحبس عنك نفسه. فعُمَّهُم جميعاً بدعوتك، وانصرهم جميعاً بنصرتك، وانزلهم جميعاً منك منازلهم، كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، واوسطهم بمنزلة الاخ فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة، وصِل اخاك بما يجب للاخ علي اخيه(82).



قد يري الرائي ان هذا اللون من التعامل في الدستور الذي وضعه الامام زين العابدين(عليه السلام) مع طبقات المجتمع كافة بما فيهم الكلاب والذئاب لا يؤدي الا الي نتائج سلبية من حيث تجرئتهم علي سوء العمل، وتشجيعهم علي الخلق الدنيء، واضافة لهذا الاشكال قد يري الرائي ان هذا اللون من التعامل ايضاً يتخذ من طيب القلب الركن الوحيد مستنداً له، وطيب القلب وحده لا يمكن التعامل علي ركنه فحسب في مجتمع يضم شتي أنماط السلوك المهين.



اقول اننا اذا اخذنا حق اهل ا لملة عامة بالدستور الذي رسمه الامام زين العابدين(عليه السلام) مع قطعه عن دساتيره الاخري للتعامل الاجتماعي فالامر يكون كما رآه الرائي. بيد ان ا لفرق كبير بين ان يكون الاسلوب التعاملي فكرة مستقلة مبتورة، وبين ان يكون الاعتماد عليه في ضمن اعتبار معين من اعتبارات شتي في التعامل. فهذا النمط التعاملي «حق اهل ملتك عامة» باعتبارهم مسلمين بقطع النظر عن اي شيء آخر، اما من حيث اعتبارهم بشراً فيهم القابلية الانحرافية فقد حدد الامام زين العابدين(عليه السلام) الدستور التعاملي معهم، ومن أمتن بنوده الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. اذ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر احكم درع يقي الامة من الانحراف وياخذ بايديها الي الصراط المستقيم إذا طُبق وفق شرائطه التي رسمها الاسلام. فمن كلامه(عليه السلام): التارك للامر بالمعروف والنهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره، الا ان يتقي تقاة، فقيل: وما تقاته؟ قال: يخاف جباراً عنيداً أن يفرط عليه او ان يطغي(83).



وهذا الاعتبار الثاني يختلف كذلك عن الاعتبار الثالث، اقصد معاملتهم باعتبارهم مجتمعاً له حقوق، فأمر المجتمع بالمعروف ونهيه عن المنكر الذي يبلغ احياناً درجة القتل لا يعني ان تُسلَب حقوقه او تُهدر. ففي الوقت الذي يؤمر فيه المجتمع باشياء ويُنهي عن اشياء اخري يُعطي له حق غير منقوص.



ان الحقوق المعطاة له تأخذ اشكالاً متباينة تختلف من فرد لاخر، ومن جهة لاخري كما تختلف من ظرف لظرف آخر بالنسبة للفرد ذاته. وهذا الشكل الاخير يختلف اختلافاً نسبياً بين واهب الحق وبين آخذه.



ومثال ما اختلف نسبياً بين واهب الحق وآخذه ما جاء في كلام الامام زين العابدين(عليه السلام) من ذكر حق الكبير يقول(عليه السلام): واما حق الكبير فان حقه توقيرسنّه واجلال اسلامه اذا كان من اهل الفضل في الاسلام بتقديمه فيه وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه الي طريق ولا تؤمه في طريق ولا تستجهله وان جهل عليك تحملت واكرمته بحق اسلامه مع سنّه فانما حق السن بقدر الاسلام(84).



فالفرد في المجتمع يُعَدُّ كبيراً بالنسبة لبعض، فاذاً له حقوق الكبير علي من هو اصغر منه، ويُعَد الكبير في اكثر الحالات صغيراً بالقياس لكبير آخر، بل في كل الحالات يعد الكبير صغيراً بالنسبة الي انسان آخر باستثناء شخص واحد في المجتمع كله وهو الذي يعتبر فيه الاكبر علي الاطلاق.

پاورقي





(81) الخصال للشيخ محمد بن علي الصدوق / ابواب الستة، الحديث الاخير منها.



(82) من رسالة الحقوق.



(83) محمد بن سعد ـ الطبقات الكبري ج 5 / ص 213 ـ 214.



(84) الحق 42 من رسالة الحقوق.