بازگشت

طبيعة التعامل


لم يرد التعامل عند الامام زين العابدين(عليه السلام) في صيغة انجازية لمسؤوليته الفردية ـ وان كان هذا من خطها ـ وانما يذهب بعيداً الي حيث الهموم السياسية والاجتماعية الي حيث أن يرغب المجتمع ويوجه السياسيين في طريق التعامل بالتي هي اَحسن.



يقول(عليه السلام): ان اَسرع الخير ثواباً البِرّ، واَسرع الشر عقاباً البغي، وكفي بالمرء عيباً أن ينظر في عيوب غيره ويعمي عن عيوب نفسه، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه، أو ينهي الناس عما لا يستطيع تركه.



وقال(عليه السلام): افعل الخير الي كل من طلبه منك فان كان له أهلاً فقد أصبت موضعه، وان لم يكن بأهل كنت أنت أهله.



أي أنه صلوات الله عليه لم يجعل تبادل المصالح الدافع الوحيد لعمل الخير، بل في نظريته ان عمل الخير لابد منه، فلئن لم يكن المقابل مستحقاً له فينبغي أن يكون فاعل الخير مستعداً لاسدائه، مؤهَّلاً لهبته.



ومن نثره الدر أو نطقه بالكلمات المضيئة في هذا الصدد هذه الدرة اليتيمة:



عليكم بأداء الامانة، فوالذي بعث محمداً بالحق نبياً لو أن قاتل أبي الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) ائتمنني علي السيف الذي قتله به لادّيته اليه.



إنَّ للامانة قيمة ذاتية وعلي الرسالي تأدية الحق فيها والوقوف منها وقوفاً التزامياً سواء كانت لاقرب الناس اليه سلوكاً ومعتقداً أم لابعدهم عنه لان بُعد المؤتمن عقيدياً أو سلوكياً لا يغضَّ من القيمة الذاتية للامانة، وها هو الامام زين العابدين(عليه السلام) يضرب لاداء الامانة مثلاً هو سيف ابغض السيوف اليه، من أجل أن يؤكد علي القيمة الكبيرة لها. وفي هذا الصدد أو قريب منه جاء الحديث ليؤكد: ائتمن من ائتمَنك ولا تخن من خانك.



اِنَّ الامانة في نظرية الامام زين العابدين لم تكن شاذة في مجمل التعامل والخط العام للسلوك الاجتماعي والسياسي، انها لا تشكل غير جزء واحد من الاطار الشامل للقيمة الذاتية لكل المحاسن الخلقية كالوفاء والانتصار للحق.



ما المثال المتقدم الا حلقة من سلسلة ذهبية لاقواله وأفعاله التي خلّفها للاجيال قدوة حسنة لمن اراد الاقتداء، واسوة مثلي لكل عشاق الرفعة، والسمّو، والخير، والجمال.



لقد كان والي المدينة يؤذيه كثيراً، وعندما أُقيل من منصبه، وأُقيم للناس ليأخذ كل من ظُلم حقه منه كان جُل هم الوالي وخوفه من زين العابدين لانه(عليه السلام)قد لقي منه ظلماً كثيراً. ولكنه(عليه السلام) قد تقدم لاتباعه ومريديه باَن لا يتعرّضوا إليه بمكروه. ومرّ(عليه السلام) بجانبه غير أنَّ شيئاً من خشونة التعامل لم يظهر منه، فبُهت الوالي من هذا التعامل الاسلامي البنّاء والسياسة الباهرة فنادي: الله اعلم حيث يجعل رسالته.



لا احسب ذلك النداء إلاّ نداء الضمير وحركة الوجدان هزّته اليها جاذبية المعاملة المعطار فاستفاق هاتفاً بالحقيقة الغراء.