بازگشت

سياسة تحرير العبيد


النظام الاسلامي والرق:



ان الاسلام بحق لم يشرع نظام الرق، فان هذا النظام موجود منذ العصور الغابرة والعهود السحيقة. وانما شرع نظام العتق والتحرير، واوجد مبررات عدة لها، وفتق كثيراً من الوسائل المؤدية لها، ليس هنا محل تفصيلها فلتطلب من الكتب الفقهية المبسوطة.



هناك سلوك استعلائي في المجتمع علي مر التاريخ الانساني تقريباً ينظر الي طبقة المستضعفين ومن بينهم المماليك نظرة ازدراء، ويعاملهم من فوق الابراج العاجية.



والذي تستطيع ملاحظته بيسر من سياسة الامام زين العابدين(عليه السلام) ذلك الرفض الحازم، والاستنكار العنيد لهذا السلوك نظرياً وعملياً. ومن الادلة علي ذلك انه كان لا يمنعه شيء من مجالسة الطبقة المسحوقة حتي دهش منه نافع بن جبير فقال له: انك تجالس اقواماً دونا، فقال علي بن الحسين: اني اجالس من انتفع بمجالسته(29).



ومن رحمته بهم وعطفه عليهم انه كان يشتري العبيد ـ وهم من اضعف المستضعفين ـ فيبرحون عنده قليلاً ثم يطلقهم احراراً. وبلا ريب انه يترتب علي التحرير منهج سياسي ايجابي ونظرة انسانية عالية وحث عملي للاخرين علي التأسي، اذ الاسلام قد اكد تاكيداً عظيماً علي التحرير، ورسم ما لفاعله من الجزاء الوافر والاجر الجميل ومن ذلك قوله تعالي: (وما ادراك ما العقبة * فك رقبة).



وعن ابي عبد الله الصادق(عليه السلام): ان فاطمة بنت أسد قالت لرسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): اني اريد ان اعتق جاريتي هذه فقال لها: ان فعلت اعتق الله بكل عضو منها عضواً منك من النار(30).



وفي هذا المعني وردت عدّة احاديث(31).



ولقد اعتق علي(عليه السلام) الف مملوك من كدِّ يده(32).



ان موقف الامام زين العابدين(عليه السلام) من المماليك هو خلاصة الموقف الاسلامي بما فيه من نظام دقيق، وقيم خلاّقة، واساليب تربوية وسياسية رفيعة. فمما لا ريب فيه ان الفترة التي يلبث فيها المماليك عند الامام زين العابدين(عليه السلام)يلقّنهم فيها من التربية والاداب والتوجيه والسداد ما يجعلهم احرار النفوس قبل ان يكونوا احراراً في واقع الحياة.



كان في مستطاعه ان يطلق سراحهم من أوّل عقد الشراء، او حصوله عليهم من دون ان يلبثوا عنده. فما انتفاعه من الاشهر التي يقيمون فيها لديه ثم يطلقهم، ولا سيما ان العملية تتكرر؟



ان مجموعة منهم لو بقوا لديه بغير تحرير فانهم يغنونهُ عما يليهم من المماليك بيد أن هنالك هدفاً اسمي من الخدمة والمعونة المتوخاة منهم... انه هدف التربية والارشاد، هدف التعليم والتوجيه وغير ذلك.



كانت لكل واحد من العبيد صحيفة اعمال يسجل فيها الامام سيئاته واخطاءه فإن حان وقت التحرير قرأ عليهم صحائف اعمالهم وهنا يعترفون بما ارتكبوا من الاخطاء فيعفو عنهم ثم يطلب منهم ان يعفوا عنه ويصفحوا فيقولون: قد عفونا عنكَ وما أسأتَ.



ولا يخفي عليه ان المماليك يرغبون بعد تحريرهم ان يكتسبوا ويشقوا دربهم العملي في الحياة فيعطيهم رؤوساً من الاموال علي هيئة منح وهبات، ولا يسترد منهم ذلك ما سمر سمير.



هذه طريقته في تحرير العبيد ذكرناها بشكل موجز ولكن عثرنا علي وثيقة تاريخية علي جانب كبير من الاهمية.



وثيقة تاريخية: وهي تتعلق باطلاق سراح الارقّاء ننقلها بتفصيلها لانها تعبر عن روح الاسلام ونظرته للارقاء، ولانها مادة تربوية واخلاقية واجتماعية عالية المضامين، كما انها جواب عميق عن الاسئلة والاشكالات التي تطرحها فئة من المستشرقين حول الاسلام. نريد ان نقول لهم: هذا هو الاسلام في نظرته واخلاقيته وجوهره متمثلاً في سياسة احد كبار قادته الميامين تجاه العبيد.



عن الامام جعفر الصادق(عليه السلام): كان علي بن الحسين(عليه السلام) اذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبداً له ولا أمة. وكان اذا اذنب العبد والامة يكتب عنده: اذنب فلان، اذنبت فلانة.. يوم كذا وكذا ولم يعاقبهم.. فيجتمع عليهم الادب.



حتي اذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله ثم اظهر الكتاب ثم قال: يا فلان فعلت كذا وكذا ولم أؤدبك، أتذكر ذلك؟ فيقول: بلي يابن رسول الله، حتي يأتي علي آخرهم ويقررهم جميعاً، ثم يقوم وسطهم ويقول لهم:



ارفعوا اصواتكم وقولوا: يا علي بن الحسين ان ربك قد احصي عليك كل ما عملت، كما احصيت علينا كل ما عملنا، ولديه كتاب ينطق عليك بالحق، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيت الا احصاها، وتجد كل ما عملت لديه حاضراً كما وجدنا كل ما عملنا لديك حاضراً، فاعفُ واصفح كما ترجو من المليك العفو، وكما تحب ان يعفو المليك عنك فاعفُ عنا.. تجدْهُ عفوّاً، وبك رحيماً، ولك غفوراً، ولا يظلم ربك أحداً. كما لديك كتاب ينطق بالحق علينا. لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما اتينا الاّ احصاها، فاذكر يا علي بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربك الحكم العدل، الذي لا يظلم مثقال حبة من خردل.



ويأتي بها يوم القيامة وكفي بالله حسيباً وشهيداً، فاعفُ واصفح يَعفُ عنك المليك ويصفح، وهم ينادون معه وهو واقف بينهم يبكي وينوح ويقول:



ربّ انك أمرتنا أن نعفو عمن ظَلَمنا، وقد عفونا عمن ظلمنا كما أمرت فاعف عنا، فانك أولي بذلك منا ومن المأمورين، وأمرتنا أن لا نردَّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سؤّالاً ومساكين وقد أنخنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك، فامنن بذلك علينا ولا تخيِّبنا فانك أولي بذلك منا ومن المأمورين.



إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سُؤّالك وجدتَ بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك يا كريم.



ثم يقبل عليهم فيقول:



قد عفوت عنكم فهل عفوتم عنيّ ومما كان مني إليكم من سوء ملكة؟ فاني مليك سوء، لئيم، ظالم، مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضل.



فيقولون:



قد عفونا عنك يا سيّدنا، وما أسأت.



فيقول لهم قولوا: اللّهم اعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا، فاعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرقّ.



فيقولون ذلك.



فيقول: اللّهم آمين ربَّ العالمين، اذهبوا فقد عفوت عنكم، واعتقت رقابكم رجاء للعفو عني وعتق رقبتي فيعتقهم، فاذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس، وما من سنة إلاّ وكان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأساً إلي أقل أو اكثر، وكان يقول:



ان للهِ تعالي في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار سبعين ألف ألف عتيق من النار كلّ قد استوجب النار، فاذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه، واني لاحب أن يراني الله وقد اعتقت رقاباً في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار.



وما استخدم خادماً فوق حوله، كان اذا ملك عبداً في أول السنة أو في وسط السنة اذا كان ليلة الفطر اعتق، واستبدل سواهم في الحول الثاني ثم أعتق، كذلك كان يفعل حتي لحق بالله تعالي، ولقد كان يشتري السودان وما به اليهم من حاجة يأتي بهم عرفات فيسدّ بهم تلك الفرج والخلال فاذا أفاض أمر بعتق رقابهم وجوائز لهم من المال(33).

پاورقي





(29) المؤرخ الكبير يعقوب بن سفيان (ت 277 هـ) ـ التاريخ والمعرفة 1 / 545 تحقيق د. ضياء الدين العمري.



(30) محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 هـ) وسائل الشيعة 16 / 3 دار احياء التراث العربي.



(31) انظر وسائل الشيعة 16 / 2 ـ 6.



(32) انظر الوسائل 16 / 3.



(33) علي بن طاووس (ت 664)، الاقبال / 477.