بازگشت

دراسة أسانيد الصحيفة و مناقشتها


لم ترد في كتب الرجال أسماء بعض أفراد سلسلة هذا السند (المذكور في بداية الصحيفة المشهورة). و يطلق مصطلح «المجهول» علي كل فرد لم يذكره علماء الرجال، مضافا الي أن أحدء الرواة المذكورين - و هو أبوالمفضل الشيباني، مضعف في كتب الرجال - لذلك قد يبدو في الوهلة الاولي بأن سند الصحيفة ضعيف مبدئيا.

بيد أن الأمر ليس كذلك، لأنه حتي لو فرضنا ضعف السند، فاذا كانت للمنقول أسانيد اخري (ولو أن كل واحد منها كان منقطعا)، فسوف تعوض عن الضعف الموجود في كل منها، و يصطلح علي الحديث المذكور بأن له متابعا أو شاهدا، و المتابعة في الحديث توجب دعم الرواية المذكورة و الوثوق بصدروها. هذا أولا، و أما:

ثانيا: فان قدماء الامامية كانوا يعتقدون بأن روايات الكتب و المنقولات عن مشايخ الشيعة حتي لو كانت غير حائزة علي شرائط الصحة المصطلح عليها في السند أو أنها تنقل مرسلة دون ذكر السند، يعبر عنها - اذن - أنها صحيحة باعتبار أنها محفوفة بقرائن الصحة عند رواة الامامية المعروفين. و من الواضح أن القرائن المذكورة يمكن أن تكون مفقودة في عصرنا،



[ صفحه 19]



و موجودة في عصر الناقلين من القدماء.

و من القرائن المذكورة - علي ما ينقل الفيض الكاشاني في الوافي - هي أن نقل الرواية يكون اما في عدد من الاصول أو حسب شهرتها بين الرواة. و من حسن الحظ، فقد رأينا أن الصحيفة قد نقلت من قبل عدد من المشايخ، و كانت لها شهرتها بين متقدمي الشيعة.

ثالثا: ان عددا كبيرا من رواة الكتب الأربعة في حديث الامامية، و كذلك عددا من ناقلي أحاديث الصحاح الستة عند أهل السنة غير مذكورين في كتب الرجال، أو كما يصطلح عليهم: «مجهولون»، و هذا الأمر يحكي لنا بأن كتب الرجال، و ان كانت قد كتبت من قبل خبراء الحديث و العارفين الأسانيد معروفون، لأنه كان يكتفي في السند بأن جميع المذكورين في سلسلة الا عن الثقاة، فان الناس كانوا يقبلون منقولاته، و لو بدون ذكر السند و الواسطة. أو بواسطة غير معروفة.

و شاهدنا علي ما نقول هو أن ثمانية عشر شخصا من مشاهير رواة حديث الامامية - علي ما ينقل الشيخ الكشي و يقربه الرجاليون - عدت رواياتهم صحيحة، من قبل أصحابنا (الشيعة)، و ان كانت مرسلة أو عمن لا يسمونهم. و لذلك يعبرون عن هؤلاء ب(أصحاب الاجماع).

رابعا: لو دققنا أكثر في الأشخاص المضعفين في كتب الرجال، يتضح لنا بأن عددا كبيرا من الضعفاء - اصطلاحا - لم يكونوا كذلك حقيقة، بل كانوا أهلا للثقة و الاطمئنان بهم. و يعود سبب ما هم عليه من التضعيف الي أن جمعا من علماء الامامية كانوا يردون رواية الراوي و يضعفونه بمجرد انتسابه الي غير الامامية. و هذا ما نلمسه - جيدا - في رجال العلامة و رجال ابن داود، حيث أنهما خصصا القسم الثاني من كتابيهما للضعفاء (و بتعبير



[ صفحه 20]



العلامة: الضعفاء و من أرد قوله)، و نلتقي في هذين الكتابين بجمع من مشايخ الثقاة و أساطين الحديث، لم يلقوا عناية من قبل المؤلفين بسبب انتسابما الي المذهب غير الامامي فقط. و من هؤلاء علي سبيل المثال: ابراهيم بن عبدالحميد، بسبب واقفيته، و هو من الثقاة عند الشيخ الطوسي، و السكوني بانتمائه الي التسنن، و هو من مشايخ الشيعة و المكثرين في الحديث، و اسحاق بن عمار بانتسابه الي الفطحية، و هو من الثقاة و مشايخ الأصحاب بتصريح النجاشي، وابن عقدة بتهمة الزيدية، و هو الحافظ لمائة و عشرين ألف حديث، و هو الذي ألف رجال الحديث و الرواية عن الامام الصادق عليه السلام، و الحسن بن محمد بن سماعة بسبب انتمائه بمقولته للواقفية، و هو فقيه الحسين الطاطري بسبب واقفيته، و هو فقيه ثقة، و عبدالله بن جبلة بسبب واقفيته، وهو فقيه ثقة أيضا.

و مما يبعث علي العجب أن الشيعة في مصطلحات الحديث (علم الدراية) يسمون الراوي الموصوف بالوثاقة من غير الامامية موثقا، و يجعلون روايته دون الصحيحة. و أما أهل السنة فانهم جعلوا رواية الثقاة في عداد الروايات الصحيحة.

نجد من الناحية العملية أن أكثر روايات الأحكام، تسمي روايات موثقة، حتي أن معيار مسائل عديدة في الفقه، موثقة عمار الساباطي، أو اسحاق بن عمار، أو ابن سماعة، أو...

و بناءا علي ما مر من توضيح، فاننا نناقش مرة اخري رجال الصحيفة: فلقد قلنا بأن الشخص الوحيد الذي ضعفه الشيخ الطوسي بين رواة الصحيفة هو أبوالمفضل الشيباني، و بالرغم من أن النجاشي أثني عليه حيث قال في البداية أنه من الأثبات (جمع ثبت بمعني ثقة)، لكنه لم يسلم من الطعن



[ صفحه 21]



و التضعيف فيما بعد، و بالاضافة الي المؤلفات التي ذكروها له، فاننا نلتقي بكتب اخري له هي: 1 - كتاب من روي عن زيد بن علي بن الحسين. 2 - كتاب فضائل زيد. 3 - كتاب الشافي في علوم الزيدية. 4 - أخبار أبي حنيفة.

و يظهر من عناوين هذه الكتب أن أباالمفضل كان من علماء الزيدية أو أنه اعتنق المذهب الزيدي مؤخرا، و ذلك لأنه قام بتأليف كتاب في الرجال، تعرض فيه الي رواة الزيدية فقط، و فيما يخص أهل البيت عليهم السلام اكتفي منهم بفضائل زيد فقط، و من بحر علوم آل علي عليه السلام ألف كتابا في علوم الزيدية فقط و أما أخبار أبي حنيفة؛ فانه ألف فيها، لأن المذكور كان يميل الي مذهب الزيدية، و كان فقه الزيدية - الذي دون فيما بعد - متأثرا بمذهب أبي حنيفة.

لذلك فان سبب تضعيف الشخص المذكور كتب رجال الامامية ليس الا انتماؤه الي الزيدية أو اعتناقه لمذهبهم. و لم يكن تضعيفه بسبب غير ذلك.