بازگشت

الكتب المؤلفة في الدعاء


الدعاء اقرب حالات العبد الي حضرة الرب، و بالدعاء و الذكر يرتفع الحجاب بين الداعي و رب الارباب، و لذلك نري أن اهتمام الشارع بالدعاء فوق اهتمامه بكل شي ء، فانه روي لكل آن من آنات الليل و النهار، و لكل يوم من أيام الاسابيع او الشهور او السنين او العمر ادعية خاصة، و انه قرر لكل حال من حالات الانسان، و لكل فعل يريد ارتكابه و لجميع مطالبه الدنيوية او الاخروية، و لكافة أعماله العادية او العبادية او المعاملية وظائف من الدعاء و الذكر، كما انه قرر لاستجابة الدعاء و تأثيره شرائط و آدابا لا تصل فائدته الي الانسان،و لا تحصل له نورانية القلب و تهذيب النفس المطلوب من الدعاء الا بمراعات تلك الاداب، و وصل الينا كثير من هذه الوظائف و الآداب.

و قد كان بدء هذه الاهتمام من لدن عصر النبي و بعده في اعصار الائمة عليهم السلام و انتهي الي ايام الغيبة الصغري، و في طيلة تلك المدة قيض الله تعالي لطفا منه علي عباده، و انقاذا لمراده جمعا كثيرا من الاخيار البررة المعبر عنهم في كتابه بالقري الظاهرة [1] .

فأخذوا من معادن العلوم النبوية دررها و جواهرها، و قيدوها بغاية الاحتياط في كتبهم و اصولهم المصححة التي كانوا يكتبونها غالبا من املاء أئمتهم بمحضرهم صونا عن التغيير و التبديل.

كما ورد في الحديث المعتبر الذي رواه المشايخ العظام باسانيدهم العالية عن ابي الوضاح، و قد اورده السيد رضي الدين علي بن طاووس في مهج الدعوات عند ذكره لدعاء الجوشن الصغير، الذي هو من الادعية المنسوبة الي الامام ابي ابراهيم موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام، فروي ابوالوضاح محمد بن عبدالله بن زيد النهشلي، عن ابيه عبدالله بن زيد الذي كان في اصحاب الامام الكاظم عليه السلام.

قال عبدالله بن زيد انه كان جماعة من خاصة ابي الحسن الكاظم عليه السلام من أهل بيته و شيعته يحضرون مجلسه و معهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف و أميال، فاذا نطق بكلمة او افتي في نازلة اثبت القوم ما سمعوه منه في ذلك، قال عبدالله: فسمعناه و هو يقول في دعائه - الي آخر ما كتبوه عنه من دعاء الجوشن الصغير المشار اليه [2] .

و بالجملة ان اصحاب الائمة رضوان الله عليهم قد بذلوا جهدهم في حفظ تلك الاحاديث المشتملة علي بيان الوظائف و الآداب، و في ضبط الفاظ الادعية المأثورة عنهم و ادراجها في أصولهم و كتبهم التي ضاعت علينا منها عدة وافرة، و ضاعت تراجم مؤلفيها عن أئمة الرجال، و ما بقي منها كان جلها باقيا بعينها الي اواسط القرن الخامس - كما صرح به ياقوت في معجم البلدان في مادة «بين السورين».

فذكر أن بين السورين في كرخ بغداد من أحسن محالها و أعمرها، قال: «و بها كانت خزانة الكتب التي وقفها الوزير ابونصر سابور بن اردشير وزير بهاءالدولة ابن عضدالدولة، و لم يكن في الدنيا احسن كتبا منها، كانت كلها بخطوط الائمة المعتبرة و اصولهم المحررة، و احترقت فيما احرق من محال الكرخ عند ورود طغرل بيك أول ملوك السلجوقية الي بغداد في سنة 447» [3] .

و من المظنون كون جملة من كتب هذه المكتبة الموقوفة للشيعة و المؤسسة لهم في محلتهم كرخ بغداد، هي الاصول الدعائية التي رواها القدماء من اصحاب الائمة عنهم، و قد صرح ائمة الرجال في ترجمة كل واحد منهم بثبوت الكتاب له معبرا عنه بكتاب الادعية، و ذاكرا لطريق روايتهم لهذا الكتاب عن مؤلفه.

و بالجملة هذه الاصول الدعائية التي كانت في مكتبة شابور بالعناوين العامة او الخاصة كافتها صارت طعمة للنار - كما شرحه ياقوت - لكنا ما افتقدنا منها شيئا الا أعيانها الشخصية الموجودة في الخارج المرتبة علي الهيئة الخاصة، و اما محتوياتها من الادعية و الاذكار و الزيارات فقد وصلت الينا بعين ما كان مندرجا في تلك الاصول، و ذلك لان قبل تاريخ الاحراق بسنين كثيرة قد الف جمع من الاعاظم الاعلام كتبا في الادعية و الاعمال و الزيارات، و استخرجوا جميع ما في كتبهم من تلك الاصول الدعائية.

و هذه الكتب المؤلفة من تلك الاصول قبل التحريق موجودة بعينها حتي اليوم، مثل كتاب الدعاء للشيخ الكليني المتوفي سنة 329، و كامل الزيارة لابن قولويه المتوفي سنة 449، و كتاب الدعاء و المزار للشيخ الصدوق المتوفي سنة 381، و كتاب المزار للشيخ المفيد المتوفي سنة 413، و كتاب روضة العابدين للكراجكي المتوفي سنة 449، الذي الفه لولده موسي، و قد نقل عنه الشيخ شمس الدين محمد الجبعي جد الشيخ البهائي، و نقل المجلسي عن خط الجبعي في البحار، و نقل عن هذا الكتاب ايضا عن الشيخ تقي الدين ابراهيم الكفعمي المتوفي سنة 905 اخ الشيخ شمس الدين الجبعي، و عده هو من مآخذ كتابه البلد الامين.

و من الكتب الدعائية المأخوذة من تلك الاصول القديمة هو مصباح المتهجد لشيخ الطائفة الطوسي المتوفي سنة 460، فانه بعد وروده الي العراق في سنة 408 استخرج من الاصول القديمة التي كانت تحت يده بمكتبه شابور و مكتبة استاده الشريف المرتضي احاديث الاحكام، فالف تهذيب الاحكام و الاستبصار فيما اختلف من الاخبار، و الف ايضا مصباح المتهجد في الادعية و الاعمال، و استخرج فيه من تلك الاصول مقدار ما يتحمله العباد و المتهجدين من الادعية و الاعمال، و لما استثقله بعض، اختصره الشيخ بنفسه و سماه مختصر المصباح، و يقال لهما المصباح الكبير و المصباح الصغير، و قد اختصر المصباح ايضا العلامة الحلي و سماه منهاج الصلاح و أضاف اليه الباب الحاديعشر.

نعم قد بقيت عدة من أعيان تلك الاصول القديمة التي كانت نسخها في غير مكتبة شابور و سلمت عن الحريق فكانت الي اوائل القرن الثامن، و حصلت نسخها عند السيد جمال السالكين رضي الدين علي ابن طاووس المتوفي سنة 664، كما يظهر ذلك من النقل عنها في أثناء تصانيفه، و قد ذكر في الفصل: 142 من كتاب كشف المحجة الذي الفه سنة 649 ه بعد ترغيب ولده الي تعلم العلوم:

«انه هيأ الله جل جلاله لك علي يدي كتبا كثيرة - الي قوله بعد ذكر كتب التفسير - و هيأ الله جل جلاله عندي عدة مجلدات في الدعوات أكثر في ستين مجلدا فالله الله في حفظها و الحفظ من ادعيتها، فانها من الذخائر التي تتنافس عليها العارفون في حياطتها، و ما اعرف عند احد مثل كثرتها و فائدتها» [4] .

ثم بعد هذه السنة حصلت عنده عدة كتب اخري، فقال في اواخر كتابه مهج الدعوات الذي فرغ منه يوم الجمعة سنة 662 - يعني قبل وفاته بسنتين -: «هذا آخر ما وقع في الخاطر - الي ان قال: - و لو أردنا اثبات اضعافه و كل ما عرفناه كنا خرجنا عما قصدناه، فان في خزانة كتبنا في هذه الاوقات اكثر من سبعين مجلدا في الدعوات» [5] .

و أما سائر كتبه فقد ذكر الشهيد في مجموعته [6] انه جري ملكه علي الف و خمسمائة كتاب في سنة تأليفه للاقبال، و هي سنة 650، و الله اعلم بما زيد عليها في الكتب من هذا التاريخ الي وفاته سنة 664، في طول اربعة عشر عاما.

هذه النيف و السبعين مجلدا من كتب الدعوات التي كانت عند السيد رضي الدين ابن طاووس في سنة 662، جلها بل كلها كانت من تصانيف المتقدمين علي الشيخ الطوسي الذي توفي سنة 460، لان الشيخ منتجب الدين جمع تراجم المتأخرين عن الشيخ الطوسي الي ما يقرب من مائة و خمسين سنة و ذكر تصانيفهم و لا نجد في تصانيفهم من كتب الدعاء الا قليلا، بل الظاهر من كلمات السيد في أثناء تصانيفه أن كتب الدعاء التي كانت عنده كان أكثرها من الاصول القديمة يذكر تواريخ بعضها، و يوصف كثير منها بأنها نسخة الاصل، او نسخة عتيقة، و يذكر محالها في المستنصرية او غيرها، و يذكر أنها قرأت علي المصنف أو علي غيره، أو أن عليه خط فلان، و غير ذلك من الكلمات الصريحة جميعها في أن الكتب الموجودة عنده كانت مصححة معتمدة لديه، مروية له عن مشائخه الاعلام، و الكتاب الذي وجده و لم يكن له طريق الرواية الي مؤلفه يصرح عند النقل عنه بأنه انما ينقل عنه اعتمادا علي التسامح في أدلة السنن و صدق البلوغ - كما أشار اليه في أول كتاب فلاح السائل.

و بعد ملاحظة هذه الكلمات و التصريحات يطمئن كل أحد بأن جميع ما يذكره السيد في تصانيفه من الادعية و الزيارات مرويات له معتمدة عليه في عمل نفسه، و لا سيما بعد ما ري منه في المقامات من تصريحه بأنه: لما لم أجد في الروايات دعاء مناسبا لهذا المقام فانشأت من نفسي دعاء مناسبا له ثم يذكر ما انشأه من نفسه - كما يظهر من بعض فصول كتاب المضمار و الدروع الواقية.

لما نظر السيد الي ما عمله الشيخ الطوسي في مصباحه في الادعية و الاعمال، فرأي أنه مختصر في الغاية و خال من كثير من الادعية و الاعمال المروية عن الائمة عليهم السلام المدرجة في تلك الكتب الكثيرة التي جمعها، فرأي أن يؤلف كتابا كبيرا يشتمل علي كثير من هذه الادعية و الاعمال، و يجعله من تتمات كتاب الشيخ.

و كان شروعه فيه بعد سنة 630، فانه روي في أول مجلداته، و هو فلاح السائل، عن شيخه أسعد بن عبدالقادر في هذا التاريخ [7] ، و ذكر في أول فلاح السائل بعد ذكر مصباح المتهجد للشيخ انه يريد تتميمه في عشر مجلداته، يسميها: «مهمات في صلاح المتعبد و تتمات لمصباح المتهجد».

و ذكر أن فلاح السائل أول التتمات، و هو في مجلدين في اعمال اليوم و الليلة، و المجلد الثالث: زهرة الربيع في ادعية الاسابيع، و الرابع: جمال الاسبوع بكمال العمل المشروع في أدعية أيام الاسبوع، و الخامس: الدروع الواقية من الاخطار فيما يعمل كل شهر علي التكرار، السادس: المضمار للسابق و اللحاق بصوم شهر اطلاق الارزاق و عتاق الاعناق في اعمال شهر رمضان، السابع: كتاب السالك المحتاج الي معرفة مناسك الحجاج، الثامن و التاسع: كتاب الاقبال بالاعمال الحسنة في اعمال سائر الشهور، العاشر: كتاب السعادات بالعبادات التي ليس لها وقت معلوم في الروايات.

الف السيد بعد هذه الكتب كتاب مهج الدعوات و منهج العنايات في الاحراز و القنوتات و الحجب و الدعوات المتفرقة عن المعصومين عليهم السلام، و ألف بعده كتاب المجتني من الدعاء المجتبي في ذكر دعوات لطيفة و مهمات شريفة.

للسيد كتب اخري في الادعية كالاسرار المودعة في ساعات الليل و النهار، و امان الاخطار فيما يعمل في الاسفار، و فتح الابواب في الاستخارات، مصباح الزائر الكبير، مصباح الزائر الصغير.

و هذه سبعة عشر مجلدا كلها في الدعوات و الاذكار و الاعمال، استخرجها من الكتب التي كانت عنده، و فقد بعضها بعده مثل مدينة العلم للصدوق الذي ينقل عنه في فلاح السائل، و لولا كتب السيد و ادراجه الادعية في تصانيفه لضاع جميعه عنا، حيث أشرنا الي انه فقد بعده تلك الكتب غالبا و لم يبق منها في عصرنا أثر.

و بالجملة للسيد قدس الله جل جلاله اسراره لتأليفه اجزاء كتاب التتمات و جمعها من تلك الكتب حق عظيم علي جميع الشيعة، و كل من ألف بعده كتابا في الدعاء فهو عيال عليه، مغترف من حياضه، متناول من موائده.

ثم ان جمعا من العلماء المتأخرين عن السيد قد ألحقوا بما دونه السيد في تصانيفه كثيرا من الادعية و الاعمال المنسوبة ايضا الي الائمة عليهم السلام التي كانت مدرجة في الكتب القديمة الدعائية التي لم تحصل عند السيد ابن طاووس، او وصلت و لم يثبته السيد في كتبه،فأدرجوا تلك الادعية في تصانيفهم الدعائية.منهم الشيخ السعيد محمد بن مكي الشهيد في سنة 786، و منهم الشيخ جمال السالكين احمد بن فهد الحلي مؤلف عدة الداعي المتوفي سنة 841، و منهم الشيخ تقي الدين ابراهيم الكفعمي المتوفي سنة 905، فانه ألف جنة الامان الواقية و البلد الامين و محاسبة النفس، و في كلها الادعية و الاذكار المأثورة عن الائمة عليهم السلام، و صرح في أول الجنة بأنه جمعه من كتب معتمد علي صحتها مأمور بالتمسك بعروتها، و عد في الجنة و البلد من مصادرهما نيفا و مائتين كتابا ينقل عنها في متن الكتابين و حواشيهما، و كثير منها من الكتب الدعائية القديمة.

و منهم الشيخ البهائي المتوفي سنة 1031 مؤلف مفتاح الفلاح، و منهم المحدث الفيض الكاشاني المتوفي سنة 1091 مؤلف خلاصة الاذكار، و منهم المجلسي المتوفي 1111، و هو الذي جمع فأوعي، فألف بالعربية في مجلدات البحار، و بالفارسية في زاد المعاد، و تحفة الزائر، و مقباس المصابيح، و ربيع الاسابيع، و مفاتيح الغيب في الاستخارات، و قد الفت من بعده كتب كثيرة في الادعية يطول الكلام بذكرها، فراجع الي تفصيلها بكتاب الذريعة للشيخ الطهراني.


پاورقي

[1] اشارة الي: «و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة»، السبأ: 18.

[2] مهج الدعوات: 219.

[3] معجم البلدان 342:2.

[4] كشف المحجة: 131.

[5] مهج الدعوات: 347.

[6] مجموعة الشهيد 264:2.

[7] فلاح السائل: 15.