بازگشت

الدعاء و قاعدة التسامح


فيما ذكرناه في هذا الكتاب من الادعية و الزيارات روايات طرق الاصحاب الي المعصومين عليه السلام من ثقات الروات، و ربما يكون في بعضها بين بعض الثقات و بين المعصومين عليه السلام رجل ضعيف او مجهول، و بعضها مرسل، و علي ما حقق في علم الاصول يحكم بأن هذه الروايات من ضعاف الروايات.

أما ان أصحابنا رضوان الله عليهم كثيرا ما يستدلون بالاخبار الضعيفة و المجهولة علي السنن و الآداب، و يحكمون بها بالكراهة او الاستحباب، و مستندهم الروايات الواردة بأن من بلغه ثواب من الله سبحانه علي عمل فعمل التماس ذلك الثواب اوتيه، فالتكلم في سند هذه الروايات غير لازم، اذ منها ما هو صحيح من حيث السند، و نذكر واحدة منها:

روي الكليني عن علي بن ابراهيم، عن ابيه، عن ابن ابي عمير، عن هشام ابن سالم، عن الصادق عليه السلام قال: «من سمع شيئا من الثواب علي شي ء فصنعه كان له و ان لم يكن علي ما بلغه» [1] .

انما المهم هو البحث عما يستفاد منها، فيقع الكلام في جهات:

الجهة الاولي: في مفادها، و المحتمل فيه وجوه ثلاثة:

الوجه الاول: ان يكون مفادها الارشاد الي حكم العقل بحسن الانقياد و ترتب الثواب علي الاتيان بالعمل الذي بلغ عليه الثواب و ان لم يكن الامر كما بلغه.

الوجه الثاني: ان يكون مفادها اسقاط شرائط حجية الخبر في باب المستحبات و انه لا يعتبر فيها ما اعتبر في الخبر القائم علي وجوب شي ء من العدالة و الوثاقة.

الوجه الثالث: ان يكون مفادها استحباب العمل بالعنوان الثانوي الطاري ء، اعني به عنوان بلوغ الثواب عليه، فيكون عنوان البلوغ في قبيل سائر العناوين الطارئة علي الافعال الموجبة لحسنها و قبحها و لتغير أحكامها، كعنوان الضرر و العسر و النذر و امر الوالد و نحوها.

هذه هي الوجوه المحتملة بدوا في تلك الاخبار، و المناسب لما اشتهر بين الفقهاء من قاعدة التسامح في ادلة السنن هو الاحتمال الثاني كما تري، ولكنه بعيد عن ظاهر الروايات غاية البعد.

لان لسان الحجية انما هو القاء احتمال الخلاف، و البناء علي أن مؤدي الطريق هو الواقع كما في أدلة الطرق و الروايات، لا فرض عدم ثبوت المؤدي في الواقع، كما هو لسان هذه الاخبار، فهو غير مناسب لبيان حجية الخبر الضعيف في باب المستحبات، و لا أقل من عدم دلالتها عليها، و كذا الاحتمال الثالث، اذ لا دلالة بل لا اشعار للاخبار المذكورة علي أن عنوان البلوغ مما يوجب حدوث مصلحة في العمل بها يصير مستحبا.

فالمتعين هو الاحتمال الاول، فان مفادها مجرد الاخبار عن فضل الله تعالي و انه سبحانه بفضله و رحمته يعطي الثواب الذي بلغ العامل، و ان كان غير مطابق للواقع، - كما تري - غير ناظرة الي العمل، و انه يصير مستحبا لاجل طرو عنوان البلوغ، و لا الي اسقاط شرائط حجية الخبر في باب المستحبات، فتحصل أن قاعدة التسامح في أدلة السنن مما لا أساس لها.

و بما ذكرناه يظهر أنه لا أساس للبحث بأنه المستفاد من الروايات استحباب ذات العمل او استحبابه فيما اذا اتي به بعنوان الرجاء و الاحتياط، لانه قلنا لا دلالة للاخبار علي استحباب العمل باحد من الوجهين، نعم الثواب مترتب علي ما اذا كان الاتيان بالعمل بعنوان الرجاء و احتمال المطلوبية، علي ما يستفاد من قوله صلي الله عليه و آله: «فعمله التماس ذلك الثواب»، او «طلب قول النبي صلي الله عليه و آله»، فلا يترتب الثواب علي ما اذا اتي بالعمل لغرض آخر.


پاورقي

[1] الكافي 87:2.