بازگشت

عبادة الامام زين العابدين


أجمع أهل الرأي و التاريخ و المحققون من المؤالف و المخالف و الخاص و العام أن الامام علي زين العابدين عليه السلام كان غاية في العبادة بعد رسول الله جده (ص) و أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقد كان امام عباد و زهاد و أتقياء زمانه، فقد صلي حتي تورمت قدماه، و كانت جبهته من كثرة السجود كثفنة البعير، و لا غرو فقد كان الناس يسمونه ذا الثفنات، و قد كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة، و كان باديا عليه الاجتهاد في العبادة حتي أنه كثيرا ما كان يغشي عليه في الصلاة لانقطاعه الي الله و شوقه الي ربه و تفانيه في ذات ربه، أو ان شئت قلت انه ممن كان يذوب شوقا و فرقا، و يتغير لونه في الصلاة و حتي في الوضوء من شدة حبه لله و وجده به، و كان باجماع أهل زمانه من سادة أهل الكشف و العرفان، و قد جاء في كتاب (مناقب ابن شهر آشوب):

عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: كان الناس لا يخرجون من مكة حتي يخرج علي بن الحسين عليه السلام، فخرج و خرجت معه، فنزل بعض المنازل فصلي ركعتين، سبح في سجوده فلم يبق شجر و لا مدر الا سبحوا معه، ففزعت منه، فرفع رأسه فقال: يا سعيد أفزعت قلت: نعم.

و جاء في كتاب الخصال: عن حمران بن أعين: عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليه السلام يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة كما كان يفعل أميرالمؤمنين عليه السلام، و كانت له خمسمائة نخلة فكان يصلي عند كل نخلة ركعتين، و كان ناذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر، و كان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله عزوجل، و كان يصلي صلاة مودع يري أنه لا يصلي بعدها أبدا، و لقد صلي ذات يوم فسقط الرداء عن أحد منكبيه فلم يسوه حتي فرغ من صلاته، فسأله أحد أصحابه عن ذلك فقال: و يحك أتدري بين يدي من كنت؟ ان العبد لا تقبل من صلاته الا ما أقبل عليه منها بقلبه، فقال الرجل: هلكنا، فقال: كلا ان الله عزوجل متمم ذلك بالنوافل).

و قيل لعلي بن الحسين عليه السلام كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ قال: أصبحت مطلوبا بثمان: الله تعالي يطلبني بالفرائض، و النبي (ص) بالسنة، و العيال بالقوت، و النفس بالشهودة، و الشيطان باتباعه، و الحافظان بصدق العمل، و ملك الموت بالروح، و القبر بالجسد فأنا بين هذه الخصال مطلوب.

و في كتاب الارشاد: عن سعيد بن كلثوم قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فذكر أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأطراه و مدحه بما هو أهله، ثم قال: «و الله ما أكل علي بن أبي طالب من الدنيا حراما قط حتي مضي لسبيله، و ما عرض له أمران قط هما لله رضا الا أخذ بأشدهما عليه في دينه، و ما نزلت برسول الله (ص) نازلة قط الا دعاه ثقة به، و ما أطاق عمل رسول الله من هذه الأمة غيره، و ان كان ليعمل عمل رجل كان وجه بين الجنة و النار يرجو ثواب هذه و يخاف عقاب هذه، و لقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله و النجاة من النار، مما كد بيديه و رشح من جبينه، و ان كان ليقوت أهله بالزيت و الخل و العجوة، و ما كان لباسه الا الكرابيس اذا فضل شي ء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه، و ما أشبههه من ولده و لا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه و فقهه من علي بن الحسين عليه السلام، و لقد دخل أبوجعفر عليه السلام، ابنه عليه فاذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغها أحد، فرآه و قد أصفر لونه من السهر، و رمضت عيناه من البكاء، و دبرت جبهته و انخزم أنفه من السجود، و قد و رمت ساقاه و قدماه من القيام في الصلاة، فقال أبوجعفر عليه السلام: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال الا البكاء، فبكيت رحمة له، فاذا هو يفكر، فالتفت الي بعد هنيئة من دخولي فقال: يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا ثم تركها من يده تضجرا، و قال: من يقوي علي عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام».

و جاء في مناقب شهر آشوب قال:

و عن الأصمعي قال: كنت أطواف حوال الكعبة ليلة فاذا شاب ظريف الشمائل و عليه ذؤابتان و هو متعلق بأستار الكعبة و هو يقول: «نامت العيون، و علت النجوم، و أنت الملك الحي القيوم، غلقت الملوك أبوابها، و أقامت عليها حراسا، و بابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر الي برحمتك، يا أرحم الراحمين»، ثم أنشأ يقول:



يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم

يا كاشف الضر و البلوي مع السقم



قد نام و فدك حول البيت قاطبة

و أنت وحدك يا قيوم لم تنم



أدعوك رب دعاء قد أمرت به

فارحم بكائي بحق البيت و الحرم



ان كان عفوك لا يرجوه ذو سرف

فمن يجود علي العاصين بالنعم



قال: فاقتفيته فاذا هو زين العابدين عليه السلام

و روي طاوس الفقيه: قال رأيته يطوف من العشاء الي السحر و يتعبد، فلما لم ير أحدا رمق السماء بطرفه و قال: «الهي غارت نجوم سماواتك، و هجعت عيون أنامك، و أبوابك مفتحات للسائلين، جئتك لتغفر لي و ترحمني و تريني وجه جدي محمد (ص) في عرصات القيامة، ثم بكي و قال: و عزتك و جلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، و ما عصيتك اذ عصيتك و أنا بك شاك، و لا بنكالك جاهل و لا لعقوبتك متعرض، و لكن سولت لي نفسي و أعانني علي ذلك سترك المرخي به علي، فالآن من عذابك من يستنقذني؟ و بمن اعتصم ان قعطت حبلك عني، فوا سوأتاه غدا من الوقوف بين يديك اذا قيل للمخفين جوزوا، و للمثقلين حطوا، أمع المخالفين أجوز؟ أم مع المثقلين أحط ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي و لم أتب، أما ان لي أن أستحي من ربي. ثم بكي و أنشأ يقول:



اتحرقني بالناريا غاية المني

فأين رجائي ثم أين محبتي



أتيت بأعمال قباح زرية

و ما في الوري خلق جني كجنايتي



ثم بكي و قال: سبحانك تعصي كأنك لا تري، و تحلم كأنك لم تعص، تتودد الي خلقك بحسن الصنيع كأن بك الحاجة اليهم، و أنت يا سيدي الغني عنهم، ثم خر الي الأرض ساجدا. قال طاووس: فدنوت منه و شلت برأسه و وضعته علي ركبتي و بكيت حتي جرت دموعي علي خده، فاستوي جالسا و قال: من الذي أشلني عن ذكر ربي؟ فقلت أنا طاوس يا ابن رسول الله (ص)، ما هذا الجزع و الفزع؟ و نحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا و نحن عاصون جانون، أبوك الحسين بن علي عليه السلام و أمك فاطمة الزهراء عليه السلام و جدك رسول الله (ص)، قال فالتفت الي و قال: هيهات هيهات يا طاوس، دع عني حديث أبي و أمي و جدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه و أحسن و لو كان عبدا حبشيا، و خلق النار لمن عصاه و لو كان ولدا قرشيا، أما سمعت قوله تعالي: (فاذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يؤمئذ و لا يتساءلون) (المؤمنون / 101) و الله لا ينفعك الا تقدمة تقدمها في عمل صالح».