بازگشت

مناقب الامام زين العابدين


لقد كان مما أضفي الله علي هذا الامام الجليل الهيبة و الاجلال و التقدير و المحبة في قلوب المؤمنين من الناس، و ذلك منحة و منة و نجدة، حبا الله بها أهل بيت النبي (ص) لكرامتهم و قربهم و تزلفهم و اخلاصهم في العبادة و الانقطاع اليه سبحانه و تعالي. فلقد روي المؤرخون أن عبدالملك بن مروان قال لما دخل عليه الامام زين العابدين عليه السلام و الله لقد امتلأ قلبي منه خيفة، و قال مسلم بن عقبة لقد ملي قلبي منه رعبا.

و من المفاخر و المآثر التي أنعم الله به علي الامام زين العابدين عليه السلام ما تحدثت عنه الركبان و أجمع عليه المؤالف و المخالف و الخاص و العام و استظهرته الكتب و الطوامير ما رواه ابن الجوزي في (صفة الصفوة) و السبكي في (طبقات الشافعية) و ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) و اليافي في (مرآة الجنان) و ابن عساكر في (تاريخ ابن عساكر) و ابن خلكان في (وفيات الأعيان) و ابن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) و ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) و سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) و السيوطي في (شرح شواهد المغني) و ابن كثير الشامي في (البداية و النهاية) و ابن حجر في (الصواعق المحرقة) و الشبلنجي في (نور الأبصار) و أبونعيم في (الحلية) و أبوجعفر فرج الأصفهاني في (الأغاني) و غيرهم العشرات بقولهم:

حج هشام بن عبدالملك فلم يقدر علي استلام الحجر الأسود من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه و أطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك اذا أقبل علي بن الحسين عليه السلام و عليه ازار ورداء من أحسن الناس وجها و أطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فاذا بلغ الي موضع الحجر تنحي الناس حتي يستلمه هيبة له، فقال رجل شامي: من هذا يا أميرالمؤمنين؟ فقال: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق و كان حاضرا لكني أنا أعرفه، فقال الشامي، من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ قصيدة ذكر بعضها في الأغاني و الحلية و الحماسة، منها هذه الأبيات:



يا سائلي أين حل الجود و الكرم

عندي بيان اذا طلابه قدموا



هذا الذي تعرف البطحاء و طأته

و البيت يعرفه و الحل و الحرم



هذا ابن خير عبادالله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم



هذا الذي أحمد المختار والده

صلي عليه الهي ما جري القلم



اذا رأته قريش قال قائلها

الي مكارم هذا ينتهي الكرم



و ليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف من أنكرت و العجم



ينجاب نور الدجي عن نور غرته

كالشمس ينجاب عن اشراقها الظلم



هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله

بجده أنبياء الله قد ختموا



الله فضله قدما و شرفه

جري بذاك له في لوحه القلم



بيوتهم في قريش يستضاء بها

في النائبات و عند الحكم ان حكموا



فجده من قريش في أرومتها

محمد و علي بعده علم



بدر له شاهد و الشعب من أحد

و الخندقان و يوم الفتح قد علموا



و خيبر و حنين يشهدن له

و في قريضة يوم صيلهم قتم



فغضب هشام و منع جائزته و قال: ألا قلت فينا مثلها، قال هات جدا كجده و أبا كأبيه و أما كأمه حتي أقول فيكم مثلها، فحبسوه بعسفان بين مكة و المدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام فبعث اليه باثني عشر ألف درهم، و قال: اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به، فردها، و قال: يا ابن رسول الله (ص) ما قلت الذي قلت الا غضبا لله و رسوله، و ما كنت لأرزا عليه شيئا. فردها اليه و قال: بحقي عليك لما قبلتها، فقد رأي الله مكانك و علم نيتك. فقبلها. فجعل الفرزدق يهجو هشاما و هو في الحبس.

و في أمالي الطوسي عن الامام أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام قال: «كان علي بن الحسين عليه السلام يقول: ما تجرعت جرعة غيظ أحب من جرحة غيظ أعقبها صبرا، و ما أحب أن لي بذلك حمر النعم. قال: و كان يقول: الصدقة تطفي غضب الرب. قال: و كان لا تسبق يمينه شماله، و كان يقبل الصدقة قبل أن يعطيها السائل، قيل له: ما يحملك علي هذا؟ قال لست أقبل يد السائل انما أقبل يد ربي، انها تقع في يد ربي قبل أن تقع في يد السائل، قال: و لقد كان يمر علي المدرة في وسط الطريق فينزل عن دابته حتي ينحيها بيده عن الطريق.

و روي صاحب الحلية عن ابن عائشة أنه كان أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتي مات علي بن الحسين عليه السلام، و في خبر عن أبي جعفر أنه كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب علي ظهره حتي يأتي بابا بابا، فيقرعه ثم يناول من كان بخرج اليه، و كان يغطي وجهه اذا ناول فقيرا لئلا يعرفه، و في خبر انه كان اذا جن الليل، و هدأت العيون، قام الي منزله فجمع ما فيه من قوت، و جعله في جراب، و رمي به علي عاتقه، و خرج الي دور الفقراء و هو ملثم و يفرق عليهم، و كثيرا ما كانوا قياما علي أبوابهم ينتظرونه، فاذا رأوه تباشروا به، و قالوا جاء صاحب الجراب.

و في شرف العروس عن أبي عبدالله الدامغاني أنه، كان علي بن الحسين عليه السلام يتصرف بالسكر و اللوز، فسئل عن ذلك فقرأ قوله تعالي: (لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون) (آل عمران / 92)، و كان عليه السلام يحبه.