بازگشت

الامام زين العابدين و حكام زمانه


و أن الله في خلقه شؤونا فقد شاءت العناية الالهية أن يبقي الامام زين العابدين عليه السلام في كربلاء علي قيد الحياة كي لا ينقطع نسل الامامة، و هي محصورة فيه بعد استشهاد أبيه الامام الحسين عليه السلام و أهل بيته، علي يد جلاوزة يزيد بن معاوية، حيث كان الامام زين العابدين مريضا جدا و مشرفا علي العطب، و قد انصرف بعد وفاة أبيه الي العبادة و التعليم و التدريس و أعمال البر و الخير، التي لم يكن ليعرف فاعلها لولا وفاته عليه السلام، و كانت هيبته في صدور الناس عظيمة نجدة من الله خصه بها و حباه بها.

و قد روي صاحب الخرائج و الجرائح: (ان الحجاج بن يوسف كتب الي عبدالملك بن مروان ان أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين عليه السلام. فكتب عبدالملك اليه: أما بعد فجنبني دماء بني هاشم و احقنها فاني رأيت آل أبي سفيان لما أولغوا فيها لم يلبثوا الي أن أزال الله الملك عنهم. و بعث بالكتاب سرا. فكتب علي بن الحسين عليه السلام الي عبدالملك في الساعة التي.أنفذ فيها الكتاب الي الحجاج: «وقفت علي ما كتبت في دماء بني هاشم و قد شكرالله لك ذلك». فلما قدم الغلام أوصل الكتاب اليه، فنظر عبدالملك في تاريخ الكتاب فوجده موافقا لتاريخ كتابه، فلم يشك في صدق زين العابدين، و فرح بذلك و بعث اليه بوقر دنانير و سأله أن يبسط اليه بجميع حوائجه و حوائج أهل بيته و مواليه. و كان في كتابه عليه السلام: «أن رسول الله (ص) أتاني في النوم فعرفني ما كتبت به اليك و ما شكر من ذلك».

و في نفس النسق ما جاء في الخرائج و الجرايح قال: (روي أن الحجاج بن يوسف لما خرب الكعبة بسبب مقاتلة عبدالله بن الزبير، ثم عمروها، فلما أعيد البيت أرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود، فكلما نصبه عالم من علمائهم أو قاض من قضاتهم أو زاهد من زهادهم، يتزلزل و يضطرب و لا يستقر الحجر في مكانه، فجاءه علي بن الحسين عليه السلام و أخذه من أيديهم و سمي الله ثم نصبه فاستقر في مكانه و كبر الناس).

و في نفس المصدر عن الباقر عليه السلام أنه قال: (كان عبدالملك يطوف بالبيت و علي بن الحسين يطوف بين يديه و لا يلتفت اليه و لم يكن عبدالملك يعرفه بوجه فقال: من هذا الذي يطوف بين أيدينا و لا يلتفت الينا، فقيل هذا علي بن الحسين عليه السلام. فجلس مكانه و قال: ردوه الي فردوه فقال له: يا علي بن الحسين لست قاتل أبيك فما يمنعك من المصير الي. فقال علي بن الحسين عليه السلام ان قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه، و أفسد أبي عليه بذلك آخرته، فان أحببت أن تكون مثله فكن. فقال كلا و لكن صر الينا لتنال من دنيانا، فجلس زين العابدين عليه السلام و بسط رداءه و قال: اللهم أره حرمة أوليائك عندك، فاذا بازاره مملوءة دررا يكاد شعاعها يخطف الأبصار، فقال له: من يكون هذا حرمته عند ربه لا يحتاج الي دنياك. ثم قال: اللهم خذها فلا حاجة لي فيها).

و كان مما حفظ عنه عليه السلام من الدعاء حين بلغه توجه مسلم بن عقبة من قبل يزيد بن معاوية الي المدينة: (رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري، و كم من بلية ابتليتني بها قل لك عندها صبري، فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، و قل عند بلائه صبري فلم يخذلني، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، و يا ذا النعماء التي لا تحصي عددا، صل علي محمد وآل محمد وادفع عني شره فاني أدرأ في نحره، و أستعيذ بك من شره) (المناقب ج 4، ص 164)، فقدم مسلم بن عقبة المدينة و كان يقال: لو يريد غير علي بن الحسين عليه السلام. فسلم منه و حباه و وصله.