بازگشت

الانسان مفطور علي العبادة


يقول تعالي: (و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) (النحل آية 78) البعض يفسرون أن الانسان خلق كاللوح الخالي من النقوش العلمية، ليس في نفسه و روحه شي ء من العلوم، و أي علم يحصل عليه فهو كسبي، فجميع العلوم كسبية، هذا قول بعض أهل الفلسفة و أمثالهم.

أما الذي يفيدنا فيه مولانا السجاد عليه السلام هو أن هناك علمين علم كسبي و الانسان خلق جاهلا بهذا القسم من العلم كما قال عزوجل في سورة النحل، و هناك علم شهودي، فطر الانسان عليه، به يعرف الانسان الله سبحانه و تعالي حضورا، و هناك عمل انجذابي و انعطافي جبل الانسان عليه، به يعبدالله سبحانه و تعالي، كما قال عزوجل: (فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) (سوره ي الروم آية 20) و قال جل و علا: (و نفس و ما سواها) (سورة الشمس آية 7).

هل تعلمون ما تسوية النفوس؟ قد بينه و فسره بقوله تعالي في نفس السورة الآية 8: (فالهمها فجورها و تقواها) أي أن تسوية النفوس هو بالالهام، فلم يقل (و ألهمها) بل قال (فألهمها) فالفاء تفسير لهذه التسوية، فالنفس ملهمة بالفجور و التقوي انجذبا و عملا و انعطافا، و النفس مفطورة علي التوحيد و الدين علما و عملا، هذا هو العلم الشهودي العريق، و هذا ما هو محصل من القرآن الكريم.

و أما اتجاه الصحيفة السجادية في هذا الأمر الهام، فقد قال مولانا السجاد عليه السلام فيها:(لولا ان الشياطين يختدعهم عن طاعتك ما عصاك عاص، و لولا أنه صور لهم الباطل في مثال الحق ما ضل عن طريقك ضال) (الصحيفة، دعاء رقم / 37)، يعني أن الانسان لولا المانع الخارجي فهو علي الصراط المستقيم، فهو يعرفك و يعبدك و ان اقتضاء المعرفة و العبادة موجود في متن الانسان و لكن علينا ان نعدم المانع.

فالانسان ذو علمين: علم مكتسب من الخارج فهذا ضيف، و علم مفطور عليه من الداخل و هذا هو المضيف، فعلي العالم أن يتعلم علما لا يكون مزاحما للمضيف، و لا يكون مزاحما لرب البيت. فالعالم الحوزوي أو الجامعي اذا تعلم علما و كان هذا العلم مزاحما للمضيف أي رب البيت تصبح عاقبته السوء، و اذا تعلم العالم علما مسايرا و مناسبا للمضيف فيصير عالما ربانيا يعلم و يعمل.

و ندعوا الله سبحانه و تعالي بدعاء مولانا السجاد عليه السلام حيث قال: (ثم له الحمد مكان كل نعمة له علينا... حمدا لا منتهي لحمده... حمدا نسعد به في السعداة من أوليائه، و نصير به في نظم الشهداء بسيوف أعدائه، انه ولي حميد) دعاء رقم / 1 / من الصحيفة.

لئلا يتوهم أنه من كان وليا لأولياء الله و بات و مات علي فراشه مات شهيدا، كما أن مولانا عليا عليه السلام قد دعا الله سبحانه و تعالي بقوله (نسأل الله منازل الشهداء و معايشة السعداء و مرافقة الأنبياء) شرح نهج البلاغة: ج 1، ص 312.

أولئك المجاهدون المستشهدون في سبيل الله الذين بذلوا مهجهم دون القرآن و العترة.

اللهم انصر الاسلام و أهله و اخذل الكفر و أهله و صلي الله علي محمد و آله و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.