بازگشت

علم الله و البداء


ان صفات الله سبحانه علي قمسين:

أولا: صفات الذات كالعلم، و صفات الفعل كالرزق و الخلق.

و من صفاته تعالي الذاتية: العلم، و هو أزلي كذاته سبحانه.

روي الكليني بالاسناد عن الباقر عليه السلام: «كان الله عزوجل و لا شي ء غيره، و لم يزل عالما بما يكون، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه».

و عن الرضا عليه السلام: «لم يزل الله عالما بالاشياء قبل ان يخلق الأشياء كعلمه بالاشياء بعد ما خلق الأشياء» [1] .

و روايات أهل البيت في ذلك متواترة.

كما تواترت الروايات عنهم عليهم السلام بالقول بالبداء و انه لا يستلزم الجهل، بل ينبي ء أن علمه سبحانه يتعلق بأنواع من المعلومات، و منها ما يكون معلقا علي الاسباب كطول العمر المعلق علي دفع الصدقة، و تغير متعلق العلم المعلق علي شرط لا ينافي العلم المكنون لله سبحانه بأن العبد سيختار الشرط او أنه لا يختاره.



[ صفحه 247]



قال ابن منظور (ت / 711 ه): «و بدا لي بداء، أي تغير رأييو بدا عما كان عليه، و يقال: بدا لي من أمرك بداء اي ظهر لي... و في حديث الأقرع و الأبرص و الأعمي: بدا لله عزوجل أن يبتليهم، أي قضي بذلك، قال ابن الأثير (ت / 706 ه): و هو معني البداء هاهنا؛ لان القضاء سابق، و البداء: استصواب شي ء علم بعد أن لم يعلم، و ذلك علي الله غير جائز» [2] .

و ما ذكره ابن الأثير ناشي ء من تفسير الطبري له بالظهور لله، و هذا ما لا تقوله روايات أهل البيت عليهم السلام.

و روي الكليني بالاسناد عن الصادق عليه السلام: «ان الله لم يبد له من جهل».

و أيضا: «ما بدي لله في شي ء الا كان في علمه قبل أن يبدو له» [3] .

فان البداء ليس بمعني الظهور عن خفاء، بل بمعني تعدد المعلوم مما هو متعلق علي وجود شرائط و فقدان موانع أمرها بيد العبد، فدفع الصدقة يرفع البلاء و يزيد الاجل مثلا.

و روي الكليني باسناده عن الباقر عليه السلام: «العلم علمان، فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه احدا من خلقه، و علم علمه ملائكته و رسله. فما علمه ملائكته و رسله فانه سيكون لا يكذب نفسه و لا ملائكته و لا رسله. و علم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء و يؤخر منه ما يشاء و يثبت ما يشاء» [4] .

و ما ذكرناه من معني البداء بأنه تغير المعلوم من دون تغير العلم أي أن ارادته سبحانه تعلقت بأنه يتحقق في الخارج المعلوم المقدر علي الشرط المعين دون غيره، لا يستلزم أي تجوز في استعمال اللفظ في البداء، حيث ذهب اليه سيدنا الاستاذ قدس سره بقوله:«البداء بالمعني الذي تقول به الشيعة الامامية: هو من الابداء «الاظهار» حقيقة، و اطلاق لفظ البداء عليه مبني علي التنزيل و الاطلاق بعلاقة المشاكلة» [5] .



[ صفحه 248]



فان استعمال لفظ البداء الثلاثي المجرد و ارادة الابداء منه تجوزه ياباه ظاهر الاستعمال. و الله العالم.

و الله سبحانه يعلم الموجودات علما ذاتيا لا يختلف عن علمه مثقال ذرة، و علمه سبحانه تعالي بتحقق الشي ء في الخارج لا ينافي القضاء؛ فان الله سبحانه يعلم أزليا ان العبد سيختار المقدر الخاص من المقدرات دون غيره، لتوسط الاختيار في أعمال البشر، فيمضي و يتحقق الشي ء بما اختاره العبد و الثواب العقاب يكون علي الفعل الاختياري.

و الله سبحانه يعلم بكل شي ء في كل مراحله التكوينية من الابتداء و الثبوت و التقدير و القضاء.

و الله سبحانه قد يوحي ذلك الي الأنبياء مما يعود مصلحته الي العباد، و لا يمكن تغير علمه الذاتي الذي لا يعلمه الا هو.

نعم العلم الغير الذاتي، و هو الذي علمه الملائكة و الانبياء يمكن ان يتغير؛ لأنه غير ذاتي و هو المعبر عنه في روايات أهل البيت عليهم السلام بالبداء.

و قسم سيدنا الاستاذ الخوئي دام ظله القضاء الي ثلاثة أقسام فقال ما ملخصه:

الأول: قضاء الله الذي لم يطلع عليه أحدا من خلقه.

الثاني: قضاء الله الذي أخبر نبيه و ملائكته بأنه سيقع حتما.

الثالث: قضاء الله الذي أخبر نبيه و ملائكته وقوعه في الخارج، الا أنه موقوف علي أن لا يتعلق مشيئة الله بخلافه.

و من ثم ذهب الي ان البداء لا يقع في القسم الأول و الثاني، بل في القسم الثالث فقط. [6] .

و التعبير بالقضاء في الأقسام الثلاثة لا يخلو من تسامح؛ اذ يستلزم تقدم القضاء علي المشيئة.



[ صفحه 249]




پاورقي

[1] الكافي 107: 1.

[2] لسان العرب 66: 14، مادة «بدي».

[3] الكافي 148: 1.

[4] الكافي 147: 1.

[5] البيان: 393.

[6] البيان: 387.