بازگشت

القضاء


اضطربت كلمات الأعلام في تعريف القضاء، فذكر الشيخ المفيد في معني القضاء: الخلق و الأمر ولاء و الحكم و الفراغ من الأمر [1] ، و تكاد تتفق كلماتهم ان القضاء و القدر انما يتعلق بالامور التكوينية كالصحة و المرض و الحياة و الموت



[ صفحه 244]



و ماشابه، دون التشريعية كالوجوب و الحرمة و ماشابه، و ان القضاء الالهي لا يتخلف، واتفقت كلمة الطائفة بأن البداء ممكن، بل حاصل، و ان ذلك لا ينافي علمه سبحانه، و قد شنع المخالفون علي ذلك.

و تحقيق المقال بالايجاز: هو أن المستفاد من روايات أهل البيت عليهم السلام أن لله سبحانه و تعالي قضاء لا يتخلف، و قدرا معلقا علي حصول علته و أسبابه، و بدأ بمعني ظهر للعباد ما أراده سبحانه بعد أن خفي عليهم ارادة الله سبحانه علي نحو التجوز.

بيان ذلك: ان الاية في نفسها تدل علي ان ما يتحقق في الخارج من الامور التكوينية تمر بمراحل ثلاث:

المرحلة الاولي: مرحلة المشيئة، و هي المرحلة الأصلية و عبر عنها سبحانه ب «اللوح المحفوظ» و «ام الكتاب» أي الأصل المكتوب له أن يمحيه بمشيئته أو يثبته.

المرحلة الثانية: مرحلة القدر و هي غير ثابتة، بل مقدرة علي شرائط و أسباب ان تحققت تحقق القضاء، فمد الأجل مثلا معلق علي الصدقة، فان تحققت مد في الأجل، و الا فلا.

و هذا يعبر عنها بمرحلة المحو و الاثبات؛ لانه سبحانه يمحو و يثبت ما يشاء بعد تحقق تلك الشرائط او عدمها.

المرحلة الثالثة: مرحلة التحقق في الخارج بعد تحقق تلك الشرائط و الأسباب، و هذه يعبر عنها بالامضاء، و هذه هي مرحلة الاعجاز، فلولا امضاء الله سبحانه لما أثرت تلك الشرائط و الأسباب، و له سبحانه أن يوقف تأثيرها بالاعجاز، و لولاه لم يكن الاعجاز.

و المحصل: ان هذه المراحل كلها تحت قدرته تعالي، و ليس للعباد طريق الي معرفة المرحلة الاولي الا بعد تحقق المرحلة الاخيرة.



[ صفحه 245]



و يوضح هذه المراحل باختصار رواية الامام الصادق عليه السلام: «ان الله اذا أراد شيئا قدره، و اذا قدرة قضاه، و اذا قضاه أمضاه» [2] .

و أوضحه الامام الرضا بقوله عليه السلام: «ان الله اذا شاء شيئا أراده، و اذا أراده قدره، و اذا قدره قضاه، و اذا قضاه أمضاه» [3] .

و أجاب الامام الرضا عليه السلام عن سؤال يونس: فما معني شاء؟

قال عليه السلام: «ابتدأ الفعل».

قلت: فما معني أراد؟

قال: «الثبوت عليه».

قلت: فما معني قدر؟

قال: «تقدير الشي ء من طوله و عرضه».

قلت: فما معني قضي؟

قال: «اذا قضي أمضاه، فذلك الأمر الذي لا مرد له» [4] .

فالمشيئة هي المرحلة الاولي و قد تتعقبها الارادة أولا، و الارادة الالهية هذه هي القدرة التي تعم الكون جميعا، و بها تتحقق المعجزات.

و بعد الارادة تأتي مرحلة القدر، أي تقدير الامور علي أساسها و البناء عليها، فان في فقدان علة منها يتغير القدر.

و المرحلة الأخيرة هي مرحلة التحقق، حيث تتحقق العلة التامة بالقضاء و الامضاء الذي لا يتخلف.

و يزيد ذلك وضوحا ما رواه الصدوق (ت / 381 ه) باسناده عن ابن نباتة، قال: ان أميرالمؤمنين عليه السلام عدل من عند حائط مائل الي حائط آخر، فقيل له:



[ صفحه 246]



«يا أميرالمؤمنين تفر من قضاء الله؟ قال: أفر من قضاء الله الي قدر الله عزوجل» [5] .

فان الله سبحانه قدر للحائط المائل تقديرا يخالف تقديره للحائط الغير المائل، فان الأسباب لانهدام الحائط الغير المائل تكاد تكون منعدمة، و هي في المائل تكاد تكون متكاملة و يكاد ان يتعقبه القضاء.

فتلخص: أن الامور التكوينية تمر بمراحل المشيئة و الارادة، ثم التقدير، ثم القضاء، و به تتحقق الامور في الخارج، و قد يستعمل القضاء في الروايات بمعناه اللغوي.


پاورقي

[1] بحارالأنوار 98: 5.

[2] بحارالأنوار 121: 5.

[3] بحارالأنوار 122: 5.

[4] الكافي 15: 1 و بحارالأنوار 122: 5.

[5] بحارالأنوار 114: 5.