بازگشت

مؤتمر الأبواء


في عام 126 ه حيث قتل الوليد بن يزيد الأموي قامت دعوات علوية و عباسية لتسلم الحكم، و تحالف دعاة الدعوتين للاطاحة بالحكم الأموي، و عقد مؤتمر الأبواء لهذا الغرض، و قد خرج الامام الصادق عليه السلام برأيه الصريح؛ حيث ان تحالف القوي التي لا تلتقي في الوسائل و الأهداف لابد و أن تفشل، و هذا ما أثبته التأريخ.

يروي تفاصيل هذا المؤتمر أبوالفرج الاصفهاني (ت / 356 ه) باسناده، و ينقلها عنه الشيخ المفيد (ت / 413 ه)، و ننقلها بطولها لأنها تعطي صورة واضحة عن موقف الامام عليه السلام الرشيد:

«ان جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء، و فيهم: ابراهيم بن محمد بن علي ابن عبدالله بن العباس، و أبوجعفر المنصور، و صالح بن علي، و عبدالله بن الحسن، و ابناه محمد و ابراهيم، و محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان، فقال صالح ابن علي: قد علمتم انكم الذين يمد الناس اليهم أعينهم، و قد جمعكم الله في هذا الموضع، فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه اياها من أنفسكم، و تواثقوا علي ذلك حتي يفتح الله و هو خير الفاتحين.

فحمد الله عبدالله بن الحسن و أثني عليه ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو



[ صفحه 196]



المهدي، فهلم فلنبايعه.

قال أبوجعفر [المنصور الدوانيقي] : لأي شي ء تخدعون أنفسكم؟ و الله لقد علمتم ما الناس الي أحد أصور [1] أعناقا و لا أسرع اجابة منهم الي هذا الفتي، يريد به محمد بن عبدالله.

قالوا: قد والله صدقت ان هذا الذي نعلم.

فبايعوا محمدا جميعا و مسحوا علي يده.

قال عيسي: و جاء رسول عبدالله بن الحسن الي أبي: ان أئتنا فانا مجتمعون لأمر، و أرسل بذلك الي جعفر بن محمد عليهماالسلام.

و قال غير عيسي: ان عبدالله بن الحسن قال لمن حضر: لا تريدوا جعفرا، فانا نخاف أن يفسد عليكم أمركم.

قال عيسي بن عبدالله بن محمد: فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا له، فجئتهم و محمد بن عبدالله يصلي علي طنفسة رحل مثنية، فقلت لهم: أرسلني أبي اليكم أسألكم لأي شي ء اجتمعتم؟ فقال عبدالله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبدالله.

قال: و جاء جعفر بن محمد عليه السلام، فأوسع به عبدالله بن الحسن الي جنبه، فتكلم بمثل كلامه.

فقال جعفر عليه السلام: «لا تفعوا، فان هذا الأمر لم يأت بعد، ان كنت تري يعني عبدالله. ان ابنك هذا هو المهدي، فليس به و لا هذا أوانه، و ان كنت انما تريد أن تخرجه غضبا لله و ليأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر، فانا و الله لا ندعك و أنت شيخنا و نبايع ابنك في هذا الأمر».

فغضب عبدالله، و قال: «لقد علمت خلاف ما تقول، و والله ما أطلعك الله علي غيبه، و لكنه يحملك علي هذا الحسد لابني، فقال: والله ما ذاك يحملني، و لكن هذا و اخوته و أبناؤهم دونكم». و ضرب بيده علي ظهر أبي العباس، ثم ضرب بيده علي



[ صفحه 197]



كتف عبدالله بن الحسن، و قال: «انها و الله ما هي اليك و لا الي ابنيك و لكنها لهم، و ان ابنيك لمقتولان» ثم نهض و توكأ علي يد عبدالعزيز بن عمران الزهري فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر» يعني أباجعفر، فقال له: نعم، فقال: «انا - والله - نجده يقتله».

قال له عبدالعزيز: أيقتل محمدا؟ قال: «نعم».

فقلت في نفسي: حسده و رب الكعبة! قال: ثم و الله ما خرجت من الدنيا حتي رأيته قتلهما؛ قال: فلما قال جعفر ذلك نهض القوم و افترقوا فتبعه عبدالصمد و أبوجعفر، فقالا: يا أباعبدالله أتقول هذا؟ قال: «نعم أقوله - و الله - و أعمله».

قال أبوالفرج: و حدثني علي بن العباس المقانعي، قال: أخبرنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا حسن بن حسين، عن عنبسة بن بجاد العابد، قال: كان جعفر بن محمد عليهماالسلام اذا رأي محمد بن عبدالله بن الحسن تغرغرت عيناه بالدموع، ثم يقول: بنفسي هو، ان الناس ليقولون فيه، و انه لمقتول، ليس هو في كتاب علي عليه السلام من خلفاء هذه الامة» [2] .

و يظهر من رواية أبي الفرج نقاط هامة من دور بني العباس في التخطيط المسبق للايقاع بالعلويين، فان محمد بن علي العباسي المذكور هو والد السفاح و المنصور، و كان أول من قام بالدعوة العباسية سرا عام 100 ه، ولد في قرية الحميمة التي أقطعها عبدالملك بن مروان الأموي أباه علي، و قد وصفه المؤرخون بالعقل و الحكمة و العمل المدروس لنيل مآربه السياسية، و كان يجبي خمس الأموال من الشيعة لحماية الدعوة العباسية ماديا، مات عن 63 عاما، و أوصي بالأمر لابنه ابراهيم المذكور في الرواية، الذي كان له و لابي جعفر المنصور دور فعال في مؤتمر الابواء و دراسة مواد النقاش في هذا المؤتمر يفيد أن الموقف العباسي كان يعمل بخبث للحصول علي أمرين:



[ صفحه 198]



الأول: زرع بذرة التفرقة في موقف العلويين بين القيادة و القاعدة.

و الثاني: اختيار علوي يتخذ كواجهة ليست له التبحر و العلم بماضي العباسيين و تأريخهم، و قد نجحوا في الأمرين كما يثبته تأريخ أهل البيت عليهم السلام، و كان الامام الصادق عليه السلام الوحيد الذي اشار الي هذه الخطط و وقف موقفا ثابتا لاحباطها.

روي الكليني (ت / 329 ه) باسناده رواية طويلة عن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام الذي كان ثالث ثلاثة من الذين بايعوا محمد النفس الزكية عام 126 ه.

و قد حاول الامام عليه السلام التنبيه علي أمرين خطط العباسيون لهما كثيرا، و هما:

أولا: تفريق كلمة العلويين و الهائهم عن أهدف العباسيين الحقيقة، و لما دعي عبدالله بن الحسن المحض الامام بالمشاركة في الثورة، قال الامام الصادق عليه السلام:

«يا ابن عم اني اعيذك بالله من التعرض لهذا الأمر الذي أمسيت فيه؛ و اني لخائف عليك أن يكسبك شرا، فجري الكلام بينهما، حتي أفضي الي ما لم يكن يريد، و كان من قوله: بأي شي ء كان الحسين أحق بها من الحسن؟ فقال أبوعبدالله عليه السلام: رحم الله الحسن و رحم الحسين، و كيف ذكرت هذا؟ قال: لأن الحسين عليه السلام كان ينبغي له اذا عدل أن يجعلها في الأسن من ولد الحسن، فقال أبوعبدالله عليه السلام: ان الله تبارك و تعالي لما أن أوحي الي محمد صلي الله عليه و آله و سلم أوحي اليه بما شاء و لم يؤامر أحدا من خلقه، و أمر محمد صلي الله عليه و آله و سلم عليا عليه السلام بما شاء ففعل ما امر به؛ و لسنا نقول فيه الا ما قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من تبجيله و تصديقه، فلو كان أمر الحسين أن يصيرها في الأسن أو ينقلها في ولدهما يعني الوصية لفعل ذلك الحسين، و ما هو بالمتهم عندنا في الذخيرة لنفسه، و لقد ولي و ترك ذلك و لكنه مضي لما امر به و هو جدك و عمك، فان قلت خيرا فما أولاك به، و ان قلت هجرا فعفر الله لك» [3] .

و هكذا تمكن الامام عليه السلام ان يؤكد علي وحدة الكلمة العلوية و يفشل الهدف



[ صفحه 199]



العباسي الأول في الهاء العلويين في امور جانبية لا صلة لها بالموقف الموحد الذي يقتصر عليه العلويون... و أكد الامام عليه السلام ان هذه الثورة - ثورة محمد - لا تتم؛ حيث انها لا ينظر اليها الا بعداء، فقال: «لا و الله لا يملك أكثر من حيطان المدينة، و لا يبلغ عمله الطائف» [4] .

و لم يقتنع الأب بموقف الامام عليه السلام و لكنه لم يمسه بسوء حيث كان يعلم أنه موقف حذر و ليس موقف جبن، و علي العكس كان موقف ابنه حين ظهر.

و مما رواه الكليني عن موسي بن عبدالله بن الحسن قوله: «فظهر محمد بن عبدالله عند ذلك و دعا الناس لبيعته، قال: فكنت ثالث ثلاثة بايعوه و استونق الناس لبيعته و لم يختلف عليه قرشي و لا أنصاري و لا عربي، قال: و شاور عيسي بن زيد و كان من ثقاته و كان علي شرطه، فشاوره في البعثة الي وجوه قومه، فقال له عيسي ابن زيد: ان دعوتهم دعاء يسيرا لم يجيبوك، أو تغلظ عليهم، فخلني و اياهم. فقال له محمد: امض الي من أردت منهم، فقال: أبعث الي رئيسهم و كبيرهم يعني أباعبدالله جعفر بن محمد عليه السلام فانك اذا أغلظت عليه علموا جميعا أنك ستمربهم علي الطريق التي أمررت عليها أباعبدالله عليه السلام، قال: فوالله ما لبثنا أن اتي بأبي عبدالله عليه السلام حتي اوقف بين يديه، فقال له عيسي بن زيد: أسلم تسلم. فقال له أبوعبدالله عليه السلام: أحدثت نبوة بعد محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال له محمد: لا، و لكن بايع تأمن علي نفسك و مالك و ولدك و لا تكلفن حربا، فقال له أبوعبدالله عليه السلام: ما في حرب و لا قتال، و لقد تقدمت الي أبيك و حذرته الذي حاق به و لكن لا ينفع حذر من قدر، يا ابن أخي عليك بالشباب ودع عنك الشيوخ، فقال له محمد: ما أقرب ما بيني و بينك في السن، فقال له أبوعبدالله عليه السلام: اني لم اعازك و لم أجي ء لاتقدم عليك في الذي أنت فيه، فقال له محمد: لا و الله لابد من أن تبايع، فقال له أبوعبدالله عليه السلام: ما في يابن أخي طلب و لا حرب، و اني لاريد الخروج الي البادية فيصدني ذلك و يثقل علي



[ صفحه 200]



حتي تكلمني في ذلك الأهل غير مرة، و لا يمنعني منه الا الضعف، و ألله و الرحم أن تدبر عنا و نشقي بك، فقال له: يا أباعبدالله قد و الله مات أبو الدوانيق يعني أباجعفر. فقال له أبوعبدالله عليه السلام: و ما تصنع بي و قد مات؟ قال: اريد الجمال بك قال: ما الي ما تريد سبيل، لا و الله مامات أبو الدوانيق الا أن يكون مات موت النوم. قال: و الله لتبايعني طائعا أو مكرها و لا تحمد في بيعتك، فأبي عليه اباء شديدا و أمر به الي الحبس. فقال له عيسي بن زيد: أما ان طرحناه في السجن و قد خرب السجن و ليس عليه اليوم غلق، خفنا أن يهرب منه، فضحك أبوعبدالله عليه السلام ثم قال: لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، أو تراك تسجنني؟ قال: نعم و الذي أكرم محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بالنبوة لأجسننك و لاشددن عليك، فقال عيسي بن زيد: احبسوه في المخبأ و ذلك دار ريطة اليوم، فقال له أبوعبدالله عليه السلام: أما و الله اني سأقول ثم اصدق، فقال له عيسي ابن زيد: لو تكلمت لكسرت فمك، فقال له أبوعبدالله عليه السلام: أما و الله يا أكشف يا أرزق لكأني بك تطلب لنفسك جحرا تدخل فيه» [5] .

و هكذا نجد الامام الصادق عليه السلام لا يدع فرصة و ينبه علي خطط العباسيين في أحلك الظروف و لا يسمح بتفريق الكلمة.

و التاريخ اثبت يقظة الامام لخطط العباسيين الذين أحكموا شبكة التجسس علي تحركات العلويين بقيادة عبدالله بن الحسن المحض.

يروي أبوالفرج الاصفهاني (ت / 356 ه) باسناده:

أن المنصور العباسي دعي عقبة بن مسلم الأزدي و قال له: «اني لأري لك همة و موضعا، و اني اريدك لأمر أنا معني به... فأخف شخصك و اتني في يوم كذا». و وجهه للتجسس عليه... «انه قدم عليهم فاكتني أباعبدالله و انتسب الي اليمن، و كان يقري ابني محمد و يرويهم الشعر ما رأينا رجلا كان يصبر علي الرياء علي ما كان يصبر عليه، لا ينام الليل و لا يفطر النهار، قال موسي [عبدالله بن



[ صفحه 201]



الحسن] ثم سألني يوما عن شي ء من أمرنا؟ فقلت لأبي: اعلم - و الله - انه عين، فامره بالشخوص» [6] .

و يذكر الاصفهاني أيضا: انه كيف تلقاهم متخشعا، و كيف أنسوا به، و كيف حمل الرسالة منهم و اليهم، و كيف دعاء المنصور عبدالله بن الحسن الي طعام ثم أمر عقبة هذا بأن يواجه عبدالله بن الحسن و أمر بحبسه، فكان في السجن ثلاث سنين حتي طرحوا عليه البيت فقتل فيمن قتل» [7] .

ذكر أبوالفرج الاصفهاني ان «يعقوب و اسحاق و محمدا و ابراهيم بني الحسن قتلوا في الحبس بضروب من القتل، و ان ابراهيم بن الحسن دفن حيا و طرح علي عبدالله بن الحسن بيت رضوان الله عليهم» [8] .

و روي باسناده عن مسلم بن بشار، قال: «كنت مع محمد بن عبدالله عند غنائم خشرم، فقال لي: هاهنا يقتل النفس الزكية» [9] .

و توجد اليوم - سنة 1390 - قرية تسمي الغنامية شرقي ناحية القاسم بالحلة، فيها قبور للعلويين، و زرتها مع أخي الشهيد السيد محمد تقي تغمده الله برحمته، و شاهدت فيها لوحة قبر مؤرخة 704 ه، تفيد أن خمسة من العلويين دفنوا بأرض سور [اء] و هم: محمد بن عبدالله بن الحسن و أحمد بن محمد و طفل و فاطمة و مريم».

فمن المحتمل قويا ان العباسيين فرقوا بين هؤلاء و بين شيخهم عبدالله بن الحسن الذي طرحوا عليه البيت في الهاشمية، و الله العالم.

فقد استشهد في سجن المنصور الدوانيقي في الهاشمية يوم الأضحي عام 145 ه مع ستة آخرين من الحسنيين، و يعرف قبرهم اليوم بالقبور السبعة بين القاسم و الحلة. [10] .



[ صفحه 202]




پاورقي

[1] أي أميل، الصور: الميل.

[2] الارشاد 193 - 190: 2، وراجع مقاتل الطالبين: 224 و ما بعدها و 185 و 224 و بحارالأنوار 187 - 46.

[3] الكافي 359: 1.

[4] الكافي 360: 1.

[5] الكافي 362: 1.

[6] مقاتل الطالبيين: 190.

[7] مقاتل الطالبيين: 190 و 192.

[8] مقاتل الطالبيين: 203.

[9] مقاتل الطالبيين: 220.

[10] راجع مزارات أهل البيت: 88 و 89.