[1] .

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ بِلا اَوَّلٍ كانَ قَبْلَهُ، وَ الْأخِرِ بِلا اخِرٍ يَكُونُ بَعْدَهُ. الَّذي قَصُرَتْ عَنْ رُؤْيَتِه اَبْصارُ النَّاظِرينَ، وَ عَجَزَتْ عَنْ وَصْفِه [2] اَوْهامُ الْواصِفينَ. ابْتَدَعَ بِقُدْرَتِهِ الْخَلْقَ ابْتِداعًا، وَ اخْتَرَعَهُمْ عَلي مَشِيَّتِه اخْتِراعًا. ثُمَّ سَلَكَهُمْ في طُرُقِ [3] اِرادَتِه، وَ بَعَثَهُمْ في سِلْكِ [4] مَحَبَّتِه، لا يَمْلِكُونَ تَاَخُّرًا [5] عَمَّا قَدَّمَهُمْ اِلَيْهِ، وَ لا يَسْتَطيعُونَ تَقَدُّمًا اِلي مآ اَخَّرَهُمْ عَنْهُ. وَ جَعَلَ لِكُلِّ رُوحٍ مِنْهُمْ قُوتًا [6] مَقْسُومًا مِنْ رِزْقِه، لا يَنْقُصُ مِنْهُمْ [7] مَنْ زادَهُ ناقِصٌ، وَ لا يَزيدُ مَنْ نَقَصَ مِنْهُمْ زآئِدٌ. ثُمَّ ضَرَبَ لَهُ فِي الْحَيوةِ اَجَلًا مَوْقُوتًا، وَ نَصَبَ لَهُ اَمَدًا مَحْدُودًا، يَتَخَطَّأُ اِلَيْهِ بِاَيَّامِ عُمْرِه، [8] وَ يَرْهَقُهُ بِاَعْوامِ دَهْرِه، حَتّي اِذا بَلَغَ اَقْصي اَثَرِه، وَ اسْتَوْعَبَ حِسابَ عُمْرِه [9] قَبَضَهُ اِلي ما نَدَبَهُ اِلَيْهِ مِنْ مَحْبُوبِ [10] ثَوابِه، اَوْ مَحْذُورِ عِقابِه، لِيَجْزِيَ الَّذينَ اَسآؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذينَ اَحْسَنُوا بِالْحُسْني. عَدْلًا مِنْهُ، تَقَدَّسَتْ اَسْماؤُهُ، وَ تَظاهَرَتْ نَعْمآؤُهُ، [11] لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ. وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي لَوْ سَتَرَ [12] عَنْ عِبادِه مَعْرِفَةَ حَمْدِه عَلي ما اَوْلاهُمْ [13] مِنْ مِنَنِهِ الْمُتَتابِعَةِ، وَ اَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَظاهِرَةِ، لَتَصَرَّفُوا في فَضْلِه [14] فَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَ تَوَسَّعُوا في رِزْقِه فَلَمْ يَشْكُرُوهُ. وَ لَوْ كانُوا كَذلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الْأِنْسانِيَّةِ وَ لَدَخَلُوا في حَريمِ [15] الْبَهيمِيَّةِ، فَكانُوا كَما وَصَفَ في مُحْكَمِ كِتابِه: اِنْ هُمْ اِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ اَضَلُّ سَبيلًا. وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلي ما عَرَّفَنا مِنْ نَفْسِه، وَ اَلْهَمَنا مِنْ شُكْرِه، وَ فَتَحَ لَنا مِنْ اَبْوابِ الْعِلْمِ بِرُبُوبِيَّتِه، وَ دَلَّنا عَلَيْهِ مِنَ الْأِخْلاصِ لَهُ في تَوْحيدِه، وَ جَنَّبَنا مِنَ الْأِلْحادِ وَ الشَّكِّ في اَمْرِه. حَمْدًا يَعْمُرُ [16] بِه مَنْ [17] حَمِدَهُ مِنْ جَميعِ [18] خَلْقِه، وَ يَسْبِقُ مَنْ سَبَقَ بِه [19] اِلي رِضاهُ وَ عَفْوِه. حَمْدًا يُضيُ [20] بِه ظُلُماتِ الْبَرْزَخِ، وَ يَسْهُلُ عَلَيْنا سُبُلُ [21] الْمَبْعَثِ، وَ يُشَرَّفُ بِه مَنازِلُنا [22] عِنْدَ مَواقِفِ الْأَشْهادِ، يَوْمَ تُجْزي كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ يَوْمَ لا يُغْني مَوْلًي عَنْ مَوْلًي شَيًْا وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ. حَمْدًا يَرْتَفِعُ عَنَّا [23] اِلي اَعْلي عِلِّيّينَ في كِتابٍ مَرْقُومٍ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ. حَمْدًا تُنيرُ [24] بِه عُيُونُنا اِذا بَرَقَتِ [25] الْأَبْصارُ، وَ تُبَيِّضُ بِه وُجُوهَنا [26] اِذا اسْوَدَّتِ الْأَبْشارُ. حَمْدًا نَعْبُرُ [27] بِه مِنْ اَليمِ عَذابِ [28] اللَّهِ اِلي كَريمِ ثَوابِه. [29] حَمْدًا نُزاحِمُ بِه مَلائِكَةَ اللَّهِ [30] الْمُقَرَّبينَ، وَ نُضآمُّ بِه اَنْبِياءَهُ الْمُرْسَلينَ في دارِ الْمُقامَةِ الَّتي لا تَزُولُ، وَ مَحَلِّ كَرامَتِهِ الَّتي لا تَحُولُ. وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اخْتارَ لَنا مَحاسِنَ الْأَخْلاقِ، [31] وَ اَجْري عَلَيْنا طَيِّباتِ الْأَرْزاقِ. [32] وَ جَعَلَ لَنا [33] بِالْمَلَكَةِ عَلي جَميعِ الْخَلْقِ، فَكُلُّ خَلْقِه مُنْقادٌ [34] لَنا بِقُدْرَتِه، وَ صآئِرَةٌ لَنا [35] اِلي طاعَتِنا بِعِزَّتِه. وَ [36] اَغْلَقَ عَنَّا بابَ الْحاجَةِ اِلَّا اِلَيْهِ، فَكَيْفَ نُطيقُ حَمْدَهُ؟ اَمْ مَتي نُؤَدّي شُكْرَهُ؟ لا مَتي؟ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي رَكَّبَ فينا الاتِ الْبَسْطِ، وَ جَعَلَ لَنا اَدَواتِ الْقَبْضِ، وَ مَتَّعَنا بِاَرْواحِ الْحَيوةِ، وَ اَثْبَتَ فينا جَوارِحَ الْأَعْمالِ، وَ غَذَّانا بِطَيِّباتِ الْمَعاشِ، [37] وَ اَغْنانا بِفَضْلِه، وَ اَقْنانا بِمَنِّه. ثُمَّ اَمَرَنا لِيَخْتَبِرَ طاعَتَنا، وَ نَهانا لِيَبْتَلِيَ شُكْرَنا، فَخالَفْنا عَنْ طَريقِ اَمْرِه، وَ رَكِبْنا مُتُونَ زَجْرِه، فَلَمْ يَبْتَدِرْنا بِعُقُوبَتِه، وَ لَمْ يُعاجِلْنا بِنِقْمَتِه، بَلْ تَاَنّي [38] بِرَحْمَتِه تَكَرُّمًا، وَ انْتَظَرَ فينا [39] بِرَاْفَتِه حِلْمًا. وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي اَدَلَّنا [40] عَلَي التَّوْبَةِ الَّتي لَمْ نُفِدْها اِلاَّ مِنْ فَضْلِه، فَلَوْ لَمْ نَعْتَدِدْ مِنْ فَضْلِه اِلَّا بِها لَقَدْ حَسُنَ بَلاؤُهُ عِنْدَنا، وَ جَلَّ اِحْسانُهُ اِلَيْنا، وَ جَسُمَ فَضْلُهُ عَلَيْنا. فَما هكَذا كانَتْ سُنَّتُهُ فِي التَّوْبَةِ لِمَنْ [41] قَبْلَنا، لَقَدْ وَضَعَ عَنَّا ما لا طاقَةَ لَنا بِه، فَلَمْ [42] يُكَلِّفْنا اِلَّا وُسْعًا، وَ لَمْ يُجَشِّمْنا اِلَّا يُسْرًا، وَ لَمْ يَدَعْ لِأَحَدٍ مِنَّا حُجَّةً وَ لا عُذْرًا. فَالْهالِكُ مِنَّا مَنْ هَلَكَ عَلَيْهِ، وَ السَّعيدُ مِنَّا مَنْ رَغِبَ اِلَيْهِ وَ الْمَحْرُومُ مِنَّا مَنْ اَخْطَاَهُ عَفْوُهُ. [43] وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بِكُلِّ ما حَمِدَهُ بِه اَدْني مَلائِكَتِه اِلَيْهِ وَ اَكْرَمُ خَلايِقِه [44] عَلَيْهِ وَ اَرْضي حامِديهِ لَدَيْهِ. حَمْدًا يَفْضُلُ سآئِرَ الْحَمْدِ كَفَضْلِ رَبِّنا عَلي جَميعِ خَلْقِه. ثُمَّ لَهُ الْحَمْدُ مَكانَ كُلِّ نِعْمَةٍ لَهُ عَلَيْنا وَ عَلي جَميعِ عِبادِهِ الْماضينَ وَ الْباقينَ عَدَدَ مآ اَحاطَ بِه عِلْمُهُ مِنْ جَميعِ الْأَشْيآءِ، وَ مَكانَ كُلِّ واحِدٍ [45] مِنْها عَدَدُها جَميعًا [46] اَضْعافًا مُضاعَفَةً اَبَدًا سَرْمَدًا اِلي يَوْمِ الْقِيمَةِ. حَمْدًا لا مُنْتَهي لِحَدِّه، وَ لا حِسابَ لِعَدِّه، [47] وَ لا مَبْلَغَ لِغايَتِه، وَ لاَ انْقِطاعَ لِأَمَدِه. حَمْدًا يَكُونُ وُصْلَةً اِلي [48] عَفْوِه، وَ سَبَبًا اِلي رِضْوانِه، وَ ذَريعَةً اِلي مَغْفِرَتِه، وَ طَريقًا اِلي جَنَّتِه، وَ خَفيرًا مِنْ نَقِْمَتِه، [49] وَ اَمْنًا مِنْ غَضَبِه، وَ ظَهيرًا عَلي طاعَتِه، وَ حاجِزًا عَنْ مَعْصِيَتِه، وَ عَوْنًا عَلي تَاْدِيَةِ حَقِّه وَ وَظآئِفِه. حَمْدًا نُسْتَعَدُ [50] بِه في السُّعَدآءِ مِنْ اَوْلِيآئِه، وَ نَصيرُ بِه في نَظْمِ الشُّهَدآءِ بِسُيُوفِ اَعْدآئِه. [51] .