بازگشت

يحمد الله و يثني عليه يذكر فيه النبي






[ صفحه 9]



الحمد لله الاول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته ابصار الناظرين، وعجزت عن نعته اوهام [1] الواصفين، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً، واخترع علي مشيته اختراعا [2] ثم سلك بهم طريق ارادته، وبعثهم في سبيل محبته. لا يملكون تأخراً عما قدمهم اليه، ولا يستطيعون تقدماً الي ما اخرهم عنه، وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه، لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد.



[ صفحه 10]



ثم ضرب له في الحيوة الدنيا اجلا موقوتا، ونصب له امداً محدوداً يتخطا اليه بأيام عمره، ويرهقه [3] باعوام دهره حتي اذا بلغ اقصي اثره [4] واستوعب حساب عمره، قبضه الي ما ندب اليه من موفور ثوابه، او محذور عقابه: (ليجزي الذين اساؤا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسني) [5] عدلاً منه تقدست اسماؤه، وتظاهرت آلاؤه: «لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون».

والحمد لله الذي لو حبس عن عبادة معرفة حمده علي ما ابلاهم من مننه المتتابعه، وأسبغ عليهم من نعمهم المتظاهرة لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الانسانية الي حد البهيمية فكانوا كما وصف في محكم كتابه: (ان هم إلا كالانعام بل هم اضل سبيلا) [6] .



[ صفحه 11]



والحمد لله علي ما عرفنا من نفسه، وألهمنا [7] من شكره وفتح لنا من أبواب المعرفة بربوبيته، ودلنا عليه من الاخلاص له في توحيده وجنبنا من الالحاد والشرك في أمره، حمداً نعمر به فيمن حمده من خلقه، ونسبق به فيمن سبق الي رضاه وعفوه، حمداً يضيء لنا به ظلمات البرزخ [8] ، ويسهل علينا به سبيل المبعث ويشرف به منازلنا عند مواقف الاشهاد: (لنجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) [9] : (يوم لا يغني مولي عن مولي شيئاً ولا هم ينصرون) [10] حمداً يرتفع منا ا لي اعلي عليين في كتاب مرقوم يشهده المقربون. حمداً تقر به عيوننا إذا برقت [11] ، حمداً نعتق به من أليم [12] .



[ صفحه 12]



نار الله الي كريم جوار الله، حمداً نزاحم به ملائكته المقربين ونضام [13] به انبياؤه المرسلين في دار المقامة [14] التي لا تزول، ومحل كرامته التي لا تحول.

والحمد لله الذي اختار لنا محاسن الخلق، واجري علينا طيبات الرزق، وجعل لنا الفضيلة بالملكة علي جميع الخلق فكل خليقة منقادة بقدرته، وصائرة الي طاعتنا بعزته.

والحمد لله الذي أغلق عنا باب الحاجة الا اليه، فكيف نطيق حمدخ أم متي نودي شكره لا متي [15] .

والحمد الذي ركب فينا الآت البسط، وجعل لنا أدوات القبض، ومتنا بارواح الحيوة، واثبت فينا جوارح الاعمال، وغذانا بطيبات الرزق، وأغنانا بفضله، واقنانا [16] بمنه، ثم امرنا ليختبر طاعتنا؛ ونهانا ليبتلي شكرنا، فخالفنا عن طريق امره، وركبنا متون زجره، فلم يبتدرنا بعقوبته، ولم يعاجلنا بنقمته بل تأنانا



[ صفحه 13]



برحمته تكرما، وانتظر مراجعتنا برأفته حلما.

والحمد لله الذي دلنا علي التوبة التي لم نفدها الا من فضله فلو لم نعتدد من فضله الا بها لقد حسن بلاؤه عندنا، وجل احسانه الينا، وجسم فضله علينا فما هكذا كانت سنته في التوبة لمن كان قبلنا [17] لقد وضع عنا ما لا طاقة لنا به ولم يكلفنا الا وسعاً، ولم يجشمنا إلا يسراً، ولم يدع لاحد منا حجة ولا عذرا، فالهالك منا من هلك عليه، والسعيد منا من رغب اليه.

والحمد لله بكل ما حمده به ادني ملائكته اليه، واكرم خليقته عليه وأرضي حامديه لديه حمداً يفضل سائر الحمد كفضل ربنا علي جميع خلقه ثم له الحمد مكان كل نعمة له علينا، وعلي جميع عباده الماضين والباقين عدد ما أحاط به علمه من جميع الاشياء، ومكان كل واحدة منها عددها اضعافاً مضاعفة ابداً سرمداً الي يوم القيمة حمداً لا منتهي لحده ولا حساب لعدده، ولا مبلغ لغايته ولا انقطاع لأمده حمداً يكون وصلة إلي طاعته وعفوه وسبباً إلي رضوانه، وذريعة إلي مغفرته، وطريقا إلي



[ صفحه 14]



جنته، وخفيراً [18] من نقمته، وامنا من غضبه، وظهيراً علي طاعته، وحاجزاً عن معصيته، وعونا علي تأدية حقه ووظائفه حمدا نسعد به في السعداء من اوليائه، ونصير به في نظم الشهداء وبسيوف اعدائه انه ولي الحميد.

والحمد لله الذي من علينا بمحمد نبيه صلي الله عليه وآله دون الامم الماضية، والقرون السالفة بقدرته التي لا تعجز عن شيء وإن عظم، ولا يفوتها شيء وإن لطف، فختم بنا علي جميع من ذرء [19] وجعلنا شهداء علي من جحد، وكثرنا علي من قل.

اللهم فصل علي محمد امينك علي وحيك، ونجيبك من خلقك وصفيك من عبادك، أمام الرحمة، وقائد الخير، ومفتاح البركة، كما نصب لامرك نفسه، وعرض فيك للمكروه بدنه، وكاشف في الدعاء اليك حامة [20] ، وحارب في رضاك اسرته، وقطع في احياء دينك رحمه، واقصي الادنين علي جحودهم، وقرب الأقصين علي استجابتهم لك، ووالي فيك



[ صفحه 15]



ألا بعدين، وعادي فيك الاقربين، واذأب نفسه في تبليغ رسالتك واتعبها في الدعاء الي ملتك، وشغلها بالنصح لاهل دعوتك، وهاجر الي بلاد الغربة، ومحل النأي عن موطن رحله، وموضع رحله ومسقط رأسه، ومأنس نفسه أرادة منه لاعزاز دينك، واستنصاراً علي اهل الكفر بك حتي استتب [21] له ما حاول في اعدائك، وأستتم ما دبر في اوليائك، فنهد [22] اليهم مستفتحاً بعونك، ومتقوياً علي ضعفه بنصرك، فغزاهم في عقر ديارهم وهجم عليهم في بحبوحة قرارهم، حتي ظهر أمرك، وعلت كلمتك، ولو كره المشركون.

اللهم فارفعه بما كدح فيك الي الدرجة العليا من جنتك حتي لا يساوي في منزلة، ولا يكافأ في مرتبة، ولا يوازيه لديك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وعرفه في اهله الطاهرين وأمته المؤمنين من حسن الشفاعة أجل ما وعدته يا نافذ العدة ويا وافي القول، يا مبدل السيئات باضعافها من الحسنات انك ذو الفضل العظيم [23] .



[ صفحه 16]




پاورقي

[1] الاوهام: جمع وهم ما يقع في القلب من الخاطر، ويطلق علي القوة الوهمية، وهي من الحواس الباطنة في الانسان محلها آخر التجويف الاوسط من الدماغ من شأنها ادراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات كشجاعة زيد وسخاوته.

قال السيد علي خان في شرح الصحيفة الكاملة: وقد شاع في الاستعمال ودلت عليه مضامين الاخبار: أن المراد بالوهم هنا أدراك المتعلق بالقوة العقلية المتعلقة بالمعقولات والقوة الوهمية المتعلقة بالمحسوسات جميعاً.

[2] الابتداع والاختراع لفظان متحدان في المعاجم العربية يقال ابتدعت الشيء اخترعته واخترعت الشيء ابتدعته.

[3] رهقت الشيء رهقا من باب تعب قربت منه.

[4] الاثر الاجل ومنه الحديث: (من سره أن يبسط الله في رزقه وينشأ في اثره ـ أي في اجله ـ فليصل رحمه).

[5] سورة النجم آية 33.

[6] سورة الفرقان آية 41.

[7] قال في الغريب: يقال لما يقع في النفس من عمل الخير إلهام ولما يقع من الشر وما لا خير فيه وسواس.

[8] البرزخ في اللغة الحاجز بين الشيئين، واطلق علي الحالة التي تكون بين الموت والبعث.

[9] سورة الجاثية آية 21.

[10] سورة الدخان آية 41.

[11] برق البصر برقاً بروقاً ـ تجير فزعاً حتي لا تطرف، أو دهش فلم يبصر.

[12] الابشار جمع بشر بالتحريك كسبب واسباب وهو جمع بشره وهي ظاهر جلد الانسان.

[13] الضم: الجمع. تقول ضممت الشيء الي الشيء فانضم، وضامه: أي انجمع اليه، والمعني تنضم به الي الأنبياء.

[14] المقامة مصدر بمعني الاقامة الحقت به التاء أي دار الاقامة التي لا انتقال عنها ابداً.

[15] قد يتوهم انه وقع من العبارة شيء ولكن ليس كذلك والمعني لا يمكن تأدية شكره متي يمكن ذلك.

[16] القنا بالكسر والقصر مثل الا بمعني الرضا يقال اقناه الله أي أرضاه.

[17] المقصود بنو اسرئيل الذين كانت سنة الله تعالي لهم في التوبة قتل النفس لا الندم فقط (كما جاء في القرآن الكريم).

[18] ا لخفير هو المجير والمحامي من باب ضرب.

[19] ذرء بالهمزة من باب بفع خلقهم.

[20] حامة الرجل خاصته من اهله وولده.

[21] استتب له الامر اي استقام وتم قاله الزمخشري في اساس اللغة وقال ابن الاثير في النهاية في حديث الدعاء حتي استتب له ما حاول في اعدائك اي استقام واستمر.

[22] نهد اي ظهر وبرز من بابي نفع وقتل.

[23] الصحيفة الكاملة السجادية.