بازگشت

خطبة الإمام السجاد يحذر فيها من الدنيا


بعدما حمد الله تعالي، وأثني عليه، وذكر جدّه فصلّي عليه، ثمّ قال:

(أيّها الناس أحذّركم من الدنيا وما فيها، فإنّها دار زوال وانتقال تنتقل بأهلها من حال إلي حال، وهي قد أفنت القرون الخالية والأمم الماضية، وهم الذين كانوا أكثر منكم مالاً، وأطول اعماراً، وأكثر آثاراً، أفنتهم أيدي الزمان، وأحتوت عليهم الأفاعي والديان، أفنتهم الدنيا فكأنّهم لا كانوا لها أهلاً ولا سكّاناً، وقد أكل التراب لحومهم، وأزال محاسنهم، وبدّد أوصالهم وشمائلهم، وغيّر ألوانهم، وطحنتهم أيدي الزمان، أفتطمعون بعدهم بالبقاء؟

هيهات هيهات فلابد من الملتقي، فتدبّروا ما مضي من عمركم وما بقي، ما فعلوا فيه ما سوف يلتقي عليكم بالأعمال الصالحة قبل انقضاء الأجل، وفروغ الأمل، فعن قريب تؤخذون من القصور إلي القبور، حزينين غير مسرورين، فكم والله من فاجر قد استكملت عليه الحسرات، وكم من عزيز وقع في مسالك الهلكات، حيث لا ينفعه الندم، ولا يغاث من ظلم، وقد وجدوا ما أسلفوا، واحذروا ما تزوّدوا، ووجدوا ما عملوا حاضراً، ولا يظلم ربّك أحداً، فهم في منازل البلوي همود، وفي عسكر الموتي خمود، ينتظرون صيحة القيامة، وحلول يوم الطامّة، (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَي).