بازگشت

خطبة الإمام السجاد في مسجد دمشق


ورد في كتاب فتوح ابن اعثم 5 / 247، ومقتل الخوارزمي 2 / 69:

أن يزيد أمر الخطيب أن يرقي المنبر، ويثني علي معاوية ويزيد، وينال من الإمام علي والإمام الحسين، فصعد الخطيب المنبر، فحمد الله وأثني عليه، وأكثر الوقيعة في علي والحسين، وأطنب في تقريض معاوية ويزيد، فصاح به علي بن الحسين: (ويلك أيها الخاطب، اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق؟ فتبوأ مقعدك من النار).

ثم قال: (يا يزيد ائذن لي حتي أصعد هذه الأعواد، فأتكلم بكلمات فيهن لله رضا، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب)، فأبي يزيد، فقال الناس: يا أمير المؤمنين ائذن له ليصعد، فعلنا نسمع منه شيئاً، فقال لهم: إن صعد المنبر هذا، لم ينزل إلا بفضيحتي، وفضيحة آل أبي سفيان، فقالوا: وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال: إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا.

ولم يزالوا به حتي أذن له بالصعود، فصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه، وقال: (أيها الناس، أعطينا ستاً، وفضلنا بسبع: أعطينا العلم، والحلم، والسماحة والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمد (صلي الله عليه وآله)، ومنا الصدّيق، ومنا الطيار، ومنا أسد الله وأسد الرسول، ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنا سبطا هذه الأمّة، وسيدا شباب أهل الجنة، فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي: أنا ابن مكة ومني، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدي، أنا ابن خير من انتعل واحتفي، أنا ابن خير من طاف وسعي، أنا ابن خير من حج ولبّي، أنا ابن من حمل علي البراق في الهواء، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي، فسبحان من أسري، أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلي سدرة المنتهي، أنا ابن من دنا فتدلي، فكان قاب قوسين أو أدني، أنا ابن من صلّي بملائكة السماء، أنا ابن من أوحي إليه الجليل ما أوحي، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق، حتي قالوا لا اله إلا الله، أنا ابن من بايع البيعتين، وصلّي القبلتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين، يعسوب المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، سمح سخي، بهلول زكي، ليث الحجاز، وكبش العراق، مكّي مدني، أبطحي تهامي، خيفي عقبي، بدري أحدي، شجري مهاجري، أبو السبطين، الحسن والحسين، علي بن أبي طالب، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء، أنا ابن بضعة الرسول...).

قال: ولم يزل يقول: أنا أنا، حتي ضج الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذّن يؤذّن، فقطع عليه الكلام وسكت، فلمّا قال المؤذّن: الله أكبر.

قال علي بن الحسين: (كبرت كبيراً لا يقاس، ولا يدرك بالحواس، ولا شيء أكبر من الله)، فلمّا قال: أشهد أن لا اله إلا الله، قال علي: (شهد بها شعري وبشري، ولحمي ودمي، ومخي وعظمي)، فلمّا قال: أشهد أن محمداً رسول الله، التفت علي من أعلا المنبر إلي يزيد، وقال: (يا يزيد محمد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنه جدّك فقد كذبت، وان قلت أنه جدّي، فلم قتلت عترته؟).

قال: وفرغ المؤذّن من الأذان والإقامة، فتقدّم يزيد، وصلّي الظهر، فلمّا فرغ من صلاته، أمر بعلي بن الحسين، وأخواته وعماته (رضوان الله عليهم)، ففرغ لهم دار فنزلوها، وأقاموا أياماً يبكون، وينوحون علي الحسين (عليه السلام).