بازگشت

خطبة الإمام السجاد في المدينة المنوّرة


ألقي الإمام زين العابدين (عليه السلام) خطاباً في أهل المدينة المنوّرة لدي عودته من الشام والعراق، حيث جمع الناس خارج المدينة قبل دخوله اليها، وخطب فيهم قائلاً:

(الحمد لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بارئ الخلائق أجمعين، الذي بَعُد فارتفع في السماوات العُلي، وقَرُب فشهد النجوي، نحمده علي عظائم الأمور، وفجائع الدهور، وألم الفجائع، ومضاضة اللواذع، وجليل الرزء، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظّة الفادحة الجائحة.

أيّها القوم: إنّ الله وله الحمد، ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الإسلام عظيمة، قُتل أبو عبد الله الحسين (عليه السلام)، وسُبي نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، وهذه الرزية التي لا مثلها رزيّة.

أيّها الناس: فأي رجالات منكم يسرّون بعد قتله؟! أم أيّ فؤاد لا يحزن مِن أجله؟! أم أيّة عين منكم تحبس دمعها وتضنّ عن انْهمالِها؟! فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها، والسماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان ولجج البحار، والملائكة المقرّبون وأهل السماوات أجمعون.

يا أيّها الناس: أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟! أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟! أم أيّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ولا يصمّ؟!

أيّها الناس: أصبحنا مطرودين مشرّدين مذودين وشاسعين عن الأمصار، كأنّا أولاد ترك وكابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين، إنْ هذا إلاّ اختلاق.

والله، لو أنّ النبي (صلي الله عليه وآله) تقدّم اليهم في قتالنا، كما تقدّم اليهم في الوصاية بنا، لما زادوا علي ما فعلوا بنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها، وأوجعها وأفجعها، وأكظّها وأفظعها، وأمرّها وأفدحها، فعند الله نحتسب فيما أصابنا، وأبلغ بنا، فإنّه عزيز ذو انتقام).