بازگشت

و ندبته اذا تلا هذه الاية يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين


و هو مما انفردنا به و قد نظمناه في سلك الدعاء باعتبار اوله و ان كان اخره يدخل في باب اخر و هو نظير لمناجاة السادسة عشرة المتقدمة التي ادرجها صاحب الصحيفة الرابعة في صحيفته كما تقدم باعتبار ان اخرها يشتمل علي المناجاة و ان كان اولها يدخل في باب اخر عكس هذه و هذه قد رواها في كشف الغمة عن ابي الطفيل عامر واثلة قال كان علي بن الحسين عليهما السلام اذا تلا هذه الآية يقول

اللهم ارفعني في اعلي درجات هذه الندبة، و اعني بعزم الارادة، و هبني حسن المستعقب (المستعتب خ ل) من نفسي، و خذني منها حتي تتجرد خواطر الدنيا عن قلبي من برد خشيتي منك، و ارزقني قلبا و لسانا



[ صفحه 297]



يتجاريان في ذم الدنيا، و حسن التجافي منها حتي لا اقول الا صدقت (صدقا خ ل) و ارني مصاديق اجابتك (أحاديثك خ ل) بحسن توفيقك حتي اكون في كل حال حيث اردت.



فقد قرعت بي باب فضلك فاقة

بحد سنان نال قلبي فتوقها



و حتي متي اصف محن الدنيا، و مقام الصديقين، و انتحل عزما من اراده مقيم بمدرجة الخطايا؟! اشتكي ذل ملكة الدنيا و سوء احكامها علي، فقد رايت و سمعت لو كنت اسمع في اداة فهم او انظر بنور يقظة.



و كلا (وكيلا خ ل) الا في نكبة و فجيعة

و كاس مرارات دعافا اذوقها



و حتي متي اتعلل بالاماني، و اسكن الي الغرور، و اعبد نفسي للدنيا علي غضاضة سوء الاعتداد من ملكاتها؟! و انا اعرض لنكبات الدهر علي، اتربص اشتمال البقاء، و قوارع الموت تختلف حكمي في نفسي، و يعتدل حكم الدنيا.



و هن المنايا اي واد سلكته

عليها طريقي او علي طريقها



و حتي متي تعدني الدنيا (الايام خ ل) فتخلف، و ائتمنها فتخون؟! لا تحدث جدة الا بخلوق جده، و لا تجمع شملا الا بتفريق شمل، حتي كانها غيري محجبة ضنا تغار علي الالفه، و تحسد اهل النعم.



[ صفحه 298]



فقد آذنتني بانقطاع و فرقة

و اومض لي من كل افق بروقها



و من اقطع عذرا من مغذ سيرا يسكن الي معرس غفله بادواء نبوة الدنيا و مرارة العيش، و طيب نسيم الغرور؟! و قد امرت تلك الحلاوه علي القرون الخالية، و حال دون ذلك النسيم هبوات و حسرات، و كانت حركات فسكنت، و ذهب كل عالم بما فيه.



فما عيشة الا تزيد مرارة

و لا ضيقة الا و يزداد ضيقها!



فكيف يرقا دمع لبيب، او يهدا طرف متوسم علي سوء احكام الدنيا، و ما تفجا به اهلها من تصرف الحالات، و سكون الحركات؟!

و كيف يسكن اليها من يعرفها، و هي تفجع الاباء بالابناء و تلهي الابناء عن الاباء؟! تعدمهم اشجان قلوبهم، و تسلبهم قره عيونهم.



و ترمي قساوات القلوب باسهم

و جمر فراق لا يبوخ [1] حريقها



و ما عسيت ان اصف من محن الدنيا، و ابلغ من كشف الغطاء عما و كل به دور الفلك من علوم الغيوب، و لست اذكر منها الا قتيلا افنته، او مغيب ضريح تجافت عنه!

فاعتبر ايها السامع بهلكات الامم، و زوال النعم، و فضاعه ما تسمع و تري من سوء آثارها في الديار الخالية، و الرسوم الفانية، و الربوع الصموت.



و كم عالم (عاقل خ ل) افنت فلم تبك شجوه

و لا بد ان تفني سريعا لحوقها





[ صفحه 299]



فانظر بعين قلبك الي مصارع اهل البذخ، و تامل معاقل الملوك، و مصانع الجبارين، و كيف عركتهم الدنيا بكلا كل الفناء، و جاهرتهم بالمنكرات، و سحبت عليهم اذيال البوار، و طحنتهم طحن الرحي للحب، و استودعتهم هوج الرياح تسحب عليهم اذيالها فوق مصارعهم في فلوات الارض!



فتلك مغانيهم و هذي قبورهم

توارثها اعصارها و حريقها



ايها المجتهد في آثار من مضي من قبلك من الامم السالفة، توقف و تفهم و النظر اي عز ملك، او نعيم انس، او بشاشة الف الا نغصت اهله قرة اعينهم، و فرقتهم ايدي المنون، و الحقتهم بتجافيف التراب، فاضحوا (فاصبحوا خ ل) في فجوات قبورهم يتقلبون، و في بطون الهلكات عظاما و رفاتا و صلصالا في الارض هامدون.



و اليت لا تبقي الليالي بشاشة

و لا جده الا سريعا خلوقها



و في مطالع اهل البرزخ، و خمود تلك الرقدة، و طول تلك الاقامة، طفئت مصابيح النظر، و اضمحلت غوامض الفكر، و ذم الغفول اهل العقول، و كم بقيت متلذذا في طوامس هوامد تلك الغرفات، فنوهت باسماء الملوك، و هتفت بالجبارين، و دعوت الاطباء و الحكماء، و ناديت معادن الرسالة و الانبياء، اتململ تململ السليم و ابكي بكاء الحزين، و انادي ولات حين مناص!:



سوي انهم كانوا فبانوا و انني

علي جدد قصد سريعا لحوقها



و تذكرت مراتب الفهم، و غضاضة فطن العقول، بتذكر قلب جريح،



[ صفحه 300]



فصدعت الدنيا عما التذ بنواظر فكرها من سوء الغفله، و من عجب كيف يسكن اليها من يعرفها، و قد استذهلت عقله بسكونها! و تزين المعاذير، و خسات ابصارهم عن عيب التدبير، و كلما تراءت الايات و نشرها من طي الدهر عن القرون الخالية الماضية، و حالهم و ما بهم و كيف كانوا، و ما الدنيا و غرور الايام.



و هل هي الا لوعة من ورائها

جوي قاتل او حتف نفس يسوقها



و قد اغرق في ذم الدنيا الادلاء علي طرق النجاة من كل عالم، فبكت العيون شجن (بشجن خ ل) القلوب فيها دما، ثم درست تلك المعالم، فتنكرت الاثار، و جعلت في برهة من محن الدنيا، و تفرقت ورثة الحكمة و بقيت فردا كقرن الاعضب [2] وجيدا، اقول فلا اجد سميعا، و اتوجع فلا اجد مشتكي.



و ان ابكهم اجرض [3] و كيف تجلدي

و في القلب مني لوعة لا اطيقها



و حتي متي اتذكر حلاوة مذاق الدنيا، و عذوبة مشارب ايامها، و اقتفي آثار المريدين، و اتنسم ارواح الماضين «الصالحين خ ل» مع سبقهم الي الغل و الفساد، و تخلفي عنهم في فضالة طرق «طريق خ ل» الدنيا، منقطعا من الاخلاء؟! فزادني جليل الخطب لفقدهم جوي، و خانني



[ صفحه 301]



الصبر حتي كاني اول ممتحن اتذكر معارف الدنيا و فراق الاحبة.



فلو رجعت تلك الليالي كعهدها

رات اهلها في صورة لا تروقها



فمن اخص بمعاتبتي؟ و من ارشد بندبتي؟ و من ابكي، و من ادع؟ اشجو بهلكة الاموات، ام «او خ ل» بسوء خلف الاحياء؟! و كل يبعث حزني، و يستاثر بعبراتي، و من يسعدني فابكي و قد سلبت القلوب لبها، ورقا «ورق خ ل» الدمع؟! و حق للداء ان يذوب علي طول مجانبة الاطباء، و كيف بهم و قد خالفوا «خافوا خ ل» الامرين، و سبقهم زمان الهادين، و وكلوا الي انفسهم يتنسكون في الضلالات في ديا جير الظلمات؟!



حياري و ليل القوم داج نجومه

طوامس لا تجري بطي ء خفوقها



و قد انتحلت طوائف من هذه الامه بعد مفارقتها ائمة الدين، و الشجرة النبوية اخلاص الديانة، و اخذوا انفسهم في مخائل الرهبانية، و تغالوا في العلوم، و وصفوا الاسلام «الايمان خ ل» باحسن صفاتهم «صفاته ظ» و تحلوا باحسن السنه، حتي اذا طال عليهم الامد، و بعدت عليهم الشقة و امتحنوا بمحن الصادقين، رجعوا علي اعقابهم ناكصين عن سبيل الهدي و علم النجاة، يتفسحون تحت اعباء الديانة تفسح حاشيه الابل تحت اوراق البزل.



و لا يحرز السبق الرزابا «الرزاح ظ» و ان جرت

و لا يبلغ الغايات الا سبوقها



و ذهب آخرون الي التقصير في امرنا، و احتجوا بمتشابه القرآن. فتاولوه



[ صفحه 302]



بارائهم، و اتهموا ما ثور الخبر مما استحسنوا، يقتحمون في اغمار الشبهات، و دياجير الظلمات، بغير قبس نور من الكتاب، و لا اثرة علم من مظان العلم بتخدير مثبطين زعموا انهم علي الرشد من غيهم.

و الي من يفزع خلف هذه الامة، و قد درست اعلام المله، و دانت الامة بالفرقة و الاختلاف؟! يكفر بعضهم بعضا و الله تعالي يقول:

«و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات»

فمن الموثوق به علي ابلاغ الحجة، و تاويل الحكمة الا اهل الكتاب، و ابناء ائمة الهدي، و مصابيح الدجي الذين احتج الله بهم علي عباده، و لم يدع الخلق سدي من غير حجة؟!

هل تعرفونهم او تجدونهم الا من فروع الشجرة المباركة، و بقايا الصفوة الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و براهم من الافات، و افترض مودتهم في الكتاب!



هم العروة الوثقي و هم معدن التقي

و خير حبال العالمين وثيقها



«اقول» و قد اورد في البحار بعض فصول هذه الندبة مقتصرا عليه مع بعض المخالفة لما هنا ناقلا له عن مناقب ابن شهر آشوب عند ذكره للندب المروية عنه عليه السلام «قال» فمنها ما روي الزهري الي اخر ما نقلناه في ذيل الندبة السابقة المنقوله عن الصحيفة الرابعة «ثم قال» و منها ما روي الصادق عليه السلام . حتي متي تعدني الدنيا و تخلف و ائتمنها فتخون و استنصحها فتغش لا تحدث جديدة الا تخلق مثلها و لا تجمع شملا الا بتفريق بين حتي كانها غيري



[ صفحه 303]



او محتجبة تغار علي الاف و تحسد اهل النعم



فقد اذنتني بانقطاع و فرقة

و اومض لي من كل افق بروقها




پاورقي

[1] باخ سكن و فتر «منه».

[2] الأعضب الظبي الذي انكسر احد قرينه.

[3] اجرض اهلك «منه».