بازگشت

وبخ


- و بخته توبيخا: لمته. و في المختار: التوبيخ: التهديد و التانيب. و قال الفارابي:

و بخته: عيرته.

اعلم ان توبيخ النفس و معاتبتها باب عظيم من ابواب المرابطه في سبيل الله فان للعارفين في سلوك سبيل الله و مرابطيهم مع انفسهم مقامات خمسه: و هي المشارطه. ثم المراقبه. ثم المحاسبه. ثم المعاتبه. ثم المعاقبه.

فقالوا: ينبغي ان تكون حال الانسان مع نفسه كحاله مع شريكه اذا سلم اليه مالا ليتجر به فالعقل هو التاجر في طريق الاخره و مطلبه و ربحه: تزكيه النفس اذبها فلاحها كما قال تعالي (قد افلح من زكيها) (الشمس: 9). فالعقل يستعين بالنفس في هذه التجاره اذ يستصرفها فيما يزكيها كما يستعين الانسان بشريكه و كما ان الشريك يصير خصما منازعا يجاذبه في الربح فيحتاج ان يشارطه اولا. و يراقبه، ثانيا و يحاسبه ثالثا. و يعاتبه رابعا. و يعاقبه خامسا.

فكذلك العقل يحتاج الي هذه المقامات الخمس: الاولي- المشارطه و هو ان يشارط النفس او لا فيوظف عليها الوظائف و يامرها بسلوك طريق الحق و يرشدها اليه و يحرم عليها سلوك غيره كما يشترط التاجر علي شريكه.

الثانيه- المراقبه و هي ان لا يغفل عنها لحظه فلخطه عند خوضها في الاعمال و يلاحظها بالعين الكالئه (الكالئه: الساهره). فان الانسان ان غفل عن نفسه و اهملها لم ير منها الا الخيانه و تضييع راس المال كالعبد الخائن اذا انفرد بمال سيده.

الثالثه- المحاسبه و هي ان يحاسبها بعد الفراغ من العمل و يطالبها بالوفاء بما شرط عليها اولا فان هذه تجاره ربحها: الفردوس الاعلي فتدقيق الحساب في هذا اهم من التدقيق في ارباح الدنيا لحقارتها بالنسبه الي نعيم الاخره فلا ينبغي ان يترك مناقشتها في ذره من حركاتها و سكناتها و خطراتها و لحظاتها فان كل نفس من انفاس العمر جوهره نفيسه لا عوض لها. يمكن ان يشتري به كنزا من كنوز الاخره لا يتناهي نعيمه و لا يظعن مقيمه.

قالوا: و ينبغي للانسان ان يخلو عقيب فريضه كل صبح بنفسه و يقول لها اي نفس مالي بضاعه الا العمر و مهما فني فقد فني راس مالي و وقع الياس من التجاره و طلب الربح و هذا يوم جديد قد امهلني الله فيه و لو توفاني لقلت ( رب ارجعوني لعلي اعمل صالحا فيما تركت) (المومنون: 99). فاحسبي انك توفيت ثم رددت فاياك و تضييع هذا اليوم و الغفله فيه.

الرابعه: المعاتبه و التوبيخ. و قد علمت ان لك نفسا اماره بالسوء مياله الي الشر و قد امرت بتقويمها و قودها بسلاسل القهر الي عباده ربها و طاعه خالقها. فسبيل المعاتبه و التوبيخ ان تعدد للنفس عيوبها و تذكر لها ما هي عليه من الجهل في ارتكاب المعاصي و انحرافها عن سلوك سبيل الله لتذل و تنكسر فتضعف سوره شهوتها و تستعد بذلك الي استنزال رحمه الله تعالي و رافته كما ارشدك سيد العابدين و امام المتقين في هذا الدعاء.-

الخامسه- المعاقبه و المجاهده و ذلك اذا راي نفسه قد قارفت معصيه او همت بها فينبغي ان يعاقبها بالنضييق عليها في الامور المباحه و ياخذها بالصبر عنها و اذا رآها توانت و كسلت عن شي ء من الفضائل و ورد من الاوراد فينبغي ان يود بها بتثقيل الاوراد عليها و يلزمها فنونا من الطاعات جبرا لمافات.