بازگشت

لعن


- اللعن لغه: الطرد و الابعاد. قال الجوهري اللعن: الطرد و الابعاد من الخير، و اللعنه: الاسم و الجمع لعان و لعنات.

قال الزمخشري في الاساس: لعن فلانا اهله: طردوه و ابعدوه و هو لعين. و قد لعن الله ابليس: طرده من الجنه و ابعده من جوار الملائكه.

و قال الراغب: اللعن: طرد و ابعاد علي وجه السخط و ذلك من الله تعالي في الاخره عقوبه، و في الدنيا: انقطاع عن قبول فيضه و توفيقه، و من الانسان دعاء علي غيره.

تنبيهات

الاول- دل تصريحه عليه السلام باللعن لاعداء خلفاء الله و اصفيائه علي مشروعيه اللعن علي من يستحقه بل علي استحبابه و ترتب الثواب عليه اذ لو لا ذلك لما صرح به في هذا اليوم الشريف و جعله من جمله الدعاء الذي يتقرب به الي الله سبحانه و هو مذهبنا معشر الاماميه خلافا لبعض الحشويه (قال في اقرب الموارد: الحشويه و الحشويه: طائفه تمسكوا بالظواهر و ذهبوا الي التجسم و غيره). القائلين بكراهيته بل حرمته.

قال بعض المحققين من اصحابنا رضوان الله عليهم: ان اللعن قد يكون عباده بالنسبه الي مستحقيه كالصلوه فانها عباده بالنسبه الي مستحقيها و كما يترتب الثواب علي القسم الثاني كذا يترتب علي القسم الاول اذا وقع في محله ابتغاء لوجه الله.

يدل علي ذلك: ان الله جل اسمه لعن في كتابه العزيز في عده آيات و امر باللعن في بعضها كقوله تعالي (فلعنه الله علي الكافرين) (البقره: 89). (لعنهم الله في الدنيا و الاخره) (الاحزاب: 57). (اولئك الذين لعنهم الله و من يلعن الله فلن تجد له نصيرا) (النساء: 52). (اولئك عليهم لعنه الله و الملائكه و الناس اجمعين) (البقره: 161). (اولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون) (البقره: 159). الذين يتاتي منهم اللعن و يعتد بلعنهم من الملائكه و صالحي الثقلين و لا خفاء في ان المراد بقوله سبحانه: و الملائكه و الناس اجمعين، و بقوله تعالي: و يلعنهم اللاعنون: امر الملائكه و الناس و اللاعنين بلعن من لعنهم كقوله عز و جل (و المطلقات يتربصن بانفسهن ثلثه قروء) (البقره: 228). اذ لا معني لكون ذلك اخبارا منه سبحانه اذ لا فائده فيه حينئذ و لانه لو كان خبرا لم يكن مطابقا للواقع اذ ليس الحال في الواقع كذلك، و عدم المطابقه في خبره جل شانه محال.

و قد تكرر ذكر اللعن في كلامه تعالي علي وجه افاد انه من احب العبادات اليه و كفي به شرفا انه سبحانه جعله وسيله لاثبات دعوي النبوه و حجه علي الجاحدين لها في مباهله نصاري نجران حيث قال سبحانه (ثم نبتهل فنجعل لعنه الله علي الكاذبين) (آل عمران: 61). و لذلك انقطعوا و لجاوا الي الصلح و بذل الجزيه و لم يجدوا الي ترداد القول سبيلا. و هذا دليل واضح علي اعتنائه سبحانه بشان اللعن.

و قد روي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم انه لعن جماعه من مرتكبي المعاصي كقوله صلي الله عليه و آله و سلم: لعن الله من لعن والديه، و لعن الله من ذبح لغير الله، و لعن الله آكل الربا، و لعن الله الخمر و شاربها و ساقيها و بايعها و مبتاعها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمول اليه و آكل ثمنها الي غير ذلك مما تضمته كتب الحديث من الطريقين.

و قد لعن اميرالمومنين عليه السلام جماعه. و روي انه كان يقنت في الصلوه المفروضه بلعن معاويه و عمرو بن العاص و ابي موسي و ابي الاعور الاسلمي لعنهم الله مع انه صلوات الله عليه كان احلم الناس من ذنب و احملهم لجنايه و اعظم قدرا من ان تخرج نفسه الشريفه زله بشر فلو لا انه كان يري لعنهم من اقرب القربات لما كان يتخير محله في الصلوات المفروضات و كل ذلك مما يفيد علما يقينا بكون اللعن من شعب الدين و شعائره.

و ما تمسك به بعض الحشويه من ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: لا تكونوا لعانين و المومن لا يكون لعانا و ان اميرالمومنين عليه السلام نهي عن لعن اهل الشام. فالمراد ان صح ذلك النهي: من جعل السب خلقا لهم بسبب المبالغه فيه و الافراط في ارتكابه بحيث يلعن من يستحق و من لا يستحق لا النهي عن لعن المستحقين كما يزعمه هولاء المفترون، و لو اراد ذلك لقال: لا تكونوا لا عنين فان بينهما فرقا يعلمه من احاط بدقايق لسان العرب.

و نقل ابن الجوزي من خط القاضي ابي الحسن محمد بن يزيد ان قوله عليه السلام : المومن لا يكون لعانا، محمول علي من لا يستحق و اما نهي اميرالمومنين عليه السلام عن لعن اهل الشام فانه عليه السلام كان يرجو اسلامهم و رجوعهم اليه كما هو شان الرئيس المشفق علي رعيته و لذلك قال: و لكن قولوا: اللهم اصلح ذات بيننا و هذا قريب من قوله تعالي في قصه فرعون (فقولا له قولا لينا). (طه: 44).

الثاني- قد يكون اللعن واجبا و جزء للايمان اذا اقتصر المكلف عليه قاصدا به البرائه.

و بيان ذلك ان الله سبحانه كما اوجب موالاه اوليائه و مودتهم اوجب معاداه اعدائه و البرائه منهم و لو كانوا اقرب الناس و الصقهم نسبا قال تعالي (لا تجد قوما يومنون بالله و اليوم الاخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آبائهم او ابنائهم او عشيرتهم). (المجادله: 22).

و المحاده: المعاداه و المخالفه و هذه الايه ناطقه بوجوب معاداه اعداء الله و ان مخالف ذلك لا يكون مومنا.

و يزيد ذلك ايضاحا: ان المشركين لم يكتف الشارع في اسلامهم و اعتقادهم الالهيه لله سبحانه و نطقهم بها حتي نفوها عن كل ما سواه و كلمه الشهاده ناطقه بذلك و ان نحو اليهودي اذا اسلم يطالب مع التلفظ بكلمتي الشهادتين بان يبرء من كل دين يخالف دين الاسلام، و لو كان من العيسويه القائلين بان محمدا رسول الله الي العرب خاصه ما لم يقر بعموم رسالته نعلم من ذلك ان البرائه من اعداء الله جزء الايمان و ان الله سائل عنها يوم القيمه لا محاله.

و لا ريب ان البرائه تحصل بكل ما دل علي المعاداه و المجانبه و القطيعه، و اللعن و ان كان مما يدل علي المجانبه و البرائه التزاما الا انه لا يدل عليها صريحا لقول اميرالمومنين عليه السلام فاما السب فسبوني فانه لي زكوه و لكم نجاه و اما البرائه فلا تبروا مني فاني ولدت علي الفطره و سبقت الي الايمان و الهجره.

فاذا اقتصر المكلف علي اللعن و قصد به البرائه اجزاه و في هذه الحاله يكون واجبا و جزء من الايمان و مثابا عليه و ان اتي به مع البرائه كان اولي فيكون مستحبا استحبابا موكدا اقتداء بالايات القرآنيه في لعن اعداء الله تعالي.

الثالث- قال بعض المحققين من اصحابنا المتاخرين كل فعل او قول اقتضي نزول العقوبه بالمكلف من فسق او كفر فهو مقتض لجواز اللعن لان اللعن من الله تعالي هو الطرد و الابعاد من الرحمه و انزال العقوبه فالفسق و الكفر يقتضيانه و يدل عليه قوله تعالي (و الخامسه ان لعنه الله عليه ان كان من الكاذبين) (النور: 7). رتب اللعن علي الكذب و هو انما يقتضي الفسق و كذا قوله سبحانه (و الخامسه ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين) (النور: 9). رتب الغضب علي صدقه في كونها زنت و الزنا ليس بكفر و قوله تعالي (الا لعنه الله علي الظالمين) (هود: 18). اي كل ظالم لان الجمع المعرف للعموم، و الفاسق ظالم لنفسه كما يرشد اليه قوله عز و جل (فمنهم ظالم لنفسه) (فاطر: 32). حيث جعله سبحانه قسيما للمقتصد و السابق بالخيرات.

و قد روي ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال لعن الله الكاذب و لو كان مازحا و لعن جمعا من ذوي المعاصي- كما مر-.

فان قيل: فيجوز اللعن علي كل كاذب؟

قلنا: لا ريب ان الكبائر مجوزه للعن لما تلوناه و لان الكبيره مقتضيه لاستحقاق الذم و العقاب في الدنيا و الاخره و هو معني اللعن، و اما الصغائر فانها تقع مكفره لقوله تعالي (الذين يجتنبون كبائر الاثم و الفواحش الا اللمم) (النجم: 32). فقد فسر بصغائر الذنوب فلهذا لا ينقص ايمان فاعلها و لا يرد شهادته و لا تسقط عدالته، نعم لو اصر عليها الحقت بالكبائر و صار اللعن بها سائغا انتهي كلامه فليتامل.