و از دعاهاى آن حضرت عليهالسلام است وقتى از نماز شب فارغ مىگشت و به تقصير خود اعتراف مىكرد
شرح:
و من كان دعائه (عليهالسلام) بعد الفراغ من صلاه الليل لنفسه فى الاعتراف بالذنب
فى رحاب الدعاء:
لليل سحره الروحانى، و صمته الرهيب، و ظلامه الذى ينساب فى المشاعر فيثير فيه الخدر و الاسترخاء، فى الوقت الذى يبعث الخوف فى الوجدان من خلال حركه الاشباح فى الخيال و اجواء المخلوقات المخيفه المرعبه التى يخفيها الليل فى ظلامه، و قد اراد الله للانسان ان يعيش الثقه و الطمانينه و السكينه الروحيه من خلال الصلاه المميزه التى شرعها مما استحبه للانسان و وعد عليه بالثواب، و لم يلزمه بها، لتاتى من عمق اختياره الطوعى المنفتح على الله فى رغبته بالوقوف بين يديه ليحصل على محبته و رضاه، ليزداد ايمانه قوه و لتعيش روحه المزيد من السكينه العميقه الخاشعه، و ليشعر بانه ليس وحده فى هذا الجو الخفى المظلم و ليس الانسان الضائع فى متاهات الاشباح فى الليل فان الله معه يحميه و يرعاه و يدفع عنه كل خوف و خطر.
و فى السحر تصفو النفس، و يرتاح الجسد و يهدا الليل و ينفتح الانسان على جمالات كثيره من الصفاء و النقاء و الهدوء النفسى، و تنفتح روحه- من خلال هذا الجو- على ربه، و قد حدثنا الله عن المومنين (المستغفرين بالاسحار) (آل عمران: 17) و كيف لا يحصلون من النوم الا لماما (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون و بالاسحار هم يستغفرون) (الذاريات: 18-17) و عن هولاء الذين (انما يومن باياتنا الذين اذا ذكروا بها خروا سجدا و سبحوا بحمد ربهم و هم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا و مما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قره اعين جزاء بما كانوا يعملون) (السجده: 17-15).
هولاء الذين ينطلقون فى جوف الليل صلاه و دعاء و استغفارا و انفتاحا على الله بكل طلباتهم و رغباتهم و مخاوفهم و قد اراد الله لنبيه ان يقوم الليل الا قليلا و ذلك قوله تعالى: (يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا نصفه او انقص منه قليلا اوزد عليه و رتل القرآن ترتيلا انا سنلقى عليك قولا ثقيلا) (المزمل: 5-1).
فهذا القيام بالليل يوحى للانسان، و لا سيما اذا كان نبيا، بالسمو الروحى الذى يعينه على تحمل الاعباء الثقيله التى يحمله الله فيها المسووليه عن الرساله التى تتحرك فتجد امامها العقبات و الصدمات و الضغوط الهائله مما يحتاج فيه الانسان الى المزيد من الطاقه الروحيه فى اتصاله بالله و انجذابه اليه و مناجاته له و ابتهالاته له، و ذوبانه فيه، و هذا ما توحى به الايه التاليه: (ان سنلقى عليك قولا ثقيلا) و ربما اريد به القرآن فى مضمون مفاهيمه و معانيه و فى حركته الرساليه فى الدعوه و الحركه من حيث ثقل الفكره فى ميزان الحياه، و ثقل المسووليه فى خط الدعوه و الجهاد. و هذا هو الذى يفرض الحاجه الى مزيد من الاعداد الروحى و النفسى الذى تنطلق فيه صلاه الليل: (ان ناشئه الليل هى اشد و طئا و اقوم قيلا) (المزمل: 6) حيث تعيش كلمات الصلاه مع خفقات القلب و همسات الروح و اخلاص الذات فى هذا الهدوء الذى يلف الكون فيضم الوجود الانسانى فى داخله بعيدا عن كل شواغل النهار و تعقيداته، فيكون الاشد تاثيرا على الروح و الاصوب فى معرفه الحقيقه.
و اذا كان الخطاب فى هذه الايات للنبى محمد (ص)، فاننا لا نرى انها تختص به، بل تشمل كل الرساليين الذين يعيشون هذه الطاقه الروحيه و الاعداد النفسى و القوه الرساليه التى تساهم هذه العباره فى اغناء الواقع الداخلى للانسان بها.
هذا الدعاء يمثل القيمه الروحيه فى العباده من حيث انه يمتد باجواء الصلاه الى ما بعد الفراغ منها، ليعيش الانسان صلاه الدعاء فى مفاهيمه المنفتحه على الله فى اجواء عظمته، و مواقع نعمته، و الطاف رحمته، فتمتلىء النفس بها و تتعمق فى داخلها، فلا تنتهى صلاه الركوع و السجود بانتهاء اعمالها، بل تمتد فى اجواء الدعاء ليبقى الانسان اطول مده ممكنه مع الله، و لعل هذا هو السر فى تشريع استحباب التعقيب بعد كل صلاه فريضه فهو الذى يعمق معنى الصلاه على المستوى الثقافى و الروحى فى داخل الذات، و ذلك من خلال المفاهيم المتنوعه فى الدعاء التى تغنى الخطوط الروحيه العامه فى مفاهيم الصلاه.
الله.. الا بدى فى وجوده:
فى الفصل الاول- من هذا الدعاء- نداء الى الله فى صفاته الالهيه، فهو الملك المتابد بالخلود لا يحتويه الزمن و لا يستنفذه، بل هو فوق الزمن كله فهو الابدى فى وجوده و السلطان الذى لا ينطلق سلطانه من خارج ذاته مما يتمثل فى السلاطين من حركه سلطتهم فى جنودهم و اعوانهم بعيدا عن الذات، فهو السلطان فى ذاته، و هو العز الذى يملك معناه فى ذاته لا من خلال العوارض الطارئه للقوه، و لذلك فلا فناء له و لا حد له باوليه او آخريه و هو الاعلى فى ملكه الذى تتساقط الاشياء امامه فلا تبلغ امده، و هو الذى تعجز النعوت عن وصف كنه صفاته و تتهاوى الكلمات امامها فى كل مدلو لاتها لانها لا تمثل الا المعانى المحدوده فى ذاتها فاذا انفتحت على المطلق تفسخت و ضاعت و اطلقت اجواء الحيره فى كل الاخيله الانسانيه، انه الله الاول الذى لم ينطلق من العدم، و لا يقترب العدم الى وجوده مهما امتد الزمن فى حركه الوجود، ذلك هو الله، فاى شىء هو الانسان.
عفو الله.. امل الانسان:
و فى الفصل الثانى يتمثل الانسان الداعى المبتهل الخاشع فى وجوده المحدود و فقره الذاتى، فهو العبد الضعيف فى عمله، فى كميته و كيفيته، فلم يكن بالمقدار الذى يريده الله او بالنوعيه التى امر بها، و لكنه- فى ثقته بالله- الكبير فى امله لعفوه و مغفرته و رحمته فاذا تقطعت الاسباب العاديه البشريه فالله هو- وحده- الذى يوصل برحمته كل سبب يودى الى المطلوب و اذا لم تكن هناك قاعده يعتصم بها الانسان فى امتداد الامل بالنجاه فان عفو الله الذى يمتد الى كل انسان فى الوجود هو القاعده التى يرتكز عليها الانسان فى امله و لذلك فهو الذى يتوجه الى الله ليشهده على ما يعلمه من قله مخزون الطاعه عنده و كثره ارقام المعصيه لديه، و ليطلب منه ان لا يضيق عفوه عنه، حتى لو اساء، ليمنحه عفوه.
رحمه الله هى الملاذ االاخير:
و فى الفصل الثالث، يقف هذا الانسان ليتحدث الى ربه عن كل اعماله السيئه التى لا تغيب عن علمه بكل خفاياها و ظواهرها و بواطنها، ليعتذر اليه عن ذلك فقد قام بكل ما قام به من خلال الشيطان الذى هو عدو الله و عدو الانسان، الذى طلب النظره من الله لاغواء الناس، و سال المهله الى يوم الدين لاضلالهم فاعطاه ذلك كله و حذر الانسان منه، و لكنه خضع لنقاط ضعفه التى استغلها ابشع استغلال فاوقعه فى الغوايه و سار به بعيدا فى طريق الضلال فعصى ربه و اقترب من ساحه سخطه فحاول ان يرجع الى شيطانه ليحميه من النتائج السيئه التى وصل اليها و ليخلصه من عقاب ربه الذى كان يومنه من عذابه و يمنيه النجاه و لكنه تبرا منه و اعرض عنه و سخر منه و تخفف من مسووليته عن كل ما لحق به، فوقف فى صحراء الندم و حيدا يواجه غضب الله و نقمته، مطرودا من رحمته من دون شفيع يشفع له و لا حارس يحرسه منه، و لا حصن يحميه منه و لا ملاذ يلجا اليه.
فلم يجد امامه الا ربه الذى فتح له ابواب رحمته و مغفرته فوقف امامه موقف العائذ به و المعترف له، و ابتهل اليه ان لا يضيق عنه فضله و قد اتسع للناس كلهم، و ان لا يقصر دونه عفوه و قد امتد للمومنين، و ان لا يكون الانسان الاكثر خيبه من التائبين اليه و الاعظم ياسا من الوفود القادمه اليه، ليغفر له ذنوبه و يعفو عن جرائمه.
الاعتراف بالخطايا:
و فى الفصل الرابع اعتراف تفصيلى من الانسان الخاطىء بتصرفاته السلبيه تجاه ربه، فقد امره الله بالكثير من مواقع امره فتركها و نهاه عن الكثير مما اراد له ان يتركه ففعله و انطلقت النفس الاماره بالسوء لتثير فى داخل فكره النوازع الشريره و الخواطر السيئه التى تدفعه الى التفريط بمسوولياته ، و هو الان لا يقف
بين يديه ليقدم امامه شهادته بصيام النهار و لا بقيام الليل و لا باحياء السنن المستحبه، و لو لا التزامه بالفرائض التى يودى تضييعها الى الهلاك لما كان لديه شىء يقدمه امامه و لا يملك ان يقدم النوافل التى قام بها مع الكثير من التقصير عن بعض الوظائف المتصله بالفرائض و التعدى على حدود الله، فكم من حرمه انتهكها، و كم من ذنب فعله مما يودى الى فضيحته امام الناس لو لا ستر الله عليه.
هذا هو الواقع الذى يتمثله و يعترف به بين يدى ربه و يجعله فى مقام الخجول منه، و الساخط على نفسه لا نحرافها عن مواقع رضاه، فيتلقاه بنفس يهزها الخشوع امام عظمه الله، و رقبه يحنيها الخضوع لجلاله، و بظهر تثقله الخطايا، فى موقف تتجاذبه الرغبه الى الله رجاء رحمته، و الرهبه منه فى الخوف من عذابه، موقنا بان الله هو الاولى بالرجاء من كل احد و هو الاحق بالخشيه و الاتقاء من كل موجود، ليطلب منه العطاء لكل ما رجاه، و الامن من كل ما حذر منه، و العود عليه بعوائد رحمته، فهو اكرم مسوول و افضل مامول.
الاستجاره من فضائح الاخره:
و فى الفصل الخامس حديث عن الموقف فى يوم القيامه بعد ضمان الانسان لنفسه الستر من الله عليه فى دار الدنيا، فاذا كان الله قد عفا عنه فستره و تفضل عليه فرحمه فى دار الفناء فان هذا لا يكفى، لان عار الدنيا كان ثقيلا زائلا، و لان فضائحها مهما اشتدت خفيفه، اما فضائح الاخره فهى العار كل العار و الفضيحه كل الفضيحه، لان الموقف هناك يمثل الموقف الشامل فى الحضور الكلى للملائكه و المقربين و الرسل المكرمين و الشهداء و الصالحين و الجيران الذين كان يكتم سيئاته عنهم، و الارحام الذين كان يحتشم منهم، فلا يحدثهم عن اسراره و خفاياه، لانهم لم يكونوا اهلا للثقه فى كتمان السر و اخفاء العيوب.
و لكن الله هو الاساس فى الثقه به، لا فى السر وحده بل فى المغفره له لانه اهل المغفره و لانه الاولى فى الثقه من موقع لطفه و عطفه على عباده و الاكثر عطاء لمن
رغب اليه، و الاكثر رحمه لمن استرحمه و هو الذى يجير من استجار به من فضائح دار البقاء بعفوه و مغفرته.
التحرر من الشيطان:
و فى الفصل السادس حديث عن نعم الله على الانسان منذ انطلقت النطفه فى رحله الوجود من صلب تتصل فقراته كل منها بالاخرى اتصالا مفصليا و دخول كل واحده منها فى حفره معموله فى الاخرى و تضيق تجاويف فقراتها الى رحم ضيقه مستوره عن الانظار لتبدا عمليه التطور الى علقه ثم مضغه ثم الى عظام ثم اكتست العظام لحما، ثم انطلق ليكون خلقا آخر ليكون انسانا سويا، ثم ظهر الى الوجود و تحركت حاجاته الغذائيه فكفلها الله له من خلال اللبن الذى اودعه فى ثدى امه فكان موضع رعايه الله و عنايته التى لو لاها لما كان له الى الحياه سبيل، و لما استطاع ان يحصل على اى عنصر من عناصر القوه لانه لا يملك فى ذاته اى غنى ذاتى منها. و هكذا استمر فى وجوده من خلال لطف الله لتستمر نعمه عليه فى كل شان من شوونه الخاصه و العامه، ليصل الى غايته فى حركه وجوده نحو الاعلى و الافضل فى الدنيا و الاخره، و لكن الانسان يبقى خاضعا للشيطان الذى يوسوس له بالكثير من وساوس الشر، و يدفعه الى سوء الظن بالله، و يضعف يقينه به، و يفقد معه الثقه به، و يبتعد به عن معرفته، فينتهى به الامر الى الانحراف عن الخط المستقيم المتمثل فى الانقياد لله و السير فى خط طاعته و تنفتح للانسان نافذه من الوعى التى تطل به على مقام ربه فيكتشف مدى خطر الشيطان عليه، فيشكو ذلك الى ربه و يساله ان يحرره من قبضته، و يبعده عن التاثير فيه، و يطرده من جواره، و يحمى نفسه من الطاعه و الخضوع له، و يعصمه من السقوط امام قوته الشيطانيه، و يطلب منه الى جانب ذلك، ان يسهل له الوصول الى موارد الرزق، و يقنعه بما قدره له و يرضيه بما قسمه له، و ان يكتبه من الطائعين له فى صحيفه اعماله الماضيه من خلال عفوه و لطفه و فضله، فذلك هو الرزق السنوى الروحى بالاضافه الى الرزق المادى،
و يحمده فى ذلك كله على ابتدائه بالنعم الجسيمه و الهامه الشكر على النعمه فى وعى مضمونها فى حياته العامه و الخاصه.
الاستعاذه من النار:
و فى الفصل السابع و الاخير حديث عن النار فى الدار الاخره و رجاء فى اعاذه الله له منها، هذه النار التى تغلظ بها فى تهديد و وعيد على العاصين الذين اعرضوا عن الوصول الى مواقع رضاه، و اذا كانت هذه النار تنطلق فى شعلتها و لهيبها لتطال ما حولها، فان ذلك لا يمثل النور المشرق الذى يشع على الناس، و لكنه يساوى الظلمه بفعل دخانها و حريقها الذى يودى بالجسد الى السواد الناشىء من شده الاحتراق، و فى الوقت نفسه النار التى تمثل منتهى الالم حتى لو كان حجمها بسيطا، كما تقترب من الانسان بلهيبها حتى لو كانت بعيده، و ياكل بعضها بعضا و يصول بعضها على بعض، و التى تسحق العظام حتى تحولها الى رميم و تسقى اهلها من الحميم الذى يغلى فى البطون، و لا تملك قلبا ينفتح على سكانها الذين يتضرعون اليها و يستعطفونها لتبتعد عنهم ليتخففوا من عذابها و لا تستطيع ذلك لو ارادت لانها لا تملك من الامر شيئا، و لذلك فانها تواجههم باكثر الالام نكالا و حراره و اشدها و بالا كما تطلق عليهم عقاربها و حياتها. و ينتهى الفصل بالابتهال الى الله ان يجيره منها و يباعدها عنه و يوفقه للاعمال التى تحميه منها و يقيل له عثرته و لا يخذله فى مواطىء الشده فهو الذى يقى المكاره و يمنح الحسنات و يفعل ما يريد من موقع قدرته التى لا يحدها شىء.
اللهم يا ذا الملك المتابد بالخلود، و السلطان الممتنع بغير جنود و لا اعوان، و العز الباقى على مر الدهور و خوالى الاعوام و مواضى الازمان و الايام، عز سلطانك عزا لا حد له باوليه و لا منتهى له باخريه، و استعلى ملكك علوا سقطت
الاشياء دون بلوغ امده، و لا يبلغ ادنى ما استاثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين، ضلت فيك الصفات، و تفسخت دونك النعوت، و حارت فى كبريائك لطائف الاوهام، كذلك انت الله الاول فى اوليتك، و على ذلك انت دائم لا تزول.
انت الله الذى لا يدرك احد معناه:
يا رب، ايها الذات المقدسه التى تملك الملك كله فى مدى الابد فى آفاق اللانهايه السائره فى الغيب الخالد من دون حدود فلا نهايه لملك،
احاديث مرتبط:
ملك جاودان الهى.
قول اميرالمومنين صلوات الله عليه فى خطبته الطالوتيه: «و لا كان خلوا عن الملك قبل انشائه، و لا يكون خلوا منه بعد ذهابه».