فى هذا الدعاء انفتاح على الله فى الحصول على عفوه و رحمته و ذلك من خلال عده نقاط:
النقطه الاولى: الاستعانه بقدرته تعالى على تاكيد الالتزام بالسلوك المستقيم الذى ينطلق من المناعه الاخلاقيه فى انضباط الانسان الداخلى فى حركه شهوته، فلا تندفع بالقوه الغريزيه الى المحارم التى جعلها الله من الحرمات الممنوعه على الانسان التى لا يجوز له انتهاكها، فيطلب الانسان من ربه ان يكسر شهوته عن كل محرم من هذه المحارم و يضعفها و يحبسها فى نطاق الالتزام بخط التقوى حتى لا تاخذ حريتها فى الاندفاع الى الجانب الحيوى من الجسد فى خط الانحراف عن اوامر الله و نواهيه.
و فى ابعاده عن كل المعاصى و الاثام، فلا يرغب فيها و لا يحرص عليها خوفا من
عقاب الله و طلبا لمرضاته، بل يندفع الى طاعته ليكون التزامه التزام العبد المطيع باراده مولاه، و فى الابتعاد عن اذى المومنين و المومنات و المسلمين و المسلمات، ليكون الانسان المسالم الذى ينفتح على الاخرين من عباد الله، بالامتناع عن الحاق الاذى بهم و الاضرار باوضاعهم و الاعتداء عليهم، لان الله يريد للمومن ان يسلم المسلمون من يده و لسانه، و ان يكون الانسان الذى يعيش الخير فى روحه و عقله و حركته فى داخل ذاته و خارجها على مستوى الممارسه فى عمله لنفسه و على صعيد العلاقات فى تعامله مع الاخرين.
و هكذا تتلخص النقطه الاولى فى الدعاء الى الله بان يعينه على نفسه فى مواطن الضعف الداخلى مما يختزنه من نقاط الضعف الانسانى، ليكسر شهوته عن كل محرم، فلا تتحرك بالعنفوان الغريزى فى حاله تمرد، و ليبعد رغبته و حرصه عن الماثم فلا يندفع الى المعصيه فى شوق و لهفه، و ان يمنعه بالايحاء النفسى و بالقوه الضاغطه عن ايذاء المومنين و المومنات و المسلمين و المسلمات فى كل قضاياهم الخاصه و العامه.
و فى ضوء ذلك ينطلق الخط الاخلاقى المستقيم فى حياه الانسان المومن فى الاراده الذاتيه لتاكيد المناعه الروحيه ضد الانحراف و لاستلهام القوه الالهيه للعون على ذلك.
النقطه الثانيه: الانفتاح على حقه لدى الاخرين الذين اساووا اليه فى ارتكاب ما حرم الله عليهم من انتهاك حرمته و من العدوان عليه فى امره، ممن ذهبوا بظلامته من الاحياء و الاموات، فلم يسترجع حقه منهم، و لم يحصل على الاقتصاص لنفسه انتصافا منهم، الامر الذى يجعلهم فى موقع المسووليه عند الله، و فى ساحه سخطه و عقابه، فيقف بين يدى الله ليعفو عنهم و ليصفح عن اساءتهم له، و ذلك من خلال اسقاط حقه الشخصى، فلا يطالبهم بشىء من ذلك فى الدنيا و الاخره مما يوجب له القصاص منهم بطريقه و اخرى، ليبقى الحق العام و هو حق الله فى موقع عفو الله
و رحمته، فلا يحاسبه على ما فعله، و لا يوقفه على ما ارتكب فيه، و لا يفضحه على رووس الخلائق، بل يغفر له ما فعله من الذنب و يعفو عنه عما ذهب به من السيئه.
انها الروح الانسانيه التى تسمو و تصفو و تنفتح على انسانيه الاخر، فلا تريد له سوءا و لا تضمر له شرا، و تفكر فى مستقبله الاخروى الذى قد يخضع للعقوبه الالهيه من خلال انتهاك حقه، فيبتهل الى الله ان يعفيه من ذلك لينطلق فى ساحه الاخره خفيفا من اثقاله العمليه، بعيدا عن مواقع الجزاء، و ليكون ذلك الموقف الانسانى فى العفو عنه و اسقاط حقه فى المطالبه بالقصاص صدقه من ازكى الصدقات، و قربه من اعلى القربات، فيجتذب عفوه عنه عفو الله عن خطاياه بالذات، و يحصل من دعائه له على رحمته، لينطلقا معا- فى يوم القيامه- فى اجواء السعاده بالفضل الالهى فى العفو و الرضوان و يمرحا فى ساحات النجاه بمن الله عليهما معا فى ما يمن على عباده المومنين.
النقطه الثالثه: الالتفات الى الخطايا التى ارتكبها الانسان الداعى ضد الناس مما لحقهم من الاذى منه، او مما حصل لهم به او بسببه من الظلم الواقع بهم فى انفسهم و اموالهم و اعراضهم، فلم يستطع ايصال حقوقهم اليهم، او التخفف من مسئووليته تجاههم بالحصول على سماحهم له و عفوهم عنه، مما يودى به الى الوقوف- غدا- فى ساحه القصاص بين يدى الله عندما يطالبونه بحقوقهم التى يتحرك العدل الالهى للاستجابه الى اصحابها فى رد مظالمهم بطريقه و اخرى، فيطلب من الله قبل الوصول الى ذلك اليوم العظيم ان يرضيه عنه مما يمنحه من رزقه و يوفيه حقه من عنده، ليكون ذلك وسيله من وسائل اسقاطه حقه بما يحصل عليه من التعويض الالهى الذى لا بد له ان يرضى به، لان اقتصاصه ممن اساء اليه لا يصل الى الدرجه العليا من الرضوان الالهى هناك و النعمه الكبيره منه، و هكذا تحل مشكله الحق الشخصى للاخرين عنده ليبقى حق الله فى مخالفه الانسان لامره ليطلب منه الغاء النتائج السلبيه التى يفرضها حكمه عليه و ليتخفف من ثقل
العدل على مصيره، و ذلك من خلال العفو و المغفره، لان قوه الانسان لا تملك البقاء فى خط التوازن امام نقمه الله، و لان طاقته المحدوده الضعيفه لا تنهض بغضبه، فان الاخذ بالحق بكل دقائقه و تفاصيله يودى الى هلاك الانسان لكثره معاصيه و خطاياه، و ان الامتناع عن افاضه الرحمه عليه يسقطه فى مواقع الضياع.
انها الروحيه المنفتحه على الله فى الابتهال اليه بان يتدخل لايفاء الاخرين حقوقهم على هذا الانسان المسىء الى الناس، من فضله الذى لا يمكن لهم ان يرفضوه، و لتعويضهم عما بدر منه من الاساءات بالمزيد من رضوانه الذى يمنحهم كل مواقع الخير هناك.
و فى هذا ايحاء داخلى للنفس الانسانيه الخاطئه بالتفكير فى اساءه الانسان الى الاخرين، و فى حقهم المتوجب عليه، ليدفعه ذلك الى احترام انسانيتهم فى علاقته بهم، و ليمنعه ذلك من الاساءه الجديده اليهم، لان تذكر النتائج السيئه فى الاساءه الى الناس مما يقبل عليه من سخط الله و عقابه لا بد ان يكون رادعا له عن تجديد عدوانه عليهم.
النقطه الرابعه: الرغبه الى الله بان يهب له نفسه التى ابعدتها الخطايا عن رحمته، و اثقلتها المعاصى بالمزيد من نقمته، و بذلك خسر الانسان الخاطىء نفسه لتضيع فى متاهات الضياع المصيرى فى الاخره.
ان هبه الله لهذا الانسان نفسه ليست بعيده عن كرم الله و عطائه فى ما يبذله لعباده من الرزق المادى و المعنوى، فلا ينقصه البذل، و لا يعجزه الغفران، فهو الكريم فى عطائه لخلقه، و هو القادر على كل شىء من مواقع ارادته.
و ما قيمه نفس هذا الانسان لديه؟ فلم يخلقها الله لحاجه منه اليها ليدفع بها سوءا عنه، او ليحصل منها على نفع له، بل كانت مظهرا لقدرته على مثلها، و حجه على خلق ما يشاكلها فى الهيئه، عندما يقف المعاندون ليستبعدوا اعاده النفس الى الحياه
بعد الموت، فان القادر على ايجادها قادر على بعثها- من جديد- بعد الموت (و ضرب لنا مثلا و نسى خلقه قال من يحيى العظام و هى رميم قل يحييها الذى انشاها اول مره و هو بكل خلق عليم) (يس: 79 -78).
و هكذا لا تمثل النفس الانسانيه فى وجود هذا الخاطىء ايه اهميه فى مواقع قدره الله و رحمته و كرمه، مما يدفع به الى الطلب الى ربه ان يتحمل عنه ذنوبه التى اثقلت ظهره، و ان يعينه على التخفف من سيئاته التى اجهدت ضميره، فيهب لنفسه نفسه لتربح موقعها فى ساحات رضوانه بالرغم من ظلمها لنفسها و ربها بالمعاصى، و يدفع برحمته الى احتمال اثقالها لا سقاطها عن مصيره، فان رحمته تتكفل بذلك كله. فليست هذه القضيه اول قضيه من قضايا استيعاب الرحمه للمسيئين بالعفو عن سيئاتهم، او شمول العفو للظالمين انفسهم بالانحراف عن طاعه الله.
انه الاسلوب الروحى الابتهالى الذى يلجاء فيه الانسان المومن الى ربه، فيشعر بخساره نفسه و ضياعها فى متاهات العقاب، ليهب له نفسه لترجع اليه راضيه مطمئنه الى عفو الله و رضوانه، مما يجعله مشدودا الى الله فى الحصول على الطمانينه الروحيه فى الدنيا و الاخره من خلال رحمته التى وسعت كل شىء.
النقطه الخامسه: الابتهال الى الله بان يجعله الانسان الذى يمثل النموذج الخاطىء الذى منحه تجاوزه عن خطاياه، فانقذه من مصارع الخاطئين من عباده، و خلصه بتوفيقه الالهى من مواقع الهلاك التى اعدها للمجرمين، و بذلك استطاع ان يتحرر من اسر غضبه و سجن عدله، فكان طليق عفو الله، كاى طليق من الاسرى، و كان المحرر بصنع الله من حاله الوثاق الذاتى التى يفرضها عدل الله.
فليس هذا الذى يطلبه من ربه منطلقا من شعور داخلى بانه البرىء الذى لا يستحق عقوبه الله و لا يستوجب نقمته، فهو الذى يعرف جيدا انه قد مارس الخطيئه بكل جهده، و تمرد على ربه بكل قوته، مما جعله فى موقع العقاب الذى يستحقه بفعل موقعه الانحرافى، مما يجعله فى حاله الخوف الشديد من ربه اكثر من الطمع
به، و فى موقع الياس من النجاه بالدرجه التى يرجح فيها على الرجاء للخلاص، من دون قنوط يبعده عن التطلع الى رحمته التى وسعت غضبه، او طمع ناشىء من الاغترار بما لا حق له به، بل لان حسناته لا ترقى الى الدرجه التى توحى اليه بالامل الكبير فى استحقاقه الذاتى، و لان حجته فى الدفاع عن نفسه لا تبلغ مستوى القوه فى كل مسوولياته التى يتحمل كل تبعاتها من الجزاء.
انه الابتهال الذى يعيش الانسان معه احساسا بالقلق الروحى فى الخوف الانسانى من الله الذى يحصى على عباده ادق خطواتهم العمليه و خطراتهم الذهنيه، مما يجعل الصديقين الذين بلغوا الدرجه العليا فى القرب منه من خلال الصدق الشامل فى موقفهم منه، لا يطمعون بالامن من العذاب خشيه من بعض نزواتهم الخفيه و وساوسهم الشيطانيه ان تكون السبب فى انزال العقاب بهم بالرغم من كل مواقفهم الصادقه.
و فى الجانب المقابل، فان الاحساس بالرحمه المنفتحه على الخلق كله بما لا تصل اليه اوهامهم، يجعل المجرمين ينفتحون على الامل بالعفو و المغفره من الرحمه الالهيه، لان الله هو العظيم فى موقع الربوبيه التى تمنح الفضل لكل احد من الناس، فلا يمنع ايا منهم عن فضله، و لا يستقصى منهم حقه، بل يترك لهذا و ذاك بعضه او كله.
فهو الذى اذا ذكره الناس بالتسبيح و التحميد و التهليل و التكبير بما هو اهله، فلن يبلغ احد درجه ذكره، لان ايا من عباده لا يصل الى مداه فى الفضل و النعمه و العظمه و الجلال، و هو الذى تنزهت اسماوه الحسنى الداله على معانى كماله و جلاله عن الاقتراب من ايه نسبه لاى شخص فى معنى العظمه فى الذات، و هو الذى انتشرت نعمته فى كل خلقه، فلم يخل احد منهم من بركاتها، و هو المحمود الذى من شانه الحمد على كل نعمه و كرمه، و هو رب العالمين.
و هكذا نجد ان هذا الدعاء فى طلب العفو و الرحمه يمثل جوله فى حياه الانسان
الداخليه و الخارجيه فى نقاط ضعفه و فى آفاق الله الواسعه فى مواقع رحمته و نعمته و كرمه، مما يجعله حركه ثقافيه فى معنى العبوديه الانسانيه لله، و فى سر الربوبيه المنفتحه بالخير و النعمه و البركه على الخلق، و المتمثله بكل مواقع العظمه فى ذاته المقدسه.
اللهم صل على محمد و آله، و اكسر شهوتى عن كل محرم، وازو حرصى عن كل ماثم، و امنعنى عن اذى كل مومن و مومنه و مسلم و مسلمه.
اللهم كسر شهوتى عن كل محرم:
يا رب، لقد خلقت فى جسدى الغرائز التى حركت فيها القدره على اثاره الشهوه فى خط الحلال و الحرام من خلال عناصر الاثاره فى الداخل و الخارج، و قد يوسوس فيه الى شياطين الجن و الانس فينحرفون بى عن الاستقامه فى خطك فى ثوران الشهوه فى اتجاه ما حرمت على فى اكثر من اتجاه.
و ها انا اتوسل اليك ان تحطم قوه هذه الشهوه المحرمه و تكسر شدتها، لانتصر عليها بعقلى و ايمانى و اراده التقوى فى سلوكى، فلا اتهجم على اى محرم مما حرمت على فى حركه شهوه الجنس الغريزى، لتتوازن لدى الشهوات فى دائره الايجاب لا فى دائره السلب.
اللهم ازو حرصى عن كل ماثم:
يا رب، لقد اودعت فى مشاعرى الداخليه قوه الحرص على الاشياء التى تجتذبنى منافعها و لذائذها و زخارفها، و قد تتنوع فى اشكالها، و قد تتفنن فى الوانها، و تتشابه فيها وجوه الحلال و الحرام، فينطلق الحرص الكامن فى النفس فى خوف على ضياع الفرصه الملائمه للحصول على المنفعه و اللذه المنحرفه، فاقع فى الاثم الذى يجرنى الى سخطك.
اللهم اصرف عنى هذا الضغط النفسى الذى يتحرك الحرص فى داخله ليجتذبنى الى العمل او الموقف او الموقع الذى يدفعنى الى ما يوقعنى فى الذنب، و استبدل ذلك بالحرص على الحصول على رضاك فى مواقع طاعتك.
اللهم امنعنى عن اذى كل مومن:
يا رب، قد يتحرك الواقع الاجتماعى المنفتح على التعقيدات النفسيه المتضاده، و الخلافات الحاده المتباينه، و يتدخل الشيطان فى حركه الكلمات القاسيه التى تثير الاعصاب، و فى قسوه المواقف التى تلهب المشاعر، و فى الاوضاع القلقه و العصبيات الخانقه التى تدفع الى الاذى المتبادل و العدوان الضارى، فيودى بى ذلك الى فقدان التوازن فى الموقع و اهتزاز العقيده فى الموقف، فاندفع الى ايذاء المومنين و المومنات و المسلمين و المسلمات، و هو موقف لا يتناسب مع ارادتك الربوبيه فى المنع من الحاق الاذى بالمومنين الذين آمنوا بك و بالمسلمين الذى اسلموا امرهم لك.
انك تريد للمومنين جميعا- و انا منهم- ان يعيشوا الاخوه الايمانيه فى علاقاتهم ببعضهم البعض، لانك قلت: (انما المومنون اخوه) (الحجرات: 10)، مما يجعل القيام باى عمل من اعمال الايذاء للمومنين ضد ذلك. اللهم اننى عبدك الذى يجب ان يكون كل سلوكه مع الاخرين فى خط رضاك، فلا اريد ان اوذى اى مومن و مومنه، اى مسلم و مسلمه، و ها انا ابتهل اليك ان تمنعنى- بقوتك- بلطفك من الاتجاه فى هذا الواقع السلبى، فاذا ضعفت عن التماسك فى الموقف الصحيح، فامنحنى القوه فى الاراده للثبات فيه.
براي اين فراز در برنامه حديث مرتبطي موجود نيست براي اين فراز در برنامه آيه مرتبطي موجود نيست