هل تكون البدايه لاهيه عابثه فى غيبوبه الوعى و فى امتداد الزمن، فيوم يذهب و يوم يجىء، حتى تسقط آخر ورقه من شجره العمر، كما تتساقط الاوراق كلها فى الخريف، فيموت الانسان بعد حياه طويله او قصيره، من دون ان يصنع شيئا لحياته او يقدم عملا لاخرته؟ انه ولد من دون ان يعرف او يختار حياته، و يعيش من دون ان يخطط لاعماله فيها، بل يخضع لتخطيط الاخرين الذين يصنعون له فكره، و يخططون له دربه و برنامجه فى الحياه، و يثيرون فى داخله احساسه و شعوره، فهو يفكر كما يفكرون، و يشعر كما يشعرون، و يسير كما يسيرون، كريشه فى مهب الريح، او كخشبه فى مجرى التيار، ثم يموت من دون احساس بالزمن و وعى لثقل المسووليه فيه، فاذا وجه اليه و الى امثاله السئوال، (قال كم لبثتم فى الارض عدد سنين قالوا لبثنا يوما او بعض يوم فاسال العادين)(المومنون: 113 -112)، لان العمر اللاهى العابث المستغرق فى غيبوبه الغفله لا يزيد عن يوم واحد مستمر لا حركه فيه توكد الفواصل، و لا تجديد فيه يثير الانتباه؟! او تكون البدايه واعيه مفتوحه على كل ما فى الحياه من مسووليات تتصل بالدنيا فى واجباتها بخلافه الانسان فى الارض، و دوره فيها فى الشوون الخاصه المرتبطه بالذات، او فى الشوون العامه المرتبطه بالناس كلهم و الحياه كلها.
مسووليه الانسان المومن:
فالانسان المومن هو انسان مفكر يحرك عقله فى كل مفردات الفكر المتصله بالوعى للكون فى عظمته، و دقه اسراره، و خفايا اوضاعه، مما يطل به على عظمه الله فى خلقه و ابداعه و تنظيمه و تدبيره و ينتهى به الى ان يتعرف على مسوولياته فى كل اموره المتعلقه بحياته و حياه الاخرين.
و هو انسان واع لكل ما حوله و من حوله من خلال وعيه لدوره فى الكون على اساس طاقته فى علاقتها بحجم واجباته، و لذلك فانه يخطط لتنظيم الواقع كله لتكون ايامه خاضعه للعناوين الفكريه و الاخلاقيه و الروحيه و العمليه التى تمثل المنهج فى مبادئه، و الخط العريض لكل قضاياه، فقد تتنوع حركه الاهداف تبعا لتوزيع المراحل و تكاملها فى تحقيقها، و قد تتصل بالواقع بشكل مباشر، و هكذا يكون معنى الزمن مشدودا الى معنى الحركه فى انسانيه الانسان حتى يتانسن الزمن فى معناه.
انه يفكر ان وجوده ليس منفصلا عن الناس من حوله، و عن الواقع الذى يحيط به، و انه مسوول عن كل اعماله و اقواله و اوضاعه، مما يفرض عليه ان يضع لكل لحظه زمنيه صغيره او كبيره حسابا خاصا، و هو- بذلك- ليس مفصولا عن النظام الكونى، بل هو جزء منه يتفاعل معه و يتاثر به و يوثر فيه، و ينطلق فى خطوطه، ليركز حركه الانسان فى الجانب الحركى منه.
حركه الانسان فى الزمن:
و فى ضوء هذا، كان المنهج الاسلامى التربوى يعمل على التخطيط لبدايه اليوم الانسانى فى بدايه اليوم الزمنى، ليتحسس هذا الانسان او ذاك وجوده كجزء من الوجود الكونى، و حركته كجزء من حركه الانسان فى الوجود الانسانى العام، و ليعيش الاحساس بانه مخلوق الله و عبده الخاضع له فى تكوينه، فلابد ان يكون خاضعا له فى تشريعه، و انه ليس موجودا مستقلا او كائنا منفصلا عن المخلوقات الاخرى، فالكل خاضع لتدبير الله، و منفعل بارادته، و سائر فى خط هداه.
و لذلك كان المطلوب ان يعطى الانسان للزمن مضمون عقله و روحه و قلبه
و شعوره و حركته، فيكون الزمان به زمان خير او شر، او صلاح او فساد، او تقدم او تاخر، و بهذا تتميز مرحله زمنيه عن مرحله زمنيه اخرى فى المعنى الكامن فيها، من خلال نشاط الانسان فيها فى المعنى الصادر منه، فيتحد الزمن فى الانسان، فيكون عمره و وجوده، كما يتحد الانسان فى الزمن، فيكون عمقه و روحه و حركته، فيكون الانسان كائنا زمنيا كما يكون الزمن معنى انسانيا.
و لذلك اراد الله للانسان ان يستقبل صباحه و مساءه بالتسبيح و التحميد، لينفتح تصوره على عظمه الخالق فى ما يوحى به تسبيحه من اسرار عظمته و مواقع قوته، و فى ما يتضمنه تحميده من صفات حمده، و هكذا جاءت الايه الكريمه فى قوله تعالى: (و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل الغروب)(ق: 39) و اضافت الى ذلك عمق الزمن اليومى (و من الليل فسبحه و ادبار السجود)(ق: 40) حتى يكون الزمن فى حركته وعيا لله فى عظمته و حمده.
و هذا ما نلاحظه فى التوقيت اليومى الزمنى للصلاه، فهناك صلاه للفجر تطل بالانسان على آفاق الله فى بدايه يومه العملى، لتكون الصلاه بدايه عمله، فتكون كل لحظاته الزمنيه فى اعماله الاخرى صلاه متجسده فى الخضوع لله و الامتثال لاوامره و نواهيه، مما يحصل عليه من معانيها و ايحاءاتها، و هناك صلاه للظهر و العصر، تتوسط اليوم النهارى لتراقب حركه السير فيه، و ما يستجد فيها من انحرافات عن الخط المستقيم، فتحتويها بالروحيه التى يعود الانسان فيها الى ربه، فلا يمتد به الانحراف ليمضى به بعيدا، و هناك صلاه للمغرب و العشاء يبدا بها ليله فى اوائله، و يستغرق بها فى كثافه ظلامه، حتى يكون ليله ليلا الهيا لا يستسلم فيه لشهواته و لذاته فى الحرام من خلال ما قد يوحى به الليل من حريه فى ممارسه المحرمات فى ظلامه الساتر للافعال المنحرفه مما قد يخجل منه الانسان فى النهار، و بهذا تكون الصلاه حزاما روحيا يحيط بوجود الانسان فى يومه و ليلته، فلا يذهب بعيدا فى انحرافه، حتى يشده الى الاستقامه من جديد فى عمليه جذب روحى يعيده الى الله من جديد.
النقد الذاتى فى حركه الزمن:
و اذا درسنا التراث الروحى العبادى، فاننا نجد فيه الكثير من الاعمال المستحبه التى تتنوع فى مضامينها فى التعبير عن حركه ذكر الله فى الانسان، و عن الدعاء المتنوع فى التصورات الانسانيه حول العلاقه بالله فى الطاعه و المعصيه، و الحسابات النقديه التى يستغرق فيها الانسان فى حساب اعماله و اقواله و اوضاعه، ليدخل فى عمليه نقد ذاتى لكل حياته فى الماضى من ايامه، ليخطط- من خلال و عيه للصالح منها و الفاسد- لما يستقبله من العمر فى امتداد الزمن، و هذا ما نلاحظه فى الادعيه المتكرره فى هذا الاتجاه.
منها الدعاء الماثور:
اللهم من امسى و اصبح و له ثقه و رجاء غيرك، فانى امسيت و اصبحت و انت ثقتى و رجائى فى الامور كلها، فصل على محمد و آله، واقض لى بخيرها عاقبه، و نجنى من مضلات الفتن ما ظهر منها و ما بطن، و بارك لى فى ما اعطيتنى يا كريم، يا من يكفى من كل شىء و لا يكفى منه شىء، اكفنى ما اهمنى مما انا فيه من امور الدنيا و الاخره يا ارحم الراحمين.
نلاحظ فى هذا الدعاء ان الانسان يدخل فى مقارنه بين الذين يمنحون ثقتهم فى كل امورهم للخالق بحيث يفوضون امورهم اليه و يتوكلون عليه لانه المهيمن على الامر كله، و الذين يمنحون ثقتهم للمخلوقين فى حل مشاكلهم و متابعه قضاياهم لاستغراقهم فى امكاناتهم فى عالم الحس من دون الدخول فى تحليل طبيعه ذلك، فيختار المومن لنفسه الثقه بالله فى بدايه يومه و نهايته، فيتوسل اليه ان يقضى له بافضل الامور عاقبه، مما تكون نتيجته خيرا له فى الدنيا و الاخره فى الدرجه العليا من ذلك، و ان يحميه من الفتن المضله التى قد تعرض له فى نزوات نفسه، و اضاليل مجتمعه، و اهتزازات واقعه، مما قد ينجذب اليه انجذاب الرغبه او الرهبه، او يستثير بعض تهاويل الواقع لديه او اغراءات الحس عنده، فيشتبه عليه وجه الحق و الباطل، فيتبع الباطل بعنوان انه الحق، و يترك الحق بعنوان انه الباطل. و يساله- بعد ذلك- ان
يبارك له فى ما منحه من المال و العلم و القوه و الولد و الجاه و غير ذلك، بان يوجهه الى ما ينفع الناس، و ينفعه فى الدنيا و الاخره، فلا يبقى شيئا جامدا منفصلا عن الواقع عنده.
و يختم الدعاء بالتصور الانسانى لقدره الخالق الذى يكفى الانسان من كل شىء يتحداه و يسقطه و يضره و يودى الى هلاكه المادى و المعنوى، لانه القادر على كل شىء، فلا يعجزه اى شىء مهما كان عظيما، و لا يستطيع احد من عباده ان يكفى منه، فاذا اراد بعبد سوءا فلا يملك احد ان يخلصه منه، لان العبد لا يملك ايه قدره ذاتيه فى نفسه لنفسه، فكيف يملك القدره على تحدى خالقه، و هكذا يطلب الانسان من ربه، امام مخاوف اليوم فى بدايته و نهايته، ان يحميه من كل ما يمكن ان يضره و يسىء اليه، لانه الكافى من كل شىء، فاذا اراد شيئا كان فى كل خلقه و فى كل عباده.
النقد الذاتى فى حساب النفس
و منها الدعاء الذى تتضمنه ادعيه الصحيفه السجاديه فى مساله النقد الذاتى فى حساب النفس:
اللهم انى اصبح و امسى مستقلا لعملى، معترفا بذنبى، مقرا بخطاياى، انا باسرافى على نفسى ذليل عمل اهلكنى، و هواى اردانى، و شهواتى حرمتنى، فاسالك يا مولاى سئوال من نفسه لاهيه لطول امله، و بدنه غافل لسكون عروقه، و قلبه مفتون بكثره النعم عليه، و فكره قليل لما هو صائر اليه، سئوال من قد غلب عليه الامل و فتنه الهوى، و استمكنت منه الدنيا، و اظله الاجل، سئوال من استكثر ذنوبه و اعترف بخطيئته، سئوال من لا رب له غيرك، و لا ولى له دونك، و لا منقذ له منك، و لا ملجا له منك الا اليك.
ففى هذا الدعاء، يواجه الانسان يومه و ليله امام ربه فى عمليه نقد ذاتى يستغرق من خلالها فى كل اعماله، فهو يتطلع الى اعماله فى كل ما ذهب من عمره، فلا يراها
بالمستوى المطلوب كما و نوعا، فلا تستطيع ان تنقذه من غضب الله، او تمنحه الامن من سوء المصير، فاذا تطلع اليها فانه يجد فيها الكثير مما يودى الى هلاكه لاشتماله على ما حرمه الله، و اذا التفت الى خضوع كيانه لاهواء نفسه، فانه يشعر بان ذلك قد يصل به الى الموت الروحى عندما يرديه ذلك فى نار جهنم ،... ثم يلاحظ ان شهواته الضاغظه على حسه، المسيطره على حركته، استطاعت ان تحرمه من الحصول على رضوان الله و محبته، و بالتالى فقد ينتهى به ذلك الى الحرمان من الجنه و الدخول فى النار.
و فى ضوء ذلك، يتطلع هذا الانسان المومن بالله الى ربه، ليساله سئوال من يملك النفس اللاهيه التى لا تعيش الجديه فى الحياه، لانها لا تتصور لها نهايه محدوده، و لا تنفتح فيها على حساب المسووليه، و سئوال من يملك البدن الغافل عما ينتظره من العذاب ازاء انحرافه، و القلب المفتون بالنعم الكثيره المتنوعه لديه، و الفكر الذى لا يعيش اهتمامات العاقبه الحاسمه التى ينتهى اليها...
فقد فتنه الهوى، و غلب عليه الامل، و استمكنت منه الدنيا، و بدا الاجل يخفق فوق راسه، و لكنه الان يعى نتائج ذلك، فقد استكثر ذنوبه، و اعترف بخطيئته، و لذلك فانه يسال ربه سئوال الانسان الذى يجد الله كل شىء فى وجوده، فى الدنيا و الاخره، فلا رب له غيره، و لا ولى له دونه، و لا منقذ له منه، و لا ملجا له منه الا اليه، ليخرج من ذلك كله بنفس راجعه الى الله، مطيعه له، واثقه به، متوكله عليه فى كل امورها.
و منها الدعاء الذى يتحدث فيه الانسان مع الله من خلال تجريد الحالات الانسانيه الطارئه عليه من انحرافاته و سلبياته، كما لو كانت كائنا واعيا يعيش القلق الذى يدفعه الى الاستجاره بالله من النتائج السيئه فى كل صباح، حتى يكون الصباح يقظه لكل هذه الحالات فى الاحساس بالحاجه الى اللجوء الى الله، و هو من تعقيبات صلاه الصبح:
اللهم اصبح ظلمى مستجيرا بعفوك، و اصبحت ذنوبى مستجيره بمغفرتك، و اصبح خوفى مستجيرا بامانك، و اصبح فقرى مستجيرا بغناك، و اصبح ضعفى مستجيرا بقوتك، و اصبح وجهى الفانى مستجيرا بوجهك الباقى.
و نلاحظ- هنا- ان ظلم الانسان لنفسه لا يطيق وجوده فى شخصيه الانسان، فيريد ان يتحرر من ضغطه عليه بعفو الله، و هكذا تتحرك الذنوب لتستجير بمغفره الله من تاثيراتها السلبيه عليه، و ينطلق الخوف فى نوازع القلق و الاضطراب ليتحول من خلال استجارته بالله الى حاله امان، كما يتحول الفقر الى حاله غنى، و الضعف الى حاله قوه، و الحياه الفانيه الى حياه باقيه.
و هذا ما يجعل من حركيه الانسان فى بدايه اليوم حركيه متغيره تبعا للاوضاع التى يعيشها فى مواقعه الصعبه التى تثقل حياته فى الدنيا و الاخره.
و منها الدعاء الذى يعلن فيه الانسان المومن امام ربه انه يبدا صباحه بالشهاده لله بالوحدانيه، فى عمليه ايحاء نفسى عميق متكرر فى كل صباح، ليوكد دائما ان كل بدايات ايه لحظه زمنيه، لابد ان تكون مغسوله بالشهاده الكيانيه لله بالوحدانيه، ليبقى التوجه اليه- وحده- فلا يلتقى بغيره الا من خلاله، و لا يتوجه الى اى شىء فى الحياه الا فى الوجه الذى يطل عليه، ليكون انسان الله الذى لا ينفصل عنه بالحب كما لا يبتعد عنه بالطاعه، لانه مرتبط به بسر وجوده:
اللهم انى اصبحت اشهدك و كفى بك شهيدا، و اشهد جميع ملائكتك و حمله عرشك و سكان سماواتك و ارضك و انبيائك و رسلك و الصالحين من عبادك و جميع خلقك، فاشهد لى و كفى بك شهيدا، انى اشهد انك انت الله وحدك لا شريك لك، و ان محمدا صلى الله عليه و آله عبدك و رسولك، و ان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضك السابعه السفلى باطل مضمحل، ما عدا وجهك الكريم، فانه اعز و اجل و اعظم من ان يصف الواصفون كنه جلاله، او تهتدى
القلوب الى كنه عظمته، يا من فاق مدح المادحين فخر مدحه، و علا وصف الواصفين ماثر حمده، و جل عن مقاله الناطقين تعظيم شانه، صل على محمد و آل محمد، و افعل بنا ما انت اهله يا اهل التقوى و اهل المغفره.
هذا الجو الايمانى الرائع الذى يوكد فيه الانسان امام ربه شهاده اسلامه، و توحيده لخالقه، و ايمانه برسالته فى رسوليه الرسول، ليبقى هذا الوعى الاسلامى متجددا فى الوعى و الوجدان فى صباح كل يوم، لتتعمق فى النفس كما لو كانت انتماء جديدا فى يوم جديد، باعتبار ان تجدد اليوم يفرض تجدد الانتماء من خلال حيويه الفكر، حتى اذا اكتشف الخطا فى بعض مفرداته و معانيه، تحول عنه الى انتماء آخر، و اذا راى انه لا يزال يحمل العناصر الحيويه للحقيقه، و الخطوط المستقيمه للامتداد فى العمر، اكده فى نفسه، ليبقى- فى وقوفه معه- فى وعى حار متحرك فى كل يقظه جديده فى يوم جديد، و بذلك تخرج العقيده عن جمود التقليد لتنفتح على حيويه الايمان فى حركيه الاراده.
ثم هذا الحب الصدقى لله، و هذه الحقيقه العقيديه الثابته فى النفس، فكل شىء عداه باطل مضمحل من كل ما يعبده الناس فى اى افق و فى اى مكان، فى اعماق الارض و فى آفاق السماء، انه اللاشىء، لان الله هو- وحده- الشىء، و هو الاعز و الاجل و الاعظم، فلا يبلغ احد حقيقه جلاله، و لا يملك الواصفون تحديد ماثر حمده و عظمه شانه، و هو اهل التقوى و اهل المغفره، و هو الذى يضم بحنانه و لطفه الاتقياء و التائبين.
و هكذا نلاحظ فى هذه الادعيه المنهج التربوى الايحائى الذى ينطلق فيه الداعى فى دعائه، ليدخل فى اجواء يومه و ليلته، واعيا لمقام ربه فى مسووليته، و مسووليه يومه فى قضيه حياته، و حركه دنياه فى مصير آخرته، فلا يهمل لحظه من الزمن، باعتبار انها تمثل جزءا من عمره الذى لا بد ان يملاه بما يخلصه عند ربه. و هذه هى الخطوط التربويه العامه للدعاء، عندما يقف للسئوال عن عمره كيف افناه و عن شبابه فيم ابلاه.
مفاهيم الدعاء:
و هذا الدعاء الذى كان يدعو به الامام زينالعابدين (ع) فى الصباح و المساء- كما ورد فى الصحيفه- يمثل وثيقه حيه للمنهج التربوى الاسلامى فى نظره الانسان الى حركه الزمن فى عمره، فى ما يستقبله من الصباح و المساء، ليكون يومه يوما اسلاميا فى تفاصيله و مفرداته، و نحن نحاول استعراض عناوينه و خطوطه العامه فى عده نقاط:
1- التطلع الى النظام الكونى: فى حركه الليل و النهار الذين يتعاقبان فى خط متنوع الابعاد، فقد يتساويان فلا يزيد احدهما على الاخر فى البعد الزمنى، و قد يزيد الليل على النهار فى بعض الفصول فيمنح الخيال انطباعا بان الليل قد دخل فى النهار فسلب منه ضوءه و اعطاه ظلمته، و قد يزيد النهار على الليل فى فصل آخر فتكون الصوره التخيليه اقتحام النهار لليل، ليعطيه بعضا من ضيائه فيرتفع عنه ظلامه، و ذلك كله فى نطاق نظام دقيق محدود، و امتداد زمنى محدد من خلال القدره الالهيه التى تدبر امرهما و تنظمه، و تمسكهما من دون اى خلل او انحراف، فلا يتغيران فى ذلك كله مهما امتدت الحياه و لو بمقدار لحظه.
و هذا ما قدره الله للعباد فى تنميه وجودهم و تغذيته و حركته، ليكون لهم فى كل من الليل و النهار دور معين، فيتكاملان فى تنظيم الواقع الانسانى بالطريقه التى تجعل للطاقه فيه نظاما دقيقا فى توزيع مواقعها، فلليل دور فى تهدئه الاعصاب، و سكون المشاعر، و استرخاء الجسد بعد عناء طويل و جهد شديد، ليتخففوا فيه من التعب، و ليبتعدوا عن التوتر الجسدى و النفسى، فترتاح الذات فيه عندما ينساب الظلام الى العيون فيثقلها بالنعاس، فيغلب عليها النوم، و يشمل الظلام الجسد تماما كما هو الثوب الذى يلبسه الانسان، فيتحول الى ما يشبه لباس الراحه، باعتبار انسيابه فى الجسد كله بما يشبه الخدر اللذيذ الذى يداعب الحس و الروح فى غيبوبه هادئه، يفقد فيها الانسان الاحساس بالحياه فى توتراتها و شدائدها من دون ان يفقد الحياه، فتبقى للجسد انفاسه الهادئه، و تنفتح الروح على عالم من الصور و الاحلام
لا يعرف الانسان كنهه، فتجدد للانسان قوته ليوم عمل جديد، و ترتاح اعصابه لحركه جهد شديد.
و هو- الى جانب ذلك- الفتره الزمنيه الساكنه التى تلقى على الناس ستارا يحجبهم عن العيون، و يمنحهم بعض الحريه التى افتقدوها فى اجواء النهار، و يحقق لهم بعض الراحه الجسديه، و يعطى الغرائز بعض الاجواء الحالمه التى تستيقظ فيها الشهوات فى اندماج الانسان بالانسان، فى حركه الشهوه التى يغنى فيها حسه، و يذوب فيها وجوده، ليولد من خلال ذلك وجود جديد، و هكذا يكون الليل فى عالم الوجود نعمه من الله للانسان، يحصل فيها على اكثر من فرصه لاغناء حياته الجسديه و الروحيه. انه العمى الذى لا يشعر الانسان بقسوته، بل يجد فيه الكثير مما يخفف به عن نفسه من الجهد و العناء، و يعيش فيه الاسترخاء اللذيذ من اجل الانفتاح على بصر جديد.
اما النهار، هذا الكون المفتوح العيون من خلال الضوء الذى يتدفق من قلب الشمس، فيمنح الحياه نورها و حرارتها و دفاها، و يوجه حركتها نحو كل المجالات المفتوحه على واقع الانسان، ليتطلب مواقع فضل الله بما انعم به على عباده من وسائل العيش المتناثره فى كل مكان، و ليتحرك فى الارض الواسعه بحثا عن موارد الرزق، فقد جعل الله للرزق اسبابه التى لا ينالها الانسان الا بجهده، و عرق جبينه، و استنفاد طاقته الفكريه و الجسديه، فى الاتجاه الذى يكتشف فيه اسرار الحياه فى ثرواتها الطبيعيه، فى باطن الارض و ظاهرها، و فى الفرص المتنوعه فى علاقه الناس ببعضهم البعض، ليحصل الانسان على شروط حياته الماديه من خلال ذلك، كما يحقق لنفسه الكثير من نتائج المسووليه التى يواجهها فى يوم القيامه بين يدى الله فى المشاريع الكثيره المتعلقه بجهاد الانسان فى مواجهه التحديات الداخليه و الخارجيه، و الاعمال المتصله بواجباته الشرعيه اتجاه الله.
بهذا التوزيع المتوازن بين الليل و النهار، يفسح الله المجال للانسان ليواجه مسوولياته الموكله اليه فى شوون الدنيا و الاخره، التى يمتحن فيها قدرته على
التوازن و الاستقامه فى نهج الله فى رسالته، و يصلح بها شانه، فى بناء حياته على اساس ثابت قوى، و فى تاكيد خط الطاعه لله فى امتثال اوامره و نواهيه، بما فرض عليه من الاحكام، و حدد له من المواقع، و ركز له من المواقف، لتكون حركته فى الدنيا من خلال كل هذه الفرص، اساسا لمواجهه نتائجها فى الاخره، ليجزى المسىء باساءته و المحسن باحسانه، فلا تكون الحياه فرصه للهو و العبث، بل مجالا للعمل و المسووليه، و هذا ما يدفع بالانسان الى استجلاء عظمه الله و قوته و قدرته فى كل ذلك، و من ثم الانفتاح على حمده فى ساحه العظمه و النعمه، و ذلك باعتبار ان هذا النظام الكونى الزمنى يمثل بعدا فى القوه الالهيه، و لطفا فى الرحمه الربانيه، فللصباح وحيه فى روح الانسان، و لضوء النهار دوره فى اجتلاب المنافع و مطالب الاقوات، و فى استدفاع المفاسد، و تجنب الاضرار، عندما يفتح الانسان عينيه على كل ما فى الحياه من زوايا و خفايا و مواقع و مراتع، ليرى فيها كل الوسائل التى يحمى فيها نفسه، و يفتح فيها حياته، و هذا هو غايه الحمد من خلال ما يفرضه على الانسان من الانفتاح على حمد الله.
2- الاحساس بوحده الانسان: مع كل الموجودات فى الكون، السماء و الارض، الساكن و المتحرك، المنبسط و الشاخص، العالى فى الهواء و الكامن فى اعماق الارض، بحيث يتحسس الانسان وجوده، فى يقظه الصباح و اغفاءه المساء، جزءا من النظام الكونى، مما يولد فى نفسه الشعور بالالفه الوجوديه، و التكامل الكونى معها، فلا تكون قضيته فيها قضيه صراع على طريقه الغالب و المغلوب، او على طبيعه حركيه الصراع، بل تكون قضيه الانسان الذى يتحمل مسووليه المخلوقات التى وجدت معه، فيتعامل معها من موقع مسووليته عنها باعتبارها مجال عمله، من خلال تسخيرها له فى اخضاع الله الكون للانسان، مما يدبر امره او يستفيد من طاقته.
3- الشعور بالسيطره المطلقه لله على الوجود كله: و على الانسان كله، فهو يتقلب فى ملك الله و سلطانه، و يخضع لسطوته، لان قبضه الله، فى معناها الكنائى او المجازى، تمسك بزمام امره و تضغط عليه بكل وجوده، و هو يتصرف فى داخل مشيئه الله، و يتحرك عن امره، و ينحنى لقضائه و قدره فى كل اموره، فليس له من الامر الا ما قضاه الله، و يحصل على رزقه من خلال عطاء الله، فليس له من الخير الا ما اعطاه.
انه الاحساس بالفقر المطلق لله، القاهر فوق عباده، المهيمن على الامر كله، مما يترك تاثيره على انفعال الانسان باوامر الله و نواهيه، و الرجوع اليه فى كل حاجاته و آلامه و احلامه.
4- التصور الواعى للزمن: اليوم، الشهر، السنه، العمر كله، باعتباره عينا تختزن فى داخلها الرويه الواضحه للانسان فى حركته العمليه على اساس المنهج الالهى الذى يحكم مسووليته، فيتحول اليوم الى شاهد حاضر يرصد مفردات اعمال الانسان و اقواله فى ظواهرها و بواطنها، ليشهد عليه يوم القيامه، و هو- فى الوقت نفسه- لا يقف مجرد شاهد راصد، بل ينطلق ليتخذ منه موقفا ايجابيا، اذا كان فى خط الاحسان، فيودعه بمحبه و كرامه و حمد، او موقفا سلبيا، اذا كان فى خط الاساءه، فيفارقه بعصبيه و ذم، تماما كما لو ان الزمن مخلوق حى خاضع لله، محب له، موظف عنده، بحيث ينفعل سلبا او ايجابا تبعا للعلاقه الخيره او الشريره التى تربط الانسان بالله.
و لعل هذا اللون من التصور الايمانى للزمن و علاقته بالمصير فى حياه الانسان، يترك تاثيره الجيد على مسيره الانسان فى احساسه بمرور الثوانى و الدقائق و الساعات و الايام ليتوقف عندها، و لينضبط امامه تماما كما يتوقف امام اى شخص حى يتحفز للشهاده عليه، و يقف ليواجهه بكل ذلك، و هذا ما تمثله فقرات الدعاء التى يبتهل فيها الانسان الى ربه ان يرزقه التوفيق ليصاحب هذا اليوم مصاحبه حسنه
و يعصمه من سوء مفارقته بارتكاب الخطيئه، صغيره او كبيره، حتى يحصل على محبه يومه، و بالتالى، يفوز برضوان ربه و مغفرته من خلال ما يوفقه اليه من الحسنات و يخليه من السيئات، و يجمع له ما بين طرفيه الحمد لله و الشكر له و الاجر العظيم و الفضل الالهى و الاحسان الربانى الذى يمثل خط الفائزين.
5- الحساب و المسووليه: فاذا التفت الانسان، فى الدعاء، الى اليوم كشاهد حى عليه، فانه يستعيد فى ذاكرته الايمانيه، الملكين الكاتبين اللذين و كلهما الله به لكتابه اعماله و اقواله، من حسنات و سيئات، ليقدما الى الله، فى نهايه المطاف، تقريرا كاملا عن كل نشاطاته فى الحياه، و هو الذى يمثل صحيفه اعماله، و كتابه الذى يلقاه يوم القيامه منشورا فيطلب منه ان يقراه بدقه و مسووليه.
فيبتهل الى ربه ان ييسر عليهما الجهد، و ذلك بان تكون اعماله سائره على النهج القويم و الصراط المستقيم، فيرتاح الملكان و يسترخيان، باعتبار ان الانسان يسير فى الاتجاه الطبيعى الصحيح الذى ينسجم مع النتائج الطيبه للمصير، فيشعران بالغبطه امام الحسنات التى تمتلىء بها صحيفه الاعمال، و يتحرر الانسان من الشعور بالخزى و العار لانهما لن يجدا فى حياته اعمالا سيئه، و فى هذا الاتجاه، ينطلق لياخذ حظا من عباده الله، و نصيبا من شكره، فيحصل على شاهد من ملائكته يشهد له بالطاعه و الصلاح و الايمان، و ذلك هو الضمان للنجاه من عقاب الله، و القرب من مواقع رضاه، لان الله يرضى عن عباده المطيعين الشاكرين الذين يتحركون فى صعيد الصدق و يقفون مواقف الحق.
6- الله هو الملجا: ان الانسان المومن يتطلع دائما الى حمايه الله له من كل سوء، و حفظه من كل بلاء، و حراسته من كل عدو، فلديه الامل لكل يائس، و الامن لكل خائف، و الملجا لكل هارب، و لذلك كان من الطبيعى جدا ان يطلب- فى دعائه- من ربه،
فى كل صباح و مساء، ان يحفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله، و من جميع نواحيه، و هذا امر لا يلفت النظر، لان الانسان- كل انسان- يحب الحفظ لحياته، و الحمايه لصحته، من اجل استمرار العمر فى حاله جيده، و لكن الذى يلفت النظر فى هذا الدعاء و فى امثاله من الادعيه، هو اشتراط الانسان المومن لنفسه فى طلبه من ربه فى هذه المساله، ان يكون هذا الحفظ فى الدائره التى لا تسىء الى ايمانه و التزامه و استقامته على الخط الصحيح، ليكون عاصما له من معصيه الله، هاديا له الى طاعته، مستعملا لمحبته، اما اذا كان الحفظ فى نطاق حركه المعصيه فى الجسد، و ضلال الفكره فى الفكر، و استعمال حيويه الحياه فى الانسان فى مواقع سخط الله، فانه يكون مرفوضا بالكامل، لان الحفظ الانى السريع الذى ينتهى فى حركته العمليه الى الموت الروحى اولا، و السقوط المصيرى ثانيا، و الهلاك الاخروى ثالثا، لن يكون الحفظ الذى يمثل الامنيه الانسانيه فى وعى الانسان لذاته و مصيره، بل يكون مشكله المستقبل الابدى لحساب الحاضر العابر، و اللحظه الطارئه.
و هذا ما يجعل نظره المومن الى كل الجوانب المتصله بسلامه حياته من الصحه و الامن مرتبطه بالنتائج السلبيه او الايجابيه فى قضايا المصير فى علاقه الانسان بالله، حتى اننا نقرا، فى بعض الادعيه الاخرى للامام زينالعابدين (ع)، تاكيدا على اعتبار مساله الحياه و الموت خاضعه للخير و الشر، فتكون قيمه الحياه، بمقدار ما تكون زياده فى كل خير، حيث يكون امتدادها امتداد للخير فى الانسان و فى الحياه، كما تكون قيمه الموت بمقدار ما يكون راحه من كل شر، حيث تكون الحياه حركه فى انتاج الشر للحياه و للاخرين، مما يجعل من الموت تجميدا للشر فيكون فى دائره القيمه من هذه الجهه، لا فى طبيعته الذاتيه. و هذا ما جاء فى دعاء يوم الثلاثاء: «و اجعل الحياه زياده لى فى كل خير و الوفاه راحه لى من كل شر». و هكذا نقف مع هذا المفهوم الاسلامى للحياه و الموت كقيمتين فى نطاق الاوضاع الطارئه المنفتحه على قضيه المصير، فى دعاء مكارمالاخلاق:
«و عمرنى ما كان عمرى بذله فى طاعتك، فاذا كان عمرى مرتعا للشيطان،
فاقبضنى اليك قبل ان يسبق مقتك الى او يستحكم غضبك على».
اننا نلاحظ فى هذه الفقره ان قيمه العمر تتحدد فى مدى بذله بكل طاقاته و حيويته فى طاعه الله و محبته، مما يجعل العمر يساوى- فى الحساب الايمانى- حركه الطاعه فى الحياه، اما اذا تحول الى ساحه للشيطان يرتع فيها بحسب نزواته و نزغاته و احابيله و وساوسه، بحيث يتحول الانسان الى كائن شيطانى فى فكره و عمله و علاقاته و اوضاعه، فان الموت عند ذلك يكون هو الامنيه الكبرى، لانه يوقف حركه الانسان نحو السقوط، و يخفف من ضغط الانحدار الى الهاويه، ليبقى فى منتصف الطريق بين الاعلى و الاسفل، فلا يسبق مقت الله اليه، بل تبقى هناك بقيه للعفو و المغفره، و لا يستحكم غضبه عليه، بل يكون هناك موقع للرحمه و الرضوان.
ان هذا المفهوم الايمانى يرتكز على اعتبار الوجود الانسانى حركه تصاعديه فى الطريق الى الله، مما يجعل من ايه حركه تنازليه مشكله للوجود نفسه، بحيث يتحول الى شىء لا معنى له، ليكون ايقافه فى مرحله معينه تخفيفا من المشكله، و انطلاقه نحو الحل.
7- مفردات العمل اليومى للمسلم: ان حركه اليوم الانسانى لابد من ان تخضع فى مفرداتها للانتماء الاسلامى فى كل معطياته و مقتضياته و مشاريعه و تطلعاته فى الحياه، بحيث يكون كل عمل من الاعمال، او مشروع من المشاريع، مندرجا تحت عنوان من عناوين الخطوط العامه للانتماء، المتنوعه الافاق، المتعدده الابعاد، المختلفه المواقع.
و قد تحدث الدعاء عن عده عناوين فكريه و اجتماعيه و حركيه و انسانيه، مما يطلب الانسان من ربه ان يوفقه له، و يحققه فى حياته، و هى عباره عن اربعه عشر عنوانا عاما للسلوك الانسانى فى الحياه.
ا- استعمال الخير.
ب- هجران الشر.
ج- شكر النعم.
د- اتباع السنن.
ه- مجانبه البدع.
و- الامر بالمعروف و النهى عن المنكر.
ز- حياطه الاسلام.
ح- انتقاص الباطل.
ط- اذلال الباطل.
ى- نصره الحق.
ك- اعزاز الحق.
ل- ارشاد الضال.
م- معاونه الضعيف.
ن- ادراك اللهيف.
و اذا تاملنا فى هذه العناوين، فاننا نرى انها تشمل كل القيم الاخلاقيه و الحركيه و الاجتماعيه التى تستوعب كل اعمال الانسان فى طبيعتها الايجابيه، من موقع الاراده الاسلاميه المتحركه فى خط المسووليه، فنجد ان استعمال الخير و هجران الشر يمثلان كل القيم الروحيه و العمليه فى الجانب السلوكى الداخلى و الخارجى للانسان فى الاعمال الصالحه فى مضمون الخير، و غير الصالحه فى مضمون الشر، و بذلك تندرج فيه كل العناوين الاخلاقيه المذكوره فى الكتاب و السنه، سواء ما يتعلق بعلاقه الانسان بربه او بنفسه او بالناس من حوله، و بالحياه التى تحيط به او تعيش فى داخله او تطل عليه، و بالمخلوقات الاخرى المتحركه فى الواقع، سواء كانت
حيه او ناميه او جامده، و هكذا نستحضر فى ذهنيتنا التوحيد و الشرك، و الايمان و الكفر، و العباده و التمرد، و الصدق و الكذب، و الامانه و الخيانه، و العفه و الفسوق، و الغش و النصح، و الصداقه و العداوه، و اللين و القسوه، و التواضع و التكبر، و الصلاح و الفساد، و العدل و الظلم، و نحو ذلك من العناوين الايجابيه و السلبيه...
اما شكر النعم فيمثل الحركه الداخليه فى العقل و القلب، و الحركه الايجابيه فى الواقع العملى بتقديم كل المشاعر الطيبه، و الالتزامات الخيره، و اظهار التعظيم و التوقير و الحمد و التمجيد و الاعزاز للمنعم، و ذلك باللسان بالتعبير عن كل مشاعر الامتنان و المحبه تجاهه، و بالاعضاء الاخرى بالعباده و الطاعه، و اجتناب كل ما يعبر عن التمرد و المعصيه و البعد عن مواقع المحبه و الخضوع.
ان الشكر يمثل القيمه الاخلاقيه التى تعبر عن انفعال الانسان بما يقدمه المنعم له بطريقه ايجابيه، الامر الذى يودى الى تشجيع العاملين فى سبيل الخير على مستوى الواقع الانسانى، كما يوحى بانسانيه الانسان فى استجابته الروحيه لكل نقاط الخير فى معنى وجوده و حركه حياته، بالاحساس بحاجته الى تقديم حاله من الانحناء القلبى و التعبيرى و العملى فى سبيل الاعتراف بالجميل الذى يقدم اليه من الخالق او المخلوق، فان الله اراد للانسان ان يشكر المخلوق كما يشكر الخالق، لان ذلك يوحى بالعمق الروحى للانسان.
اما اتباع السنن فيمثل النهج الشرعى الذى سنه الله و رسوله للانسان فى كل مجالات حياته الخاصه و العامه، مما اوجبه الله او استحبه، او الزم بتركه او كره فعله، و قد تطلق شرعا على الاحاديث المرويه عن النبى (ص) و على الطريقه النبويه، و هى ما سنه النبى (ص) اى: شرعه من مفروض او مندوب و غير ذلك، و الظاهر ان المقصود بها هو ما ذكرناه من الالتزام بالشريعه الاسلاميه جمله و تفصيلا باعتبار ذلك مظهرا للانتماء للاسلام، لان الالتزام العملى هو معنى اسلام الفكر و القلب و اللسان و الجسد لله و لرسوله فى كل مجالات الحياه.
و مجانبه البدع، يمثل فى عنوانه الكبير الخط المنحرف عن الاسلام بطريقه
مضاده، او الذى لم يشرعه الله و لم يندرج تحت اى عنوان من العناوين العامه التى شرعها الله، و لم يلتق بالمنهج العام للبرنامج الشرعى للانسان فى البرنامج الاسلامى العام.
و فى ضوء ذلك، قد تتحدد البدعه فى التشريع بتشريع احكام و قوانين مضاده للتشريع الاسلامى، او بعيده عن خطوطه مع نسبتها اليه، مما يستحدثه الناس من احكام و تشريعات على اساس محاوله اعتبارها اسلاميه من حيث انسجامها مع الاجواء العامه للمفاهيم الاسلاميه فى استنتاج ذاتى، كما يحاول البعض العمل على تحريك الاستنباط للاحكام من قواعد لا تلتقى مع القواعد العامه لمصادر التشريع، انطلاقا من التاثرات الثقافيه ببعض الاتجاهات الفكريه او القانونيه التى تفرض على الواقع العام احكاما و تشريعات معينه من خلال القوه التى يملكها اصحابها، مما يجعل منها، فى الوجدان العام، اساسا للنظره الحضاريه او التقدميه التى لا بد للاسلام من ان يكون منسجما معها فى النظره و الحركه و المنهج.
و هذا ما افسح المجال للاجتهادات التوفيقيه التى درج عليها بعض المفكرين المسلمين الذين عاشوا الانبهار بالاجواء الحضاريه الغربيه، او بالافكار القوميه، او الاشتراكيه، فعملوا على اخضاع النصوص الاسلاميه لمفاهيمها و قوانينها، بالطريقه التى لا يتحملها النص و لا يلتقى بها منهج الاجتهاد.
و قد تطرق البعض الى الجانب الاخر من مفهوم البدعه، فحاول التحدث عن كل المستجدات التى لم تكن موجوده فى زمن النبى (ص)، او لم ينص عليها الكتاب و السنه من بعض الاعمال و الاوضاع، باعتبار انها بدعه محرمه، من دون التفات الى ان العبره فى هذا الموضوع ليست بالنظر الى مفردات المسائل بل الى كلياتها، فقد ياخذ المسلمون ببعض الاعمال و النشاطات غير المالوفه فى زمن الشرع و لكنها تلتقى بالمفاهيم العامه التى تحدث بها الشارع، كالاحتفال بذكرى النبى محمد (ص) و الائمه و الصحابه، و العلماء، او التظاهر السياسى للمطالبه ببعض القضايا العامه، او للاحتجاج على بعض الاوضاع، او للاخذ ببعض العادات التى لم تكن موجوده
فى عهد التشريع مما لا يكون خاضعا لعنوان محرم، و ذلك من خلال الاستفاده من استعاده تاريخهم و سيرتهم، او للامر بالمعروف و النهى عن المنكر، او لادخال السرور على المومنين فى العادات الاجتماعيه، باعتبار ان الله لم يحدد للانسان وسائل تحقيق بعض العناوين او المفاهيم او التشريعات، بل ترك له ملاحقه المتغيرات الواقعيه لتطوير اساليبها، و تنويع وسائلها، مما يجعل الاخذ بها اخذا بالخطوط العامه، فيكون وجوبها او استحبابها او اباحتها تابعا لاستحباب العناوين المنطبقه عليها انطباق الكليات على جزئياتها، لا باعتبار الحكم بشرعيتها بالخصوص فى دائرتها الجزئيه ليقال انها ليست منصوصه فلا يجوز نسبتها الى الشارع.
اما الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، فهما القضيتان اللتان تتحركان فى الواقع الاجتماعى و الاقتصادى و السياسى و الامنى و الفردى من اجل مراقبه السلوك العام او الخاص، و دراسه مدى انسجامه او انحرافه عن الخط الاسلامى الفكرى او الشرعى، لتحديد الموقف منه بشكل فاعل، امرا او نهيا او تاييدا و تقريرا، و ذلك من اجل ايجاد قاعده للرقابه الاجتماعيه بالاضافه الى الرقابه الرسميه القانونيه، فى نطاق الاساليب المحدده التى لا تسىء الى النظام العام، و لا تتعسف فى التحرك العملى فى المواجهه.
و هذا الخط هو الذى يحمى المجتمع من نفسه، و من المنحرفين فيه، و من سيطره الموثرات المضاده على مسيرته العامه فى خط الانحراف، مما قد لا تستطيع السلطه الشرعيه اكتشافه بوسائلها القانونيه او لا تملك التحرك نحوه بالاساليب المالوفه.
اما حياطه الاسلام، فهو العنوان الكبير للحاله الشعوريه و الفكريه و العمليه التى يعيشها الانسان المسلم فى علاقته بالاسلام فى حركه الحياه، فهو ليس مجرد دين ينتمى اليه، او فكر يقتنع به، او شريعه ياخذ بها، بل هو خط للفكر و العاطفه و الحياه يلتقى بالقضايا الحيويه فى حياته، و كلمه مقدسه فى وحى الله فى وجدانه، و قضيه المصير فى الدنيا و الاخره، بالنسبه اليه و الى الانسان من وجهه عامه او خاصه،
و الى النظام العام فى الكون الذى يتكامل فيه الانسان مع كل الموجودات حوله.
و بذلك يكون احساس الانسان به، و مسووليته عنه، و التزامه به، تماما كما هو احساسه و مسووليته و التزامه بالاشياء الحميمه فى حياته، مثل نفسه و عائلته و اولاده، حيث يخاف عليهم من كل الاخطار، و يحب لهم كل الخير، فيعمل على حياطتهم من كل ما يسىء اليهم بكل ما لديه من قوه، حتى لا يتاثروا باى سوء او يقعوا فى ايه مشكله او يتعرضوا لاى خطر..
و هكذا يتصل انتماوه الاسلامى بالمنطقه الشعوريه الحميمه فى وجدانه الروحى، الامر الذى يجعله فى حاله توتر دائم كما لو كان فى حاله طوارىء نفسيه او حركيه، لمراقبه كل الاوضاع المحيطه به، و الضاغطه على الخط الاسلامى فى فكره و شريعته و حركته و صراعه مع التيارات الاخرى، او المعاديه للمسلمين فى واقعهم السياسى و الاقتصادى و الامنى و الاجتماعى، مما يشكل خطرا على حاضرهم و مستقبلهم، فلا يقف المسلم موقف المحايد امام ذلك كله، بل يعمل على تحديد موقفه، لمصلحه حياطه الاسلام فى خطه و فى اتباعه، من اجل وضع خطه دقيقه شامله ممتده فى الزمن يتكامل فيها المسلمون جميعا لحمايه ذلك كله.
اما انتقاص الباطل و اذلاله، فهو العنوان الكبير للوقوف فى وجه الباطل الفكرى و العقيدى و القانونى و العملى، سواء فى الجانب الفردى او الاجتماعى فى حياه الانسان، فى النطاق الاجتماعى و السياسى و الاقتصادى و الامنى. فان الاسلام فى خطه المضاد للباطل يريد للانسان المسلم ان يكون ايجابيا فى مواجهه الحركه المضاده بانتقاص كل مضمونها الداخلى و الخارجى، من اجل اضعافها فى عناصرها الحيويه، و اذلال الوجود المتحرك لها فى الواقع، حتى لا يكون لها اى موقع للقوه على المستوى الفكرى او العملى او الواقعى، ليتحطم بذلك الحاجز الكبير الذى يمثله الباطل فى وجه مسيره الحق.
و فى ضوء ذلك نلتقى بنصره الحق و اعزازه، فانها توكد على مسووليه الانسان المسلم بكل طاقاته و مواقعه، فى الانتصار للحق، الذى هو الاسلام فى خطه
الفكرى و فى حركته الواقعيه و فى اوضاعه العامه، من اجل اسقاط كل القوى المضاده التى تهدد وجوده و تربك مسيرته و تضعف مواقعه، و ذلك بالدخول فى خط المواجهه للهجوم المضاد من قبل العدو، و فى عمليه البناء الداخلى للجهات المسووله، و بذلك يتحقق الاعزاز للحق فى مواقفه و مواقعه و حركته فى الامتداد فى العالم كله، و فى جمهوره الذى يلتزمه فكرا و عقيده و منهجا للحياه.
ان الاسلام لا يرضى للانسان ان يقف موقف الحياد او اللامبالاه فى حركه الصراع بين الحق و الباطل، و الايمان و الكفر، و الظلم و العدل، بل يريد له ان يكون المسلم الحركى الذى يرى التزامه بالحق فى الجانب الايجابى لايمانه، و رفضه للباطل فى الجانب السلبى منه، ليكون انسان الصراع الذى يكون له فى كل معركه موقف، و فى كل صراع موقع، و فى كل خلاف راى، و هذا ما عبر عنه الامام موسى الكاظم (ع) فى كلمته الماثوره: «ابلغ خيرا و قل خيرا و لا تكن امعه»، قلت: و ما الامعه؟ قال: «لا تقل انا مع الناس، و انا كواحد من الناس ان رسولالله (ص) قال: يا ايها الناس، انما هما نجدان، نجد خير و نجد شر، فلا يكن نجد الشر احب اليكم من نجد الخير».
اما ارشاد الضال، فانه يعبر عن الخط الحركى فى خط الدعوه فى هدايه الناس الى الاسلام، و خط توجيههم الى المجالات الاسلاميه العامه التى تتحرك فيها عناوين الخير و الصلاح من اجل ابقاء الانسان فى الخط المستقيم، و هدايته الى الانفتاح على الله فى كل اموره و قضاياه، ليبقى فى دائره العبوديه لله فى حياته الخاصه و العامه.
و هذا يجعل من كل انسان مسلم، فى التخطيط الاسلامى الحركى العام فى الدعوه و التبليغ، داعيه للاسلام فى خطه الفكرى و العملى فى حركه الواقع، فلا يبقى مجرد شخص يعيش الانتماء للاسلام كحاله ذاتيه، بل يتحول الى انسان يتحرك فى خط هذا الانتماء.
و نلتقى بمعاونه الضعيف، لنقف مع المسووليه الاسلاميه للانسان الذى يملك
ايه قوه ثقافيه او اجتماعيه او اقتصاديه او عسكريه من اجل دعم الضعفاء الذين لا يملكون عناصر القوه فى حياتهم، مما قد يودى الى السقوط تحت تاثير عناصر الضعف العامه او الخاصه التى قد تترك تاثيراتها السلبيه على مجرى حياتهم الثقافيه و العمليه، فينعكس ذلك سلبا على الواقع الاسلامى او الانسانى كله، و بذلك نستطيع التاكيد على ان القوه تمثل مسووليه الانسان القوى ليقدمها للناس الاخرين من الضعفاء الذين يحتاجون اليها فى كل مواقعهم الفرديه و الاجتماعيه، فلا يجوز للانسان ان يحرم الاخرين من حركه القوه لديه، لان الله حمله مسووليه ذلك كله.
و تنتهى هذه المفردات العامه باغاثه اللهيف، فهناك الكثيرون من الناس الذين يعيشون لهفه الخوف و المرض و الالم و الحزن و ما الى ذلك، مما يجعلهم بحاجه الى الناس الذين يردون لهفتهم، و يغيثون صرخاتهم، و يفتحون قلوبهم على الفرح و حياتهم على الامن و العافيه و السرور، مما يجعل للجانب الشعورى دوره فى رعايه الانسان الاخر، الذى يحتاج الى الرعايه الروحيه فى كل حياته.
هذه هى العناوين التى تمثل البرنامج اليومى للانسان المسلم، ليكون يومه اسلاميا منفتحا على مسووليه الانسان عن الاسلام فى عقيدته و شريعته و امته، كما يوكد على المشاركه الشعوريه و العمليه للضعفاء و المحرومين و الملهوفين، ليخرج الانسان من فرديته، و يبتعد به فى تطلعاته و اهتماماته عن ذاتيته، ليكون الانسان الانسانى فى احساسه الداخلى بالحياه من حوله من حيث هى طاقه فى وجوده، مسووله عن الحركه فى كل الواقع الذى يعيش فى داخله و يحيط به و يتفاعل معه.
و هذا هو الوعى الشامل الذى يريد الاسلام ان يعمقه فى شخصيه الانسان المسلم، ليحدق فى الناس و الاشياء و الوجود من موقع مسووليته امام الزمن الذى يحدق به كشاهد و رفيق و صاحب، من اجل الموقف الحاسم الذى يواجهه بين يدى الله فى موقف الحساب و قضيه المصير.
8- التطلع نحو الافاق الواسعه: فى هذا الدعاء انفتاح على الخط الافضل و الاعلى فى الحياه، ليكون الانسان- دائما- فى خط تصاعدى متحرك نحو العلاء، فلا يفكر بالجمود على الواقع الذى يتحرك فيه، كما لا يسمح لنفسه بالتراجع الى الوراء، بل يفكر و يعمل على اكتشاف العناصر الحيه التى تحمل فى داخلها حركيه التقدم و الصعود و الانطلاق نحو الافاق الواسعه البعيده المدى، و التحرك نحو الدرجات العليا فى مواقع الحياه، و انتظار المستقبل فى عمليه التخطيط الدقيق ليكون مستقبل المسووليه المنفتحه على الله فى مواطن القرب اليه، باعتبار ان ذلك هو الغايه المثلى و الهدف الاسمى الذى تتجمع عنده كل اهداف الانسان فى الحياه، فى فكره و حركته و تطلعاته، لان الله هو غايه الغايات للوجود كله و للانسان كله، لان الخلق منه و الامر اليه و المصير عنده و السعاده فى رضوانه و محبته و القرب منه.
انها الفكره الروحيه التى نبتهل بها الى الله ان يجعل هذا اليوم الذى يستقبله الانسان اكثر الايام التى اسلفناها يمنا و خيرا و بركه، و افضل صاحب صحبه فى عمره الماضى، و خير وقت عاش فى ظلاله، ليكون الزمن الحاضر- فى هذا اليوم- قمه الايام فى عطائه، و ان يكون الانسان المومن الذى يحصل على اكبر الرضوان من الله بحيث لا يتقدمه احد ممن مر عليه الليل و النهار فى ذلك، بان يكون اكثرهم قياما بامتثال اوامر الله، و اشدهم وقوفا عند حدوده فى ما حذر منه من نهيه، و اشكرهم لما اولاه من نعمه.
و هذه الفكره المنفتحه على الدرجات العليا فى القرب من الله، من خلال الغايه القصوى فى الاخلاص له و العمل بطاعته، هى التى يوكد عليها الاسلام فى حركيه الانسان المسلم، فنحن نقرا فى الدعاء الماثور:
«اللهم اجعل مستقبل امرى خيرا من ماضيه، و خيرا اعمالى خواتيمها، و خير ايامى يوم القاك فيه».
فيكون كل يوم افضل من سابقه، و كل عمل خيرا من العمل الاخر، و المستقبل افضل من الماضى، ليصل الانسان الى الله على افضل حال يحب ان يكون عليها احد
من عباده و ارضاها له.
9- الشهاده لله تعالى: و نصل الى ختام الدعاء ليقف الانسان امام ربه فيشهده على ايمانه بالتوحيد له، و بالرساله لرسوله، و يشهد السماوات و الارض و كل ما خلق الله على اصراره على ذلك، بكل ما تفرضه العقيده من التزامات روحيه و عمليه، فى الاخلاص لله وحده، و الانقطاع عن غيره، و فى اتباع الرسول فى رسالته، و رفض كل رساله اخرى لاى شخص من البشر، و تنطلق الشهاده فى تفاصيلها بالالتزام بان الله القائم بالقسط، العدل فى الحكم، الرووف بالعباد، ليعى الانسان فى وجدانه ان الحياه بكل تقلباتها و اشكالها، و ان قضاء الله و قدره بكل الوانه، لا يبتعد عن خط العدل و الرحمه و الرافه من خلال عمق القضاء و التقدير و البلاء، لان الله يدبر الامر من خلال ما يصلح امور عباده، لا من خلال ما ينفعلون به. و تبقى الشهاده لمحمد عبدالله و رسوله، بانه حمل الرساله بصدق و اداها باخلاص، و قاد الامه بوعى القائد الناصح الامين، فسار بها الى شاطىء الخلاص.
لذلك كانت الصلاه عليه من الله جزاء لاخلاصه و جهاده فى سبيله، و كان الشكر له من امته، لانه دلها على كل الدروب الموديه الى الله، حيث الخلاص من الهلاك، و الوصول الى رضوان الله و جنته.
و هناك نقطه اخرى قد يوحى بها التوجيه الاسلامى فى الصلاه على النبى، و هى ابقاء التواصل بين النبى و امته، بحيث تعيش المساله الشعوريه فى الارتباط به، بالاضافه الى المساله الايمانيه الفكريه و العمليه، مما يجعل العلاقه به منفتحه على المحبه الروحيه، كانفتاحها على الانتماء الدينى، و اذا كانت العاطفه لا تصلح اساسا للالتزام بالقياده، لانه من شوون الفكر، فانها قد تكون ضروريه لحيويته و امتداده فى واقع الشخصيه الانسانيه.
الحمد لله الذى خلق الليل و النهار بقوته، و ميز بينهما بقدرته، و جعل لكل واحد منهما حدا محدودا و امدا ممدودا، يولج كل واحد منهما فى صاحبه، و يولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فى ما يغذوهم به و ينشئهم عليه، فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب و نهضات النصب، و جعله لباسا ليلبسوا من راحته و منامه، فيكون ذلك لهم جماما و قوه، و لينالوا به لذه و شهوه، و خلق لهم النهار مبصرا ليبتغوا فيه من فضله، و ليتسببوا الى رزقه و يسرحوا فى ارضه، طلبا لما فيه نيل العاجل من دنياهم و درك الاجل فى اخراهم، بكل ذلك يصلح شانهم و يبلوا اخبارهم و ينظر كيف هم فى اوقات طاعته و منازل فروضه و مواقع احكامه، ليجزى الذين اساءوا بما عملوا و يجزى الذين احسنوا بالحسنى.
الانسان المسلم مع حركه الليل و النهار:
يا رب، هذا النهار الذى ينفتح على النور المتفجر من قلب الشمس، فجرا ينساب فى وداعه الشروق، رخيا باردا مع النسمات الهادئه العليله التى تلامس الكون بمحبه و استرخاء، لتمتد نقاط نور تتجمع من هنا و هناك، لتكون الشلال الضوئى الذى يملا الارض و السماء ضياء، و ضحى يتدفق فيه الشعاع دفئا و حراره، من لمعات النور التى تحتضن فيه الشمس الكون كله، احتضان الحياه المائجه بالحيويه و الحركه، و ظهرا يصل به الاشراق الى القمه، ليعود بعد ذلك فى حركه تراجعيه لينشر اكثر من ظل فى اكثر من موقع فى انفتاحه على الغروب، الذى يدفع الشمس الى افق جديد من اجل نهار جديد فى موقع آخر.
و هذا الليل الذى ينشر ظلامه على الوجود ليمنحه السكون و الهدوء و الدعه، و ليرش كل نقاط الضوء فى الافق، من خلال لمعات الكواكب المتناثره فى السماء التى تخفف من شده الظلمه، لتعطى الليل بعض ايحاءات النهار، و لتفتح احلام الكون من خلالها على فجر جديد يحلم فيه الحالمون، و ينطلق فيه السائرون، فلا تطبق الظلمه على العيون، و لا تغلق على الروح نوافذ الضوء.
لقد خلقت- يا رب- هذا و ذاك بقدرتك التى وزعت على الحياه ادوار الظلمه و الضياء، و الحركه و السكون،
احاديث مرتبط:
در خصوص خلقت شب و روز.
رواه العياشى فى تفسيره باسناده عن الاشعث بن حاتم، قال: كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا عليهالسلام و الفضل بن سهل، و المامون فى الايوان بمرو، فوضعت المائده، فقال الرضا عليهالسلام: ان رجلا من بنىاسرائيل سالنى بالمدينه، النهار خلق قبل ام الليل فما عندكم؟ قال: فاداروا الكلام فلم يكن فى ذلك شىء، فقال الفضل للرضا عليهالسلام: اخبرنا بها اصلحك الله، قال: نعم، من القرآن ام من الحساب؟ قال الفضل: من جهه الحساب، قال: قد علمت يا فضل ان طالع الدنيا السرطان، و الكواكب فى مواضع شرفها: زحل فى الميزان، و المشترى فى السرطان، و الشمس فى الحمل، و القمر فى الثور، فذلك يدل على كينونه الشمس فى الحمل فى العاشر من الطالع فى وسط السماء، فالنهار خلق قبل الليل انتهى.
مجمعالبيان نقلا عن تفسير العياشى، ج 8-7، ص 425.
آيات مرتبط:
آفرينش شب و روز:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِلَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (مسلماً در آفرينش آسمانها و زمين، و در پى يكديگر آمدن شب و روز، براى خردمندان نشانههايى [قانعكننده] است.) قرآن كريم، سوره مباركه آلعمران (3)، آيه 190.