از دعاهاى آن حضرت است كه چون آغاز به دعا مىكرد ابتدا سپاس خداى تعالى و ستايش او مىنمود و مىگفت:
شرح:
دعاوه و كان اذا ابتدا بالدعاء بدا بالتحميد لله عز و جل
للدعاء دوره فى معرفه الله، كماله دوره فى عباده الله بالتذلل و الخضوع و الخشوع، و الاستغراق الروحى فى التعبير عن الحاجه المطلقه- فى وجود الانسان- لله الغنى المطلق، بحيث تتحرك العباده فى الجو و المضمون و الايحاء.
فان قيمه الدعاء، انه ينفتح بالانسان على الله ليطوف بفكره فى مواقع عظمته، و مجالات نعمته، ليتعرف اليه فى كل صفه من صفاته، و كل اسم من اسمائه، مما يفرض عليه الانتقال من افق الى افق، و من فكره الى فكره. فاذا عاش هذا الجو الفكرى الروحى المملوء بمفردات العقيده و ظواهر الكون و حركه الحياه، و راى اثر ذلك فى الوجود كله، و فاعليته فى وجوده بالذات، امتلات ذاته بعظمه ربه، و شعر بالامتنان لنعمه، فكان الحمد لله تعبيرا عن كل ذلك الجو، و حيويه ذلك الشعور، و حركيه العبوديه فى الوجدان.
و ليس الحمد كلمه تقال، و لكنه فكره تتحرك فى جوله الفكر الانسانى بكل مواقع حمد الله فى صفاته و فى ذاته، و فى علاقته بوجود الانسان من حيث المبدا و التفاصيل، فيعيش مع الله عيش المعرفه الحيه التى يلتقى فيها العقل بالاحساس و الوجدان بالحركه.
و هذا الدعاء يمثل الاسلوب الذى يتميز به المنهج القرآنى فى الحمد لله، ليتوزع معناه بين المناجاه فى الروح و المعرفه فى العقل.
موضوعات الدعاء:
الفصل الاول
فنلاحظ- فى بدايته- اطلاله على الجانب الفكرى العقيدى فى معنى «الاول و الاخر» كصفتين من صفات الله، ليتحدث عنهما بطريقه تختلف عن حركتهما فى المخلوق، فالاول فى وجود الاشياء حركه حدوث بعد العدم سابقه على وجود الاخر، و الاخر حركه نهايه الوجود فى سلسله الوجودات التى تفنى فتنتهى الى العدم، ليكون هو الذى يستهلكه العدم فى النهايه.
اما الاوليه فى الله فهى اوليه الازل الذى لا ينطلق من العدم، بل هى نسبه للاشياء الاخرى فى تقدمه عليها، كما ان الاخريه تمثل تاخره عنها، لا نهايه وجوده بعدها، ليكون فى آخر السلسله من هذه الناحيه، لانه خارج نطاق الزمان كله، و هكذا يثير الدعاء مساله استحاله رويته بابصار الناظرين و ادراك مدى صفاته فى اوهام الواصفين، فلا مجال لاحد ان يحيط به فى معنى جماله و جلاله.
الفصل الثانى
و ياتى الفصل الثانى، ليثير مساله الحمد فى خلق الخلق كلهم، فلم يخلقهم عن مثال، بل كان ذلك كله ابتداعا من ابداع ذاته، و اختراعا من وحى ارادته.
و كانت سنته- فى حركه وجودهم- انه اطلقهم فى الحياه فى مجرى محدود بحدود السير على طريق ارادته فى اتجاه اطاعه اوامره و نواهيه، و الانفتاح على محبته فى الوقوف فى مواقع رضاه، و جعل لكل واحد منهم نظاما معلوما محددا، فلا يملكون تاخير ما قدمهم اليه، و لا تقديم ما اخرهم عنه، فهو الذى يملك حدود الاشياء فى علاقه الانسان بها، و علاقتها به. و تكفل بارزاقهم، فلكل موجود حى رزق معلوم لا ينقص و لا يزيد عما حدده الله، و حدد لهم آجالهم فلا يملكون حريه
التحرك فى وجودهم خارج نطاق الاجل المحتوم، فهم يتحركون فى ايام العمر نحوه، و يجهدون فى اعوام الدهر للوصول اليه..
فاذا جاء الاجل، كانت النهايه للحياه معه، و لكن لا لتموت فى عمق الوجود الانسانى فى ذاته، بل لتنطلق من جديد فى عالم آخر و رحله جديده، فى المدى الذى لا يعلم نهايته الا الله، فقد كانت الحياه الدنيا للعمل، و تبقى الحياه الاخرى للجزاء، لتنطلق المساله معهما فى نطاق التكامل بين المقدمه و النتيجه، ليحصل المحسنون على الثواب الجزيل من خلال احسانهم، و ليعاقب المسيئون بالعقاب الشديد جزاء اساءتهم، فذلك هو العدل الذى يحركه فى اعمال عباده، فى مواجهتهم للمسووليه العمليه فى كل حركه حياتهم.
و تلك هى قصه سنه الله فى الانسان، فى علم الله و حكمته، فهو الذى خلقه، و هو الذى يجرى للوجود فى- ذات الانسان- نظامه بحسب حكمته و رحمته فى كل ما يصلح امره، و يعمق تاثير وجوده فى الحياه كلها، فلا يسال عما يفعل لانه الخالق، و هم يسالون لانهم المخلوقون، و الخالقيه تفرض- فى معناها- شموليه القدره و حريه الحركه من حيث ذات الهيمنه المطلقه، و المخلوقيه تفرض الخضوع المطلق للخالق فى طبيعه الوجود و فى مدى حركته و مسووليته.
الفصل الثالث
و فى الفصل الثالث، حديث عن الحمد، كنعمه من الله على الانسان فى الهامه له و تعريفه اياه، فلو لا ذلك لا نطلق الانسان فى اجواء منن الله المتتابعه و نعمه الكثيره، من دون ان يعيش معنى الحمد له، لاستغراقه فى لذاته و شهواته و الوان حياته المتنوعه، و من دون ان يتحرك فى تاديه الشكر لله على ذلك كله، لا بتعاده عن ادراك اساس امتداد المنه و ترادف النعمه، الامر الذى يسىء الى معنى الانسانيه و يحوله الى حاله البهيميه، لان انسانيه الانسان تتمثل فى احساسه بالقيمه و تقديره لها،
و شكره للنعمه، و انفعاله الروحى بهما و انفتاحه على مصدرهما، باعتبار انه يتعدى، فى نظرته الى ما يقدم اليه من موقع الحاجه الطبيعيه التى تستغرق الموجود الحى فى طبيعتها الماديه، فى علاقته بالجسد، الى القيمه الروحيه فى دلالتها بمضمون العطاء و الاحسان و الانعام، بما يفرضه ذلك من وعى الخير فى تاثر الانسان به، فاذا فقد ذلك فى عمق وجدانه، خرج عن معنى الانسانيه فى ذاته و تحول الى مجرد شخص يستغرق فى حاجاته دون ان يتعمق فى معناها الروحى فى حركه الخير، فيكون- فى ذلك- جسدا ياكل و يشرب و يلتذ و يشتهى، كما هى البهيمه فى احساسها بالحاجه و انفعالها بها، بل هو اضل سبيلا لانه يملك العقل و الاحساس المنفتح على ماوراء الماده، بينما لا تملك الانعام مثل ذلك لارتباطها بالاشياء من خلال الاحساس المباشر، و ربما تكون- فى بعض نماذجها- منفتحه على ممارسه الشكر، بانجذابها الى من احسن اليها فى صوره و فاء متحرك فى علاقتها به.
و هكذا نقف- امام الحمد لله- فى التوفيق لمعرفته، و الالهام لشكر نعمه، و حركه العلم فى عقولنا فى و عينا لربوبيته، و روح الاخلاص له فى توحيده و نفى الشركاء عنه، و ابعادنا عن الالحاد و الشك، و تقريبنا من اجواء الايمان و اليقين، فنجد فيه الحمد المتنامى، القوى، المتصاعد، الذى نبنى فيه للحمد قواعده فى الحامدين الاخرين، و نحصل على السبق فى ممارستنا له، و الوسيله التى تمنحنا النور الذى يضىء به لنا ظلمات البرزخ الذى يمثل الخط الفاصل بين الدنيا و الاخره، و تسهل لنا سبيل الوصول الى ساحه المبعث التى نواجه فيها مسئوولياتنا، و نشرف من خلالها على مواقعنا الجديده، التى تنتظرنا من خلال نتائج اعمالنا فى مواقف الاشهاد، التى يقوم الناس فيها امام رب العالمين، لتاخذ كل نفس جزاءها من خلال ما اكتسبته فى حياتها، فلا يظلم الله نفسا شيئا، لان العمل هو المقياس فى الثواب و العقاب، و لا يملك احد التدخل فى امر الله، فى ما يريده لعباده من المصير فى حركه القرب و البعد و الجنه و النار، فاذا اراد ادخال احد النار و انزال عقوبته به، فلن يجد له ناصرا من دون الله، مهما علا شانه.
و تنطلق بنا بركات الحمد الذى ينطلق من عمق الوجدان الايمانى، لترتفع بنا الى
اعلى عليين فى كتاب مرقوم، يشهده المقربون، فتقر به عيوننا، و تبيض به وجوهنا، و نبتعد به عن نار الله الى محل كرامته فى جنته، و ندخل فيه مجتمع الملائكه و الانبياء فى دار الخلود، لننضم الى هذا الجمع فى مواقع القرب الى الله.
الفصل الرابع
و فى الفصل الرابع، انفتاح الحمد على جمالات الخلق، فى حسن الصوره، و ابداع الهيئه، و روعه التكوين، و حريه الحركه، و انفتاح العقل على كل مواقع الفكر فى الحياه، و دقه الاجهزه التى ركبها فيه، حتى تحول هذا الانسان الى موجود حى فاعل، فى حركه وجوده و وجود الاشياء الاخرى.
و استغراق الحمد- مع ذلك كله- فى طيبات الرزق التى اعطت الانسان فى الدنيا عناصر القوه و الاستمرار فى وجوده، و جعلته منفتحا على لذاته و شهواته، و منطلقا مع كل حاجاته الجسديه، ليجد فى امتداد عمره ما يغنيه و يستلذه و يشتهيه و يرتاح اليه و يقبل عليه.
اما علاقته بالكون من حوله، و بالمخلوقات الاخرى الحيه و الناميه و الجامده، فقد منحه السيطره على الخلق كله من خلال ما اعطاه من عناصر القدره فى ذاته، و وسائل القوه فى وجوده، و حيويه العقل فى حياته، و حريه الحركه فى جسده، و سخر له الكون كله و اعطاه مفتاح اسراره، و عرفه سنن وجوده، و سلطه على كل مواقعه و مصادره و موارده، فاصبح الانسان السيد المطاع فى الكون بعزه الله. و هكذا عبر الله عن ذلك بقوله سبحانه: (و سخر لكم الليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بامره)(النحل: 12).
و قوله سبحانه: (و ما ذرا لكم فى الارض مختلفا الوانه)(النحل: 13).
و قوله تعالى: (و سخر لكم ما فى السماوات و ما فى الارض جميعا)(الجاثيه: 13).
و قوله تعالى: (و جعل لكم من الجبال اكنانا و جعل لكم سرابيل تقيكم الحر و سرابيل تقيكم باسكم)(النحل: 81).
و قوله تعالى: (و هو الذى سخر البحر لتاكلوا منه لحما طريا و تستخرجوا منه حليه تلبسونها و ترى الفلك مواخر فيه و لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون)(النحل: 14).
و قوله تعالى: (اولم يروا انا خلقنا لهم مما عملت ايدينا انعاما فهم لها مالكون و ذللناها لهم فمنها ركوبهم و منها ياكلون)(يس: 72 -71).
و قوله تعالى: (و الانعام خلقها لكم فيها دفء و منافع و منها تاكلون و لكم فيها جمال حين تريحون و حين تسرحون و تحمل اثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس ان ربكم لرووف رحيم و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينه و يخلق ما لا تعلمون)(النحل: 8 -5).
و هكذا نجد ان الله خلق الانسان ليكون سيد الارض التى يحرك فى اوضاعها طاقته من اجل ان ينظمها و يسيرها و يعمرها من حيث موقع الخلافه التى ارادها الله فى بدايه خلق آدم (عليهالسلام).
و تلك هى النعمه الكبرى التى يرتفع بها شان الانسان ليحمد الله عليها و يشكره من خلالها.
و ينطلق الحمد فى نطاق احساس الانسان بالعزه امام الكون كله و الانسان كله، لان الله لم يجعله محتاجا الى اى شىء من اشياء الموجودات، فهى فى ذاتها تختزن معنى الحاجه اليه تعالى، بل جعله محتاجا اليه وحده، لان كل شىء يمثل اداه للخالق فى ايصال نعمه الى عباده، فليس لهم دور مستقل فى ذلك كله، لانهم لا يملكون الاستقلال فى وجودهم و فى كل مفرداته الصغيره و الكبيره.
و تلك نعمه تتصل بالسمو الروحى فى معنى الحريه فى المضمون المتصل
بالتحرر من الحاجه الى الغير، و بالسر الوجودى فى الافتقار الى الله، و الحاجه اليه فى المضمون المتصل بتوحيد العبوديه لله.
و تلك هى- فى مجموع هذه النعم الكبرى- مواقع الحمد و مواضع الشكر، فكيف نطبق حمده؟ و متى نودى شكره؟.
الحمد لله فى الجسد و الروح:
و للحمد معنى فى الاجهزه التى يتميز بها الانسان فى حركته، فقد ركب الله فيه آلات البسط و ادوات القبض فى الاعصاب و العضلات و الاوتار و الرباطات و العروق و الاغشيه و اللحوم و الشحوم و غيرها، مما يمكن الانسان من الانبساط و الانقباض فى عضلاته، لتكون له حريه الحركه فى اداره جسده كما يشاء فى الاعمال التى قد تفرض البسط تاره و القبض اخرى.
و للحمد معنى فى الروح التى تمد الجسد بالحياه، و فى الاعضاء التى يتحرك من خلالها فى اداره شوونه و توجيه اعماله.
و هذا كله يجعل طبيعه الوجود المادى و الروحى منفتحه على الحمد بكل آفاقه، بحيث يتصل الحمد بالعمر كله و بالحياه كلها، فى وعى حركى للوجود فى كل تفاصيله الجسديه، فاذا امتد الى طيبات الرزق و الفضل الجليل و المن العظيم فى ما اغنى به الانسان و اعطاه من المال، فان الحمد يتحرك عند ذلك فى حركه الانسان فى كل شروط الاستمرار لحياته.
الحياه مسووليه:
و لم تكن هذه الحياه لهوا و عبثا و فراغا و استرخاء، بل كانت مسووليه كبرى حتى فى الحزن و الفرح، و اللذه و الالم، و التعب و الراحه، و الفقر و الغنى، و العسر
و اليسر، و لذلك كانت الرسالات تجربه للانسان فى مضمون احساسه بالعبوديه، و خضوعه للالوهيه، و انفتاحه على التوحيد، و حركه من اجل ان يكون للحياه هدف، و للوجود غايه، فى العباده الخالصه لله، المنطلقه فى خط عماره الكون و اغنائه و تنميته و تطويره، فكانت او امر الله للعباد اختبارا للطاعه التى هى عمق العبوديه، و كانت نواهيه ابتلاء لهم فى شكرهم لنعمه، لينطلق الحرمان مما نهى عنه فى موازنه الاشباع فى ما انعم به عليهم، و لكنهم خالفوا السبيل القويم، و انحرفوا عن الصراط المستقيم، فعصوا اوامره، و انطلقوا فى السبل المتعدده المتنوعه فى ارتكاب نواهيه، و التمرد على زواجره، و كان من الحق لله ان يبادرهم بالعقوبه، و يعاجلهم بالنقمه، و لكنه استبدل بعقوبته رحمته تكرما منه، و انظرهم ليفكروا فى اوضاعهم المنحرفه، و ليراجعوا انفسهم، ليكشفوا الخطا الكبير فيستبدلوه بالصواب، و ذلك هو حلم الله برافته بعباده. و هكذا دل عباده على التوبه التى تمحو الذنوب من كتاب الاعمال، كما تمحوها من افق النفس، و تقود الانسان الى تصحيح طريقه، و تبديل واقعه، ليخرج من ظلمات المعصيه الى انوار الطاعه، و من التواء الانحراف الى استقامه الحق.
نعمه التوبه:
و تلك هى النعمه الكبرى التى تمنح الحمد عنفوانه و روحه، لانها تنقل الانسان من غضب الله الى رضوانه، و تهديه الى طريق الجنه، و تبعده عن طريق النار، فهو الذى هدانا اليها و دلنا عليها بفضله و توفيقه، فلو لم يكن له نعمه غيرها، لكانت هى حقيقه الاحسان و جوهر الفضل، لانها من اعظم نعم الله على عباده.
و لو نظرنا الى طريقته فى الامم التى سبقتنا فى تقاليد التوبه و فرائضها، لعرفنا قيمه النعمه الكبرى و الفضل العظيم فى ما اولانا من تسهيلها علينا، فقد وضع عنا ما لا طاقه لنا به من التكاليف الشاقه، و لم يكلفنا الا بما يتحمله و سعنا، فلم يشدد علينا بما يثقل القدره فنقع فيه فى الحرج، و لم يجشمنا بلوغ الاهداف عن طريق
الوسائل العسيره، بل اعطانا اليسر كله فى ذلك، و بذلك فتح لنا الطريق الواسعه الى مواقع رضاه، فلم يجعل علينا فى الدين من حرج، فلا عذر للعاصين، و لا حجه للمنحرفين، لان باب الطاعه واسع سعه رحمه الله، فالهالك هو من ابتعد عنه و رفض الدخول اليه، و السعيد هو الذى رغب فيه و دخل اليه، طمعا بما عند الله، و خوفا من سخطه.
و هذا هو الذى يجعل الرحمه الالهيه للانسان متصله بالبر نامج الروحى و العملى الذى وضعه الله له، و يسره لحركته، كما كانت متصله بالجانب الوجودى من حياته، و هو الذى يفتح له ابواب جنته و يغلق عنه باب ناره من خلال التوبه فى اراده التغيير و التصحيح، و من خلال المغفره فى اراده الرضوان.
نعمه الحمد:
و يبقى الحمد- فى و عينا له- كلمه تختصر فى داخلها كل كلمات الملائكه فى حمده، لا سيما الذين هم الاقرب اليه و الادنى منه فى علو الدرجه و رفعه المقام و روحيه القرب، و تختزن فى اعماقها كل حمد الحامدين لا سيما الارضى اليه منهم. و يرتفع الحمد ليبلغ افضل المواقع و اسمى الدرجات حتى يفضل كل حمد، ليكون له الفضل فى معناه، كفضل الله على جميع خلقه.
فذلك هو طموحنا فى بلوغ الغايه المثلى فى ذلك كله، انطلاقا من نعمه علينا و على جميع عباده الماضين و الباقين التى لا نحصى عددها، و لكن الله احصاها فى علمه، ليكون لكل نعمه منها اضعاف من الحمد، و ليمتد الحمد بامتداد الوجود كله، فلا ينتهى الى حد محدود، و لا يبلغ عددا معينا و لا غايه محدده، ليكون الحمد بذلك الوسيله الى طاعته و عفوه من خلال و عينا لمواقع العظمه من ربوبيته، و الوصول الى رضوانه، و الذريعه الى غفرانه، و الطريق الى جنته، و الحارس من نقمته، و المومن من غضبه، و الظهير على طاعته، و الحاجز عن معصيته، و العون على تاديه
حقه و وظائفه. و لينطلق الحمد فى قضيه المصير ليكون سببا للسعاده مع اولياء الله، و وسيله للوصول الى مقام الشهداء، فهو ولينا الذى نحمده و نستعين به، و هو حسبنا و نعم الوكيل.
الحمد لله الاول بلا اول كان قبله، و الاخر بلا آخر يكون بعده، الذى قصرت عن رويته ابصار الناظرين، و عجزت عن نعته اوهام الواصفين.
الحمد لله الاول و الاخر:
يا رب، انا هنا فى الاجواء الممتده فى الزمن الازلى فى حركه الابد، و فى الافاق الرحبه التى تشمل الوجود كله، و فى المعانى التى تتنوع و تتلون و تحتوى الحياه كلها فى مضمونها الفكرى، و انفتاحها الروحى، و انسيابها الشعورى...انا هنا، اتطلع اليك فلا اجد احدا يقترب من معنى الوجود فى وجودك، و من سر الحقيقه فى ذاتك، و من امتداد المعنى فى اللانهايه من معناك...انا هنا، فى رحابك اطوف، و فى آفاقك اسمو، و فى ابداعك اهيم، و فى كل معنى للحمد فى صفات العظمه من صفاتك اتحرك، فارانى انفتح على الحمد كله عندما التقى بمواقع القدس من حمدك.
الحمد لله الذى لم يقترب الزمن من وجوده، لانه هو الذى اعطى الزمن وجوده و حدد له بداياته و نهاياته، و اطلق سره فى الكون ليحتوى حركته فى كل شىء يتحرك فيه، فكيف يدخل الزمن فى معنى ذاته، فلا معنى للنسبيه فى صفه الاول اذا و صفته بها، لان الكلمه قد تختزن فى معناها الحدوث الذى يخترق العدم مفهومه، فلا نتصور معنى الاوليه فى معنى القبليه الزمنيه فى الوجود، كما لا معنى للنسبيه فى صفه الاخر له، لانها قد تحمل معنى الايحاء بنهايه الوجود فى موقعه ليكون خاضعا لحدود القبليه و البعديه فى الاوليه و الاخريه عنده.
ان المشكله فى اللغه انها تمثل تجربه الذهن البشرى فى محسوساته، فلا تملك التعبير عن المطلق فى الوجود، و لا المجرد عن الزمان و المكان فى المعنى، لانه لم يلتق بذلك فى تجربه الحس، و لذلك كانت الكلمات علامات على المعنى، لا التعبير عن سر المعنى.
ربما لم يستطع الانسان الخاضع للحس فى كل مضمونه الوجودى ان يتعقل الغيب و المطلق و المجرد و الخالى عن معنى الزمان و المكان، بالطريقه التفصيليه التى يتصور بها الاشياء المحسوسه لديه، و لذلك فانه لا يملك الدقه فى التعبير عنها، و لكنه يملك ادراك السر فى طبيعه هذه المفاهيم من خلال المعادلات العقليه التى تدرس الزمن، فترى انه لا يملك الثبات فى الوجود، بل هو معنى نسبى منتزع من نسبه موجود الى موجود، و حركه الى واقع، مما يجعله شيئا محدودا فى داخل الوجود المحسوس من دون ان يكون ذاتيا فى الوجود، و هذا هو السر فى ان بعض الفلاسفه من الشعراء لم يتعقلوا المساله وجدانيا عندما بداوا يخلطون بين المعنى النسبى الرابط بين الاشياء المحسوسه و المعنى الذاتى الذى هو الحقيقه الكامنه فى معنى ذاتها.
الحمد لله، فى وجودك الذى لا يقترب من الحس فى معناه، لانه يرتبط بالمحدود فى تفاصيله، فكيف يمكن ان يدرك المطلق الذى لا حدود له و لا تفاصيل، فلا تدركه الابصار، و ليس كمثله شىء.
و تبقى الكلمات- فى السياق التعبيرى اللغوى- حركه فى تقريب الفكره، تماما كما هى وسائل الايضاح التى تقرب المعنى الى الذهن بالاسلوب المادى.
و اذا كانت بعض كلمات القرآن الكريم توحى بالصوره الحسيه لله فى الحديث عن وجهه، كما فى قوله تعالى: (كل شىء هالك الا وجهه)(القصص: 88).
(اينما تولوا فثم وجه الله)(البقره: 155).
او عن يد الله، كما ورد فى قوله تعالى: (يد الله فوق ايديهم)(الفتح: 10).
او النظر الى الله: (وجوه يومئذ ناضره الى ربها ناظره)(القيامه: 22).
الى غير ذلك من الايات، فان القرآن نفسه هو الدليل على ان هذه التعبيرات كانت وارده على سبيل الاستعاره و المجاز، فاذا كان الله (ليس كمثله شىء)(الشورى: 11)، فان ذلك يكون قرينه على ان اتصافه بصفات خلقه كان مجازيا، و اذا كان الله (لا تدركه الابصار)(الانعام: 103)، فان ذلك دليل على ان النظر الى الله ليس نظرا الى ذاته، بل الى مظاهر عظمته الداله عليه.
ليس هذا من التاويل ليقول قائل: لماذا نطرح الظاهر الى التاويل من دون ضروره؟ بل هو وجه من وجوه الاخذ بالظهور، باعتبار ان اراده المعنى المجازى على سبيل الاستعاره من اللفظ يمثل لونا من الوان الظهور بالقرينه على اساس تفسير القرآن بالقرآن، لان القرينه المتصله او المنفصله تمنع اراده الظهور الوضعى لتستبدله بالظهور بالقرينه.
و اذا لم يكن للحس دور فى معرفته، فان العقل هو الذى يكتشف وجوده من خلال مظاهر عظمته، و لكنه لا يستطيع الوصول الى الوعى الكامل لصفاته، الا بما عرفنا منها، و هذا هو ما يقف الواصفون امامه عاجزين حيارى لا يملكون الكثير مما يقولون او مما يصفون.
احاديث مرتبط:
حمد الهى، داراى ارزشى نامحدود.
قال رسولالله صلى الله عليه و آله: انه قال: اذا انعم الله على عبده نعمه، فيقول العبد: الحمدلله، فيقول الله تعالى: انظروا الى عبدى اعطيته ما لا قدر له، فاعطانى ما لا قيمه له. (به هنگامى كه خداوند نعمتى را به بندهاش عنايت كند، و او در برابر آن نعمت بگويد «الحمدلله» خداوند مىفرمايد: بندهام را بنگريد، من به او شيئى كم ارزش دادم، ولى او در برابرش آنچه كه برايش قيمت معين نيست به من هديه كرد.) تفسير الكبير، ج 1، ص 223
ارزش حمد الهى.
قال السجاد عليهالسلام: من قال: الحمد لله فقد ادى شكر كل نعمه لله عز و جل عليه. (امام سجاد حضرت على بن الحسين عليهماالسلام فرمود: هر كس بگويد: الحمدلله، به حقيقت كه شكر تمام نعمتهاى حق را ادا كرده.) بحارالانوار، ج 93، ص 209
اداى شكر تمام نعمتها.
قال رسولالله صلى الله عليه و آله: لا اله الا الله نصف الميزان، و الحمد لله يملاه. (رسول خدا فرمود: لا اله الا الله نيمى از ميزان عمل را كفايت مىكند، و الحمدلله آن را پر مىنمايد.) بحارالانوار، ج 93، ص 209
قيمت حمد الهى.
قال رسولالله صلى الله عليه و آله: لو ان الدنيا كلها لقمه واحده فاكلها العبد المسلم ثم قال: «الحمدلله» لكان قوله ذلك خيرا له من الدنيا و ما فيها. (امام صادق از حضرت باقر از جابر بن عبدالله حكايت مىكند كه رسول خدا فرمود: اگر دنيا يك لقمه باشد و آن را انسانى مسلمان تناول كند و از پس آن بگويد: الحمدلله، اين گفتارش براى او از دنيا و آنچه در آن است بهتر است!!) امالىطوسى، ج 2، ص 222
مراد از اول و آخر بودن خدا.
قال الصادق عليهالسلام: الاول لا عن اول قبله، و لا عن بدء سبقه و آخر لا عن نهايه كما يعقل من صفات المخلوقين، و لكن قديم اول و آخر لم يزل و لا يزال بلا بدء و لا نهايه، لا يقع عليه الحدوث، و لا يحول من حال الى حال، خالق كل شىء. (اول است نه از اولى قبل از خود و نه از مبتدائى پيش از وجودش. و آخر است نه از منتهائى، چنانكه دربارهى مخلوقات فرض مىشود، بدون مبدا و منتها ازلا و ابدا اول و آخر است، جائى براى حوادث و تحول از حالى به حالى در آنجا نيست، وجود مقدسش آفرينندهى هر چيزى است.) معانىالاخبار، ص 12
بازگشت همه حمدها به خدا.
اشار ابوجعفر الباقر فيما رواه عنه ابنه الصادق (عليهماالسلام) قال: «فقد ابى بغله له فقال:«فقد ابى بغله له فقال: لئن ردها الله تعالى لاحمدنه بمحامد يرضاها، فما لبث ان اتى بها بسرجها و لجمامها، فلما استوى عليها و ضم اليه ثيابه رفع راسه الى السماء فقال: الحمدلله و لم يزد، ثم قال: ما نركت و ما بقيت شيئا جعلت كل انواع المحامد لله عز و جل، فما من حمد الا هو داخل فيما قلت.
الكافى، ج 2، ص 97، ح 18
آيات مرتبط:
ازليت و ابديت خداوند:
هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (اوست اوّل و آخر و ظاهر و باطن، و او به هر چيزى داناست.) قرآن كريم، سوره مباركه الحديد (57)، آيه 3.