بازگشت

الفصل الثاني


رسالة الحقوق







تكفّلت رسالة الحقوق تنظيم أنواع العلاقات الفردية والاجتماعية للإنسان في هذه الحياة بنحو يحقّق للفرد والمجتمع سلامة العلاقات، ويجمع لهما عوامل الاستقرار والرقيّ والازدهار.



« لقد نظر الإمام الحكيم (عليه السلام) بعمق وشمول للإنسان، ودرس جميع أبعاد حياته وعلاقاته مع خالقه ونفسه واُسرته ومجتمعه وحكومته ومعلّمه »[1] وكلّ من يرتبط به أدني ارتباط.



ويمكن أن نقول: إنّ تنظيم العلاقات الاجتماعية علي أساس تعيين مجموعة الحقوق بشكل دقيق هو الرصيد الأول للنظام الاجتماعي الإسلامي، وهو المبني المعقول للتشريعات الإسلامية عامّة، فإنّ الذي يفهم بعمق هذه الرسالة ويدرس بدقّة حقوق الخالق وحقوق المخلوقين بعضهم تجاه بعض يتسنّي له أن يفهم أسرار التشريع الإسلامي وفلسفة الأحكام التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لتنظيم حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً.



إنّ العدالة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الإدارية لن تتحقّق ما لم يُطبّق نظام الحقوق بشكل دقيق أوّلاً، وتنظّم الأحكام والتشريعات علي أساس تلك الحقوق، وفيما نعلم أنّ الإمام(عليه السلام) قد سبق العلماء والقانونيين جميعاً في دنيا الإسلام بل في دنيا الإنسان في هذا المضمار الذي علي أساسه ترتكز اُصول الأخلاق والتربية ونظم الاجتماع.



وقد كتب الإمام زين العابدين(عليه السلام) هذه الرسالة العظيمة واتحف بها بعض أصحابه، ورواها العالم الكبير ثقة الإسلام ثابت بن أبي صفيّة المعروف بأبي حمزة الثمالي تلميذ الإمام(عليه السلام) كما رواها عنه بسنده المحدّث الصدوق في كتابه «الخصال» وثقة الإسلام الكليني في «الكافي» والحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني في «تحف العقول» وهي من المصادر القديمة الموثوقة.



والإمام(عليه السلام) قبل بيانه للحقوق يشير إلي أنّ هناك حقوقاً محيطةً بالإنسان، ولا بد له من معرفتها، ثمّ يبيّن أكبر الحقوق وهو ما يرتبط بالله سبحانه بالنسبة لعبده، ثمّ يفرّع عليها حقوق الإنسان المفروضة من الله تجاه نفس الإنسان، فيبيّن أنواع علاقة الإنسان بنفسه من خلال المنظار الآلهي، ثمّ ينتهي الي أنواع العلاقة بين الإنسان وبيئته التي تشتمل علي قيادة ومقودين ورعاة ورعية، مع بيانه لأنواع الأئمّة والمأمورين ودرجاتهم، ثمّ يبيّن سائر العلاقات مع الأرحام والاُسرة وأعضائها، ثمّ من تشتمل عليه الاُسرة من الموالي والجواري، ثمّ سائر ذوي الحقوق كالمؤذّن والإمام في الصلاة والجليس والشريك والغريم والخصم والمستشير والمشير والمستنصح والناصح والسائل والمسؤول والصغير والكبير.. حتي ينتهي إلي من يشترك مع الإنسان في دينه من بني الإنسان، ثمّ حقوق من يشترك مع الإنسان في الإنسانية وفي النظام السياسي الذي يخضع له وإن لم يكن من أهل ملّته ودينه.



وفيما يلي نصّ الرسالة كما وردت في الخصال[2] :



عرض إجماليّ للحقوق :



« اعلم، أنّ لله عزّوجلّ عليك حقوقاً محيطة بك في كلّ حركة تحرّكتها، أو سكنة سكنتها، أو حال حلتها، أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلّبتها، أو آلة تصرّفت فيها، فأكبر حقوق الله تبارك وتعالي عليك ما أوجب عليك لنفسه من حقّه الذي هو أصل الحقوق، ثمّ ما أوجب الله عزوجل عليك لنفسك من قرنك إلي قدمك علي اختلاف جوارحك، فجعل عزّوجلّ للسانك عليك حقّاً، ولسمعك عليك حقّاً، ولبصرك عليك حقاً، وليدك عليك حقّاً، ولرجلك عليك حقّاً، ولبطنك عليك حقّاً، ولفرجك عليك حقاً، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال، ثمّ جعل عزّوجلّ لأفعالك عليك حقوقاً، فجعل لصلاتك عليك حقّاً، ولصومك عليك حقّاً، ولصدقتك عليك حقّاً، ولهديك عليك حقّاً، ولأفعالك عليك حقّاً.



ثمّ تخرج الحقوق منك إلي غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك، فأوجبها عليك حقوق أئمّتك، ثمّ حقوق رعيّتك، ثمّ حقوق رحمك، فهذه حقوق تتشعّب منها حقوق، فحقوق أئمّتك ثلاثة، أوجبها عليك حقّ سائسك بالسلطان، ثمّ حقّ سائسك بالعلم، ثمّ حقّ سائسك بالملك، وكلّ سائس إمام.



وحقوق رعيتك ثلاثة، أوجبها عليك حقّ رعيتك بالسلطان، ثمّ حقّ رعيتك بالعلم، فإنّ الجاهل رعية العالم، ثمّ حقّ رعيّتك بالملك من الأزواج وما ملكت الأيمان، وحقوق رعيّتك كثيرة متّصلة بقدر اتّصال الرحم في القرابة، وأوجبها عليك حقّ اُمّك، ثمّ حقّ أبيك، ثمّ حقّ ولدك، ثمّ حقّ أخيك، ثمّ الأقرب فالأقرب والأولي فالأولي، ثمّ حقّ مولاك المنعم عليك، ثمّ حقّ مولاك الجارية نعمته عليك[3]، ثمّ حقّ ذوي المعروف لديك، ثمّ حقّ مؤذّنك لصلاتك، ثمّ حقّ إمامك في صلاتك، ثمّ حقّ جليسك، ثمّ حقّ جارك، ثمّ حقّ صاحبك، ثمّ حقّ شريكك، ثمّ حقّ مالك، ثمّ حقّ غريمك الذي تطالبه؟ ثمّ حقّ غريمك الذي يطالبك، ثمّ حقّ خليطك، ثمّ حقّ خصمك المدّعي عليك، ثمّ حقّ خصمك الذي تدّعي عليه، ثمّ حقّ مستشيرك، ثمّ حقّ المشير عليك، ثمّ حقّ مستنصحك، ثمّ حقّ الناصح لك، ثمّ حقّ من هو أكبر منك، ثمّ حقّ من هو أصغر منك، ثمّ حقّ سائلك، ثمّ حقّ من سألته، ثمّ حقّ من جري لك علي يديه مساءة بقول أو فعل عن تعمّد أو غير تعمّد، ثمّ حقّ أهل ملّتك عليك، ثمّ حقّ أهل ذمّتك، ثمّ الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرّف الأسباب.



فطوبي لمن أعانه الله علي قضاء ما أوجب عليه من حقوقه، ووفّقه لذلك وسدّده.

تفصيل الحقوق :

حـق الله:



فأمّا حقّ الله الأكبر عليك: فأن تعبده لا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت بالإخلاص جعل لك علي نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة.

حـقّ النفس:



وحقّ نفسك عليك: أن تستعملها بطاعة الله عزّوجلّ.

حـقوق الاعـضاء:



1 ـ وحقّ اللسان : إكرامه عن الخني، وتعويده علي الخير، وترك الفضول التي لا فائدة لها، والبرّ بالناس، وحسن القول فيهم.



2 ـ وحقّ السمع : تنزيهه عن سماع الغيبة، وسماع ما لا يحلّ سماعه.



3 ـ وحقّ البصر : أن تغضّه عمّا لا يحلّ لك وتعتبر بالنظر به.



4 ـ وحقّ يدك : أن لا تبسطها إلي ما لا يحلّ لك.



5 ـ وحقّ رجليك : أن لا تمشي بهما إلي ما لا يحلّ إليك، فبهما تقف علي الصراط، فانظر أن لا تزلّ بك فتردي في النار.



6 ـ وحقّ بطنك : أن لا تجعله وعاء للحرام، ولا تزيد علي الشبع.



7 ـ وحقّ فرجك : أن تحصنه عن الزنا، وتحفظه من أن يُنْظرَ إليه.

حـقوق الأفـعال:



1 ـ وحقّ الصلاة : أن تعلم أنّها وفادة إلي الله عزّوجلّ وأنت فيها قائم بين يدي الله عزّوجلّ، فإذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرّع المعظّم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبك، وتقيمها بحدودها وحقوقها.



2 ـ وحقّ الحجّ : أن تعلم أنّه وفادة إلي ربّك، وفرار إليه من ذنوبك، وبه قبول توبتك، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك.



3 ـ وحقّ الصوم : أن تعلم أنّه حجاب ضربه الله علي لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك به من النار، فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.



4 ـ وحقّ الصدقة : أن تعلم أنّها ذخرك عند ربّك عزّوجلّ، ووديعتك التي لا تحتاج الإشهاد عليها، فإذا علمتَ ذلك كنتَ بما تستودعه سرّاً أوثق منك بما تستودعه علانيةً، وتعلم أنّها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النار في الآخرة.



5 ـ وحقّ الهدي : أن تريد به وجه الله عزّوجلّ، ولا تريد به خلقه، ولا تريد به إلاّ التعرض لرحمة الله ونجاة روحك يوم تلقاه.

پاورقي





[1] حياة الإمام زين العابدين: 477 .



[2] الخصال : 564 ط. مؤسسة النشر الإسلامي .



[3] والظاهر تصحيفه ، والصواب كما سيأتي في تفصيله(عليه السلام) هذه الحقوق (حقّ مولاك الجارية نعمتك عليه).