بازگشت

الفصل الأوّل


الإمام زين العابدين(عليه السلام) في سطور







هو الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) رابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وجدّه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وأوّل من أسلم وآمن برسالته، وكان منه بمنزلة هارون من موسي، كما صحّ في الحديث عنه[1].



وجدّته فاطمة الزهراء بنت رسول الله(صلي الله عليه وآله) وبضعته، وفلذة كبده، وسيّدة نساء العالمين كما كان أبوها يصفها.



وأبوه الإمام الحسين (عليه السلام) أحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنّة، سبط الرسول وريحانته ومن قال فيه جدّه(صلي الله عليه وآله): «حسين منّي وأنا من حسين»، وهو الذي استشهد في كربلاء يوم عاشوراء دفاعاً عن الإسلام والمسلمين.



وهو أحد الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) الذين نصّ عليهم النبيّ(صلي الله عليه وآله) كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، إذ قال: «الخلفاء بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش»[2].



وقد ولد الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) في سنة ثمان وثلاثين للهجرة، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين.



وعاش سبعة وخمسين سنة تقريباً، قضي ما يقارب سنتين أو أربع منها في كنف جدّه الإمام عليّ(عليه السلام)، ثمّ ترعرع في مدرسة عمّه الحسن وأبيه الحسين(عليهما السلام) سبطي الرسول الأعظم(صلي الله عليه وآله)، وارتوي من نمير العلوم النبوية، واستقي من ينبوع أهل البيت الطاهرين.



برز علي الصعيد العلمي إماماً في الدين ومناراً في العلم، ومرجعاً لأحكام الشريعة وعلومها، ومثلاً أعلي في الورع والعبادة والتقوي، واعترف المسلمون جميعاً بعلمه واستقامته وأفضليّته، وانقاد الواعون منهم إلي زعامته وفقهه ومرجعيّته.



كان للمسلمين عموماً تعلّق عاطفي شديد بهذا الإمام، وولاء روحي عميق له، وكانت قواعده الشعبية ممتدّة في كلّ مكان من العالم الإسلامي، كما يشير إلي ذلك موقف الحجيج الأعظم منه، حينما حجّ هشام بن عبد الملك[3].



لم تكن ثقة الاُمّة بالإمام زين العابدين(عليه السلام) ـ علي اختلاف اتجاهاتها ومذاهبها ـ مقتصرة علي الجانب الفقهي والروحي فحسب، بل كانت تؤمن به مرجعاً وقائداً، ومفزعاً في كلّ مشاكل الحياة وقضاياها، بوصفه امتداداً لآبائه الطاهرين.



ومن هنا نجد أنّ عبد الملك بن مروان قد استنجد بالإمام زين العابدين(عليه السلام) لحلّ مشكلة التعامل بالنقود الرومية إبّان تهديد الملك الروماني له بإذلال المسلمين[4].



وقد قدّر للإمام زين العابدين أن يتسلّم مسؤولياته القيادية والروحية بعد استشهاد أبيه (عليه السلام) فمارسها خلال النصف الثاني من القرن الأول، في مرحلة من أدقّ المراحل التي مرّت بها الاُمة وقتئذ، وهي المرحلة التي أعقبت موجة الفتوح الاُولي، فقد امتدّت هذه الموجة بزخمها الروحي وحماسها العسكري والعقائدي، فزلزلت عروش الأكاسرة والقياصرة، وضمّت شعوباً مختلفة وبلاداً واسعة إلي الدعوة الجديدة، وأصبح المسلمون قادة الجزء الأعظم من العالم المتمدّن وقتئذ خلال نصف قرن.



تعرضت الاُمة الإسلامية في عصر هذا الإمام (عليه السلام) لخطرين كبيرين:



الخطر الأول: هو خطر الانفتاح علي الثقافات المتنوعة، والذي قد ينتهي بالاُمة إلي التميّع والذوبان وفقدان أصالتها، فكان لابدّ من عمل علمي يؤكّد للمسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيّتهم التشريعية المتميّزة المستمدة من الكتاب والسنّة. وكان لابدّ من تأصيل للشخصية الاسلامية، وذلك من خلال زرع بذور الاجتهاد.



وهذا ما قام به الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) فقد بدأ حلقة من البحث والدرس في مسجد الرسول(صلي الله عليه وآله) وأخذ يحدّث الناس بصنوف المعرفة الإسلامية، من تفسير وحديث وفقه وتربية وعرفان، وراح يفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين.



وهكذا تخرّج من هذه الحلقة الدراسيّة عدد مهمّ من فقهاء المسلمين، وكانت هذه الحلقة المباركة هي المنطلق لما نشأ بعد ذلك من مدارس الفقه الإسلامي وكانت الأساس لحركة الفقه الناشطة.



الخطر الثاني : هو الخطر الناجم عن موجة الرخاء والانسياق مع ملذّات الحياة الدنيا والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة، وبالتالي ضمور الشعور بالقيم الخلقية.



وقد اتّخذ الإمام زين العابدين(عليه السلام) من الدعاء أساساً لدرء هذا الخطر الكبير الذي ينخر في الشخصية الإسلامية ويهزّها من داخلها هزّاً عنيفاً ويحول بينها وبين الاستمرار في أداء رسالتها. ومن هنا كانت «الصحيفة السجادية» تعبيراً صادقاً عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه علي الإمام(عليه السلام) إضافة إلي كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ علي مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب، وتظلّ الإنسانية بحاجة إلي هذا التراث المحمّدي العلوي، وتزداد إليه حاجة كلّما ازداد الشيطان للإنسانية إغراءً والدنيا فتنةً له[5].

پاورقي





[1] صحيح مسلم : 7 / 121 .



[2] إثبات الهداة : 2 / 320 حديث 116 .



[3] اختيار معرفة الرجال : 129 ـ 132 ح 207 ، والجاحظ في البيان والتبيين: 1/286، الأغاني: 14/75 و 19/40، وابن خلكان في وفيات الأعيان : 2/338 ط ايران.



[4] انظر: دراسات وبحوث للعاملي : 1/127 ـ 137 .



[5] السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس سره) في مقدمته للصحيفة السجادية.