بازگشت

التكافل الاجتماعي


كان الإمام (عليه السّلام) يحث أصحابه وشيعته علي المواساة فيما بينهم والإحسان إلي الآخرين لأن ذلك خير ضمان لوحدتهم واجتماع كلمتهم، وقد أثر عنه وعن الأئمة الأطهار الكثير من النصائح الرفيعة في هذا الشأن وهذه بعض منها: قال (عليه السّلام):



1 - (من قضي لأخيه حاجة قضي الله له مائة حاجة، ومن نفّس عن أخيه كربه نفّس الله عنه كربه يوم القيامة بالغاً ما بلغت، ومن أعانه علي ظالم له، أعانه الله علي إجازة الصراط عند دحض الأقدام، ومن سعي له في حاجة حتي قضاها له فسر بقضائها، كان كإدخال السرور علي رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم)، ومن سقاه من ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن كساه من عري، كساه الله من استبرق وحرير،ومن كساه من غير عري لم يزل في ضمان الله ما دام علي المكسي من الثوب سلك، ومن كفاه ما أهمه أخدمه الله من الوالدان، ومن حمله علي راحلة بعثه الله يوم القيامة علي ناقة من نوق الجنة يباهي به الملائكة، ومن كفنه عند موته كساه الله يوم ولدته أمه إلي يوم يموت، ومن زوجه زوجة يأنس بها، ويسكن إليها آنسه الله في قبره بصورة أحب أهله إليه، ومن عاده في مرضه حفته الملائكة تدعو له حتي ينصرف، وتقول: طبت، وطابت لك الجنة.. والله لقضاء حاجته أحب إلي الله من صيام شهرين متتابعين باعتكافهما في الشهر الحرام...)(1).



يحفل هذا الحديث بتعاليم إنسانية رفيعة المستوي تدعو المسلمين إلي التعاون والتضامن والمحبة، مما يمتن أواصر المودة والرحمة والتعاطف بينهم. ويعتبر هذا الحديث وأمثاله من العناصر الرئيسية في بناء التكافل الاجتماعي الذي أسسه الإسلام، فالمسلم أخ المسلم يشعر معه في أفراحه ويساعده في أتراحه ويعمل من أجل سعادته بكل ما يستطيع بالمال أو اليد أو اللسان وهو أضعف الإيمان.



2 - وقال (عليه السّلام) في المؤاساة والإحسان لضمان وحدة المسلمين:



(إن أرفعكم درجات وأحسنكم قصوراً وأبنية(2)، أحسنكم إيجاباً للمؤمنين، وأكثركم مواساة لفقرائهم، إن الله ليقرب الواحد منكم إلي الجنة بكلمة(3) طيبة يكلم بها أخاه المؤمن الفقير، بأكثر من مسيرة ألف عام يقدمه، وإن كان من المعذبين بالنار، فلا تحتقروا الإحسان إلي إخوانكم، فسوف ينفعكم حيث لا يقوم مقام غيره...)(4).



في هذا الحديث الطيب حث الإمام (عليه السّلام) المسلمين ليعملوا علي مواساة الفقراء والإحسان إليهم، وذكر ما يترتب عليه من الأجر الجزيل عند الله.



وعد من المواساة الكلمة الطيبة التي يقدمها الإنسان المسلم لأخيه المسلم، فإذا لم يكن لديه مالاً يساعد به المحتاجين فيمكن مساعدتهم بيده، وإذا تعذر عليه ذلك فباستطاعته مساعدتهم ومواساتهم بفكره، بكلمة طيبة تفيدهم وتهديهم وتطيب خاطرهم. وقد عد هذا الأمر واجب شرعي علي المسلمين.



3- وقال الإمام (عليه السّلام):



(من بات شبعاناً وبحضرته مؤمن جائع طاوٍ فإن الله تعالي يقول لملائكته: اشهدوا علي هذا العبد، أمرته فعصاني، وأطاع غيري، فوكلته إلي عمله، وعزتي وجلالي لا غفرت له أبداً..)(5).



في هذا الحديث تأكيد صريح علي عاتق كل مسلم تجاه إخوانه في الإيمان، فعليه أن يشعر معهم في محنهم ومصائبهم وحرمانهم في مجتمعهم الظالم الذي كان يحكمه حكام طغاة.



كما يمكن أن نعد هذا الحديث وأمثاله مما أثر عن أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) من العناصر الرئيسية في بناء التكافل الاجتماعي الذي أسسه الإسلام، ليقضي بصورة جازمة علي الفقر والحرمان في المجتمع الإسلامي.



4 - ولم يكتف الإسلام بحث المسلمين علي مساعدة إخوانهم في الدين، بل يحاسبهم علي تقصيرهم إذا ما حصل. قال الإمام زين العابدين (عليه السّلام): (من أطعم مؤمناً حتي يشبع، لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا الله رب العالمين.. وأضاف (عليه السّلام):



(من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان، ثم تلا قوله تعالي: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة. أو مسكيناً ذا متربة)(6).



إن إطعام الجائع ودفع السغب عنه ضرورة إسلامية ملحة يسأل عنها الإنسان المسلم ويحاسب عليها، وبصورة خاصة إذا كان الفقير بحاجة ماسة إلي الطعام.



فمساعدة المعوزين توطد العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع وتحيي في نفوسهم المحبة، مصدر كل خير وعطاء. ثم يمكن اعتبار ما ينفق علي المحتاجين في هذا المجال من الصدقات والصدقة زكاة وهي ركن أساسي من فروع الدين الإسلامي، من هنا كان الواجب الشرعي يقضي علي المسلمين المؤمنين مساعدة إخوانهم وقضاء حوائجهم.



5 - وفي ذلك قال الإمام السجاد (عليه السّلام):



(من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقي مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسي مؤمناً من عري، لم يزل في ستر الله وحفظه ما بقيت منه خرقه..)(7).



يحرص الإسلام كل الحرص علي شد أزر المسلمين وتضامنهم صفاً واحداً لدرء الظلم عنهم والوقوف في وجه الظالمين، والمنحرفين، وليس لهم ذلك إلا بمساعدتهم لبعضهم البعض وسد حاجات إخوانهم في الإيمان مهما كانت المساعدات بسيطة.



6 ـ صلة الرحم:



دعا الإسلام إلي صلة الأرحام وحث المسلمين علي العلم بها وحذر من قطيعتها وذلك لما يترتب عليها من التواصل والمحبة إذا وصلت، ومن المضاعفات السيئة إذا قطعت، والإمام زين العابدين (عليه السّلام) حث علي صلة الأرحام فقال: (من سره أن يمد الله في عمره، وأن يبسط له في رزقه، فليصل رحمه، فإن الرحم لها لسان يوم القيامة ذلق تقول: يا رب صل من وصلني، واقطع من قطعني، فالرجل ليري بسبيل خير إذا أتته الرحم التي قطعها فتهوي به إلي سفل قعر في النار..)(8).



لقد تواترت الأخبار عن الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) في الحث علي صلة الأرحام، فالذي يصل رحمه يمد الله في عمره، ويزيد في رزقه ويكسب الأجر الجزيل في الدار الآخرة، وصلة الأرحام توجب تماسك المجتمع وشيوع المحبة والمودة والصفاء بين المسلمين، وذلك من أهم ما يدعو إليه الإسلام.



إن هذه المبادئ الإنسانية الرفيعة التي دعا إليها الإسلام ورفع شعارها تمثل الجوهر الحقيقي له، ولو طبقها المسلمون علي واقع حياتهم لأصبحوا سادة الأمم وقادة الشعوب ولساد الأمن والأمان والسلم والسلام علي الدنيا بأسرها.



الإسلام دين إنساني يراعي مصالح الإنسان في كل مكان ليعيش عيشة حرة كريمة، ويعمل علي تنوير بصائر الناس ليكسبوا أجر الدارين الدنيا والآخرة. فهل يفقه المسلمون جوهر إسلامهم اليوم؟ وهل يعقلوا أن بعدهم عن الوحدة الإسلامية يعني بعدهم عن الخط الإسلامي الذي رسمه لهم النبي الأكرم في دعوته المباركة؟ إن عزة المسلمين تكمن في تعاونهم علي البر والتقوي، وفي تآلفهم ورص صفوفهم صفاً واحداً ليستطيعوا الوقوف في وجه أعداء الله وأعداء الإنسانية عامة، وهذا أمر سهل جداً لو تنازلوا عن حبهم للمنصب وتعلقهم في هذه الدنيا الفانية.



من هنا كان نداء الإسلام لأهل الفضل وما يستحقون من خير وجزاء. ولهذا حثَّ الإمام زين العابدين (عليه السّلام) أصحابه ودعاهم إلي إسداء الفضل وعمل المعروف إلي الناس كافة. قال (عليه السّلام):



7 - (إذا كان يوم القيامة نادي مناد: ليقم أهل الفضل، فيقوم ناس قبل الحساب، فيقال لهم: إنطلقوا إلي الجنة، فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم إلي أين؟ فيقولون: إلي الجنة، فإذا سألوهم عما استحقوا ذلك، يقولون: كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسيء إلينا غفرنا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.



ثم ينادي مناد: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس، فيقال لهم: إنطلقوا إلي الجنة، فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم مثل الأول. قيقولون: صبرنا أنفسنا علي طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله عز وجل، فيقولون لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.



ثم ينادي مناد: ليقم جيران الله عز وجل، فيقوم ناس، فيقال لهم: انطلقوا إلي الجنة فتسألهم الملائكة عما استحقوا ذلك، وما مجاورتهم لله عز وجل؟ فيقولون: كنا نتزاور في الله، ونتجالس في الله، ونتبادل في الله، فيقولون: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين..)(9).



يدعو الإمام (عليه السّلام) في هذا الحديث الشريف المسلمين خاصة إلي إسداء المعروف إلي الناس عامة والتحلي بمكارم الأخلاق التي توجب رفع مستوي الإنسان إلي أرفع الدرجات، وبلوغه ذروة الشرف والكمال التي أرادها له رب العالمين. قال الله تعالي: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..)(10). والأمر بالمعروف حث عليه الإمام زين العابدين فقال (عليه السّلام):



(التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره، إلا أن يتقي تقاه، فقيل له: ما تقاته؟ قال: يخاف جباراً أن يفرط عليه، أو أن يطغي..)(11). فكما نري أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المبادئ الإسلامية البارزة التي تبناها الإسلام بصورة إيجابية وذلك من أجل أن تسود العدالة الاجتماعية بين الناس، ويزول الظلم والطغيان عن عباد الله، فلا يبقي منكر ولا اعتداء علي واقع الحياة العامة بين البشر. وقد تواترت الأخبار عن أئمة الهدي (عليهم السلام) علي ضرورته ولزومه.



وقد ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية شروط القيام بهذا الواجب الإسلامي الخطير والهام في بناء مجتمع إسلامي عظيم يعيش موفور الكرامة عزيز الجانب.

پاورقي

1 - ثواب الأعمال، ص81.



2 - تفسير البرهان، ج1، ص44. والقصور يعني في الجنة.



3 - راجع سورة إبراهيم: الآية24-26.



4 - تفسير البرهان، ج1، ص44.



5 - زين العابدين للقرشي عن عقاب الأعمال، ص30.



6 - سورة البلد: الآيات 12 - 14. والسغبان: الجائع.



7 - المؤمن، ص19 للحسين بن سعيد الأهوازي من مخطوطات السيد الحكيم تسلسل 196، وقد قامت بتحقيقه ونشره مدرسة الإمام المهدي في قم (عج) سنة 1404هـ وقد ورد الحديث تحت رقم 159، ص62. راجع زين العابدين للقرشي، ص81.



8 - البحار واللسان الذلق: اللسان الفصيح.



9 - تاريخ اليعقوبي، ج3، ص46.



10 - سورة آل عمران: الآية 110.



11 - طبقات ابن سعد، ص2135.